هادى نصر الله

نشرت فى الدستور

31-7-1998

هادى نصر الله

أثناء توقفى فى أول طريق الإسكندرية الصحراوى فى سوق عملاق (سوبر ماركت) لمحت صورة “نجمى المفضل” محمد هنيدى على شريط (كاسيت) فعجبت أنه أصبح مغنيا من ورائى، وحين حاولت أن أقرأ اسم الشريط لم أستطع فقد كان مكتوبا هكذا “كمننه” وحين سمعته جيدا، ووجدت به فكرة تصلح لهذا العمود، قلت أخفف بها ما لاحقت به قارئى طوال الأسابيع الماضية منذ شهدائنا فى تفجيرات القدس الانتحارية حتى رحيل أستاذى الدكتور/أبو شادى الروبى، مارا بالمأسوف على غرامهما ديانا ودودى، لكن يبدو أنه مكتوب على قارئى مثلى أن يتعتعنا الموت لا اللهو، فقد سمعت بعد ذلك مباشرة فى إذاعة لندن نبأ مصرع هادى نصر الله، وانتظرت الاحتفاء به فى صحفنا القومية فلم يحدث، ثم نشرت الوفد خبر استشهاده (بلا مصرعه)، وصورة تهلل وجه أبيه لاستشهاده، وكانت لندن قد عقبت أنه لأول مرة يقدم زعيم عربى ابنه وسط القاتلين فيموت فى معركة حقيقية، وكلما قابلت أحداً وسألته هل تعرف “هادى نصر الله” مط شفتيه، أو هز رأسه، أو سألنى هل هو مغن جديد، وصديقه ردت بأمانة القارئات النابهات قائلة: نعم، ثم أردفت: إنه زميل قديم أعرفه من عشرين عاما قلت: أبشر.

اسمه هادى حسن نصر الله (وليس/ عماد محمد الفايد) عمره 18 سنة، ابن الأمين العام لحزب الله، ذلك الحزب الذى يمثل لى البقية الباقية من العرب الذين مازالوا يحاربون، ويهادنون، ويخرقون الهدنة، ويضعون الشروط، ويتبادلون الأسرى، ويقتلون من الإسرائيليين فى يوم واحد عددا أكبر من الذين قتلتهم الجيوش العربية مجتمعة فى حرب 1967.

هل هو إسلام آخر؟ هل هم عرب آخرون؟ هل هم منا حقا؟ هل نحن منهم؟

قلت فى هذا العدد وغيره عشرات المرات: إما استسلام ألمانيا وإما حرب حزب الله (وهكذا)، إما استسلام اليابان وإما حرب الشيشان؟ ماذا لو حاربنا منذ 1967 حتى الآن؟ حاربنا كلنا بمال الأثرياء، مثل أموال الخليج والفايد، وشجاعة الأبرياء، مثل هادى، فإن لم يكن، وهو لم يكن فماذا لو كنا استسلمنا تماما بعد هزيمة 1967 مباشرة؟

ماذا لو فعلها زكريا محيى الدين بشجاعة الشرفاء المهزومين، وألقى القبض على من اعترف بالمسئولية وعلى من انتحر (انتُحر) لاحقا، ماذا سمى أنور السادات كامب ديفيد: “الاستسلام الممكن” لنخرج منه بشرف حقيقى؟ أو لنصنع منه غدا كريما نسـتأهله (إن كنا نستأهله) مثلما صنعت اليابان وألمانيا؟ ماذا لو سمى ياسر عرفات اتفاقات أوسلو باسمها الحقيقى: “التسليم الاسترزاقى للشغيلة والسلطة معا”؟ ماذا لو واجهنا واقعنا المر بما هو، كما هو، لنفرز – إن كان ذلك ممكنا – ملايين من “هادى نصر الله” ولا بأس من خمس أو ست نسخ من عماد الفايد؟ لا يضر، أما أن يحل “عماد” محل “هادى” وتحل “ديانا” محل “سناء المحيدلى” فهذا لا يؤدى إلا إلى ما نحن فيه – هل تعرفون ما نحن فيه؟

باختصار مادمنا ندعى أننا لم نستسلم، فهذا يساوى أننا نحارب طول الوقت “نموذج حزب الله” وأن تستمر الحرب فى كل موقع .. هكذا.. وإلا فالشرف المر هو: استسلام كامب ديفيد، وأوسلو، وكوبنهاجن، بشجاعة الهزيمة، وليس باسماء التدليل مثل معاهدة اتفاق، إعلان مبادئ، ومؤتمر إلخ!

وإن لم يكن لا هذا ولا ذاك، فعلينا أن نعرف لمّ لم نلتفت إلى استشهاد هادى نصر الله ونحن نتفرج بالساعات على جنازة ديانا، دون جنازة الفايد إن كانت قد أقيمت أصلا.

ولا عزاء للذين تنازلوا عن كرامتهم، وعن الحرب المستمرة، وعن الاعتراف بالهزيمة مع الاستسلام المرير المتحدى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *