الرئيسية / مقالات صحفية / اليوم السابع / الصدق منجٍ، والعمل عبادة، والهدى لمن اهتدى

الصدق منجٍ، والعمل عبادة، والهدى لمن اهتدى

اليوم السابع

السبت: 14-12-2013

الصدق منجٍ، والعمل عبادة، والهدى لمن اهتدى

ترددت هذه الأيام حكاية أننا نسينا نجيب محفوظ، وأن الإعلام والمسئولين عن مؤسسات الثقافة لم يعطوه حقه فى الاحتفال بذكرى يوم مولده،  ومثل هذا الكلام، فإن صح ذلك، وأظن أنه غير صحيح تماما، فإن شخصا مثل نجيب محفوظ لا يحتاج من هؤلاء تذكرة، إن نجيب محفوظ غاص فى وعى  ناسه البسطاء الحقيقيين، ولم يغادره، ونحن أحوج ما نكون اليوم أن نحيى ذكراه، بأن ننقذ مصر وناس مصر مما يهددهم بما لا يستحقونه، فأنا على يقين أنه متألم ألما بالغا متجددا لما وصلنا إليه.

هذه صفحة عشوائية من صفحات التدريب الأولى (الصفحة الثامنة) التى كان يدرب فيها يده المصابة لعلها تعود إلى الكتابة، دعونا  نستلهم منها بعض ما يُصلح حالنا إحياء لذكراه بطريقة أنا متأكد أنه يفضلها:

كتب فى هذه الصفحة  الثامنة بتاريخ 2-2- 1995 ما يلى :

نجيب محفوظ

أم كلثوم

فاطمة

الهدى لمن اهتدى

الصدق منج

العمل عبادة

فكتبت تداعياتى على ما كتب : من أسفل إلى أعلى هكذا :

(1) …..، هو هنا يضيف إلى”العمل” صفة شديدة الدلالة عنده، إذ يبين أن العمل عبادة. حين تابعتُ علاقته بما يعمل، بعد كل ما أعاقه، حتى بالنسبة لإعاقات الحواس قبل الحادث، كنت أشعر فعلا أنه يصلى وهو يعمل، وأنه أقرب إلى ربه، ربنا، وهو يبدع (يعمل إبداعا). العبادة عند نجيب محفوظ تشمل “التوجّه” و”الإتقان” و”الناس”، سعيا غير معلن، حتى لنفسه إلى وجه الحق تعالى الذى لا سبيل إليه إلا بالإيمان بتفتح آفاق الإبداع على ما لا نعرف: الغيب.

 (2) ثم : “الصدق منج”، فرحت  أرجح  أنه لا يعنى –هنا – أن الصدق هو أسهل لحل المشاكل أو الخروج من مأزق، فلقد غلب على ظنى أنه يعنى أيضا، وربما أصلا:  الصدق مع النفس: الذى  ينجى الواحد منا من أن يكون غير نفسه، ما أمكن ذلك، نجيب محفوظ ظل يمارس هذا النوع من الصدق مع نفسه، ومع موقفه، ومع موقعه، ومع إبداعه، طول الوقت، طول العمر

حين أمارس النقد فى إبداعه : أقف أمام عبارة واحدة من كتاباته وصفا أو حوارا، وأشعر أنها المثال النموذجى لما هو صدق، حيث أنها تفيد ما يريد توصيله بلا زيادة ولا نقصان، فهو صادق حين كتبها بهذا الإحكام، وفى هذا ما يجعلها تصل إلى متلقيها بما تحمل بالضبط، (ولعل ذلك هو ما أسماه ت.س. إليوت: المعادل الموضوعى).

(3) أما  أن “الهدى لمن اهتدى”، ….، فقد انتبهت إلى أنها تبدو قضية مهمة بالنسبة له، كما كانت دائما مهمة بالنسبة لى، :  “إن الهدى هدى الله”، و”…الله يهدى من يشاء”، ظلت هذه المسألة تثير عندى  تساؤلا يقول:  كيف يكون الهدى لمن اهتدى؟ وهل ينبغى أن يهتدى الإنسان أولا حتى يستحق أن يعيش الهدى، أو ينال الهدى أو يكمل الهدى، تماما مثلما  استوقفتنى الآية الكريمة ” يا أيها الذين آمنوا، آمِنوا…”، لقد آمَنوا فعلا، فكيف يؤمنون من جديد. ..، ثم أدركتنى حركية المعرفة التى تقول إنه :  “لا شىء فى ثبات”، لا الهدى ولا الإيمان ولا حتى الموت، بمعنى أن كل شىء، وكل فكر، وكل وجدان، هو فى حركة متجددة، وبالتالى يكون الهدى (الجديد المتجدد)، لمن اهتدى (لمن حسِب أنه وصل إلى غاية الهدى)، … جعلتُ أرى هذه الحركة المتجددة فى كل أعماله، حتى فى نقدى الأخير  لروايته الرائعة “ابن فطومة”، ذلك أنه حين وصل قنديل العنابى (إبن فطومة) إلى ما حسِبه “الجبل”، وهو من بداية رحلته لم يسعَ إلا ليصل إليه، أقول إنه “حين وصل لم يصل”، فها هو يظهر أمامه فى الأفق البعيد  جبل آخر على مدى الرؤية، جبل لا يصله إلا من يسعى إليه “فردا”، لتنتهى  الرواية، الرحلة، كما تنتهى الحياة، تنتهى وقنديل يسعى، كما كان محفوظ يسعى، وكما كان يرجو لنا أن نسعى، مثله، ومعه، وبعده إلى وجه الله.

طيب، إذا كان “الهدى لمن اهتدى”، فماذاعن من لم يهتدِ، من أين يحصل على حقه فى الهدى؟

مادامت العملية مستمرة، لأن نبض الحياة/الموت هو عملية إيقاع حيوى مستمر،….، فالفرصة متاحة لمن لا يكف عن الحركة، والهدى ليس له حجم محدد، ولا نهاية مقررة، وهو ليس مرتبطا أيضا بمضمون بذاته، وفاتحة الكتاب تشهد بذلك، فيكررها المصلون، وغير المصلين ليهتدوا، فيهديهم الله، فيهتدوا، فيهديهم الله إلى الصراط المستقيم، ليواصلوا السير فيه، فيهتدوا، فيهديهم الله، فيهتدوا،

فهوصراط وليس نهاية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *