الرئيسية / مقالات صحفية / اليوم السابع / ذكاء القائد وعلاقته بالإبداع والكاريزما

ذكاء القائد وعلاقته بالإبداع والكاريزما

اليوم السابع

الأربعاء: 26-3-2014

 ذكاء القائد وعلاقته بالإبداع والكاريزما

إذا كان تقييم نوع ذكاء القادة هو إشكال فى ذاته،-كما ورد فى مقال أمس- وأن الذكى جدا جدا ليس بالضرورة هو الأفضل لقيادة شعبه، ولا الغبى طبعا ولو نصف نصف، فما هى القدرات التى ينبغى أن تتوفر فيمن يصلح لقيادة الناس، خاصة فى أوقات نمو الشعوب الحرجة، مثلا: فى الحروب أو عقبها، فى الثورات أو بعدها، فى الكوارث اومعها؟

مرة أخرى أقول إن ما يسمى الديمقراطية على مستوياتها المختلفة من أول ديمقراطية الصناديق حتى ديمقراطية الشوارع مرورا بما يسمى الشفافية والمؤسسات الدستورية الناقدة والضابطة والمراجِعَة، هى الضمان الذى يخفف من احتمالات الصدفة التى قد تأتي بشخص لا يتمتع بالقدرات المناسبة للقيادة، وحل مشاكل ناسه، وتحقيق العدل لتكون دولة، فإن هذه الديمقراطية نفسها أصبحت مقولة بالتشكيك – كما يقول الفقهاء – نتيجة لتأثير الدور المتصاعد للإعلام هذه الأيام عبر العالم، ذلك الدور الذى يمكن أن يخفى غباء الذين يقودون العالم حتى لو كان غباءً لامعا أشبه بالذكاء، وياليته غباء شخصى يضر صاحبه أو يحرمه فرصا يستحقها، لكنه غباء سرطانى خبيث جاهز للانتشار، يتخطى صاحبه إلى التأثير المهلك أحيانا لمن تصل إليهم آثاره من الأصدقاء والأعداء على حد سواء، الآن ومستقبلا.

الكاريمزما أحيانا تدل على ذكاء صاحبها فى النجاح فى اجتذاب حب الناس، أو تعلقهم، أو حماسهم له، وهى لا شك مزية لمن يتصدى لقيادة ناسه، وهى هبة إلهية، وأحيانا استجابة لدعوة أم طيبة: “روح يا ابنى ربنا يحبِّبْ فيك خلقُهْ”، لكنها للأسف أيضا ليست المحك الأهم فى تقييم صلاحية قائد أن يقود ناسه ، لأن هناك كاريزما طبيعية هبة من الله كما ذكرنا حالا، وهى عادة تعلن صدق صاحبها وقدرته على استيعاب وعى ناسه، وليس فقط اصواتهم للصناديق، لكن هناك كاريزما مصنوعة بمختصين محترفين يعلِّمون الذى يحتاجها كيف يبتسم، وكيف يومئ برأسه، ومتى يعلو صوته، ومتى يحضن طفلا أثناء استقباله، وهل يمد يده على رأس أم محجبة يطيب خاطرها، وكيف لا يطيل فى خطبته، أو كيف يطيل، ومتى هذا ومتى ذاك، وكيف يلقى نكته قصيرة أثناءها، وكيف يضبط جرعة السخريه فيها، وكيف يذكر أسماء بذاتها، ويغفل أسماء بذاتها، وكيف يحرّك المشاعر الدينية بغض النظر عن حقيقة تدينه أو علاقته بربه ..إلخ إلخ إلخ

يا للمأزق: الذكاء لا يكفى وبعض أنواعه مضروبة، والكاريزما ليست دليلا مطلقا على اللياقة الرئاسية، ما العمل؟

خطر لى متغير ثالث أصعب لكنه لاح لى أنه من أهم ميزات الرئيس الصالح لمنصبه، وهو أن يكون مبدعاً لأنه إذا كانت الثورة هى إبداع جماعى، كما ذكرت مرارا، فالمنتظر للثورات الناجحة، أن تفرز عددا من المبدعين الذين يواكبونها وهم يسيرون على نفس المسار: تفكيك القديم، ثم تحمل درجة من الفوضى، ثم الاسراع باعادة التشكيل، فكيف يا ترى تفرز ثوره ما هؤلاء المبدعين حتى يصلح أحدهم قائدا لناسه؟

إذا كنا قد عجزنا عن قياس الذكاء السياسى، وأقررنا أن الكاريزما الحقيقية قد لا يمكن تمييزها من الكاريزما المضروبة، فما هى المواصفات المطلوبة فى القائد أو الرئيس ليكون مبدعا وليس فقط ذكيا ألمعيا؟ وكيف يمكن أن نتحقق من أنه مبدع وليس فقط محبوبا وله كاريزما (وما حصلشى !!)؟

الإبداع ليس فرط ذكاء ولا هو مرتبط بحجم الكثافه الجماهيرية المنجذبة لشخص ما، فنيتشة كان مبدعا رائعا ولم يكن له قراء إلا عدد محدود من المقربين والمريدين المتحملين شطحه، وأينشتاين كان مبدعا، ونال من الرفض والوحدة والإنكار أكثر مما ناله مدير إدارة فى مركز البحوث بالدقى، فكيف نأمل أن يتمتع رئيس ما بالقدرة على الإبداع بعد أن عرفنا أنه ليس مرادفا للذكاء، وأنه متغير مستقل عن الكاريزما؟

ولهذا حديث آخر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *