الرئيسية / مقالات صحفية / اليوم السابع / استفتاء الدستور: “الشىء لزوم الشىء”

استفتاء الدستور: “الشىء لزوم الشىء”

اليوم السابع

الثلاثاء : 24-12-2013

استفتاء الدستور: “الشىء لزوم الشىء”

ليس عملاً جوهريا جدا، ولا هو ثانوى أصلا هذا الذى يجرى على الساحة السياسة الآن بالنسبة لما يسمى الاستفتاء على الدستور، مفهوم “المعادل الموضوعى” الذى يُستعمل أساساً فى النقد الفنى يمكن تطبيقه قياسا فى هذا المجال، على الرغم من أن المصطلح قد انتشر بسبب مقالة تى. أس. إليوت “هملت ومشاكله”، إلا أنه قد ظهر من قبله، يستخدم إليوت هذا المصطلح ليشير إلى الآلية “الفنية” التى تستثار بها عواطف الجمهور المستهدف بالعمل الفنى: وبسبب هذا المفهوم وصف إليوت مسرحية هملت لشكسبير بأنها: “فشل” فنى بالقطع”. فعواطف هملت القوية “تجاوزت الحقائق المعطاة فى المسرحية”، مما يعنى أنها لم تكن مدعومة “بمعادل موضوعى” .

وبتعبير أكثر عمومية فإن المعادل الموضوعى يتحقق حين ينطبق المبنى على المعنى، حين يحقق الشكل الهدف من تشكيله وهو يوصل الرسالة إلى المتلقى بزخمها الوجدانى بالضبط: مُحكمة تحقِّقُ ما تريد.

نرجع مرجوعنا للاستفتاء على الدستور فقد بيّنتُ فى الثلاث مقالات السابقة هنا عن الموضوع ما وصلنى من معان كل من “نعم”، بتاريخ 17/12/2013 وأنها “نعم” لأشياء أخرى وليست مجرد الموافقة على الدستور، وكذلك “لا” نفس الحكاية بتاريخ 18/12/2013، ، وأخيراً بتاريخ 19/12/2013، ثم حذرت من الامتناع عن التصويت لأنه ليس احتجاجا، بل هو ترجيح لكفة لا يعلم الممتنع أين هو منها، وهى منه، هكذا يمكن القول أن تعبير “استفتاء على الدستور” لم يعد يحمل مضمونا محددا يشير إلى الدستور بالذات، إذن يبدو أن السياسة قد سارعت بكسر المعادل الموضوعى لهذه العملية، كما حدث لكثير من الاصطلاحات السياسية، بل والدينية فى مجال السياسة، فأصبحت الشرعية تعنى انتخاب فريق بذاته بطريقة بذاتها، كما أصبحت كلمة استفتاء تعنى مدى النجاح فى التلويح بالترهيب والترغيب الدينى وغير الدينى لتحقيق أهداف “أخرى” (أية “أخرى” والسلام!!)، وهكذا يجرى إجراء بذاته، يحمل عنوانا بذاته، لتحقيق هدف وأهداف أخرى غير ما يبدو على السطح، بغض النظر عن نوع الاستجابة.

علينا أن نحترم كل ذلك، وأن نرجع لأرض الواقع ونحن نتساءل: ماذا ينبغى إذن بعد كل هذا؟ وما هو الهدف الذى نريد – أو نتمنى – تحقيقه بهذا الاجراء الذى يبدو ضروريا لغير ما وُضع له، وبالذات بقولنا: “نعم”، ما لزوم كل هذا التعب؟ “والمصاريف”؟ والرقابة؟ واللجان؟ والدعاية؟ والدعاية المضادة؟ قلت فى إحدى المقالات السابقة: إنها ضرورة يصدق فيها القول الشعبى المصرى الجميل “الشىء لزوم الشىء”، فما هو هذا الشىء الذى نعتبر الاستفتاء بعد كل هذه التعرية “لزومة”؟

الشىء: هو أن يكون لمصر العظيمة دستور عظيم، قانون القوانين!!، مكتوب فيه مواد، ونوايا، وعظات، وحكم، وأخلاق، وحاجات أخرى، لكن كل هذا لزوم ماذا؟ هو لزوم أن تكون لنا دولة إن عاجلا أو آجلا، أما حقيقة الجارى الآن فهو شىء آخر، فكل ما يمكن تحقيقه من هذه الخطوة اللازمة يمكن إيجازه مرة أخرى فى أهداف “أخرى” غير الموافقة أو الرفض، كما يلى:

1-  مجرد الاقبال على التصويت من حيث المبدأ هو تأكيد شرعية 30 يونيو، لا أكثر ولا أقل.

2- التصويت “بنعم” هو بداية ظهور دولة لها معالم تتكلم اللغة العصرية العادية، فهى بداية لانهاية، وانطلاقا من هذه البداية يمكن أن تصحح هذه الدولة نفسها، بما فى ذلك تصحيح الدستور، نفسه.

3-  الامتناع عن التصويت هو إعلان أننا لا نستأهل إلا ما نحن فيه من سلبيات، لا نعرف لها نهاية.

ودمتم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *