الرئيسية / مقالات صحفية / اليوم السابع / كان عمر- رضى الله عنه- “إذا حكم أبدع”

كان عمر- رضى الله عنه- “إذا حكم أبدع”

اليوم السابع

السبت، 29 -3-2014

 

كان عمر- رضى الله عنه- “إذا حكم أبدع”

“كَانَ عمر بن الخطاب رضى الله عنه إِذا مَشَى أسْرع، وَإِذا قَالَ أسمع، وَإِذا ضرب أوجع، وإذا حكم أبدع، وإذا قرأ أدمع ، وإذا أطعم أشبع ، وإذا استشفع شفعّ” .

أنا لا أعرف صاحب هذا القول الذى وصلنى من الصديق “أحمد العقدة” تعقيبا على ما كتبته عن ذكاء الرؤساء، وشعبيتهم إلخ، توقفت عند وصف “إذا حكم أبدع”. ياه!! أنا أحب عمر بن الخطاب، ومثل كل حبى للزعماء والقادة والصحابة، أتحفظ ولا أقدس.

أنهيت مقالى السابق فى الموضوع بتساؤل يقول: كيف نأمل أن يتمتع رئيس ما بالقدرة على الإبداع بعد أن عرفنا أن الإبداع ليس مرادفا للذكاء، وأنه متغير مستقل عن الكاريزما؟”، واليوم أحاول البدء بالرد على السؤال جزئيا:

أبدأ بتوضيح ما أقصده بالإبداع حتى لا يذهب فكر القارئ إلى غير ما أردت، فالإبداع الذى أقصده ليس أن ترسم لوحة، أو أن تكتب رواية، وإنما أنا أعنى بالإبداع “أى تغير نوعى، يختلف عن المألوف، وعادة عن المتوقع، إلى أعلى، ومن هذا المنطلق أعتبر كل شخص ينام ويصحو، مختلفا، أنه أبدع نفسه، النوم نبض حيوى، يتناوب فيه النوم الحالم (نوم حركة العين السريعة)، مع النوم غير الحالم (المرحلة الأطول) وهو بذلك إبداع منتظم حبانا الله به، بمعنى يصل إلى إعادة الولادة، مصداقا لدعوة المسلم وهو يستيقظ “الحمد لله الذى أحيانى بعد ما أماتنى وإليه النشور”، إذن فأى واحد منا مبدع كما خلقه الله حتى يثبت العكس، فما أطلبه من الرئيس، وللرئيس، هو أن يحافظ على هذه النعمة وينميها لصالح شعبه، ولصالحه.

الثورة إبداع جماعى، تبدأ بتحطيم القديم، فيتفكك القديم قبل أن يحل الجديد، فيلزم إعادة التشكيل، تماما كما يحدث للفرد أثناء النوم. الرئيس الذى يستلم العهدة، فيحافظ عليها كما هى، أو يكتفى بأن يحسنها ثم يبالغ فى اللعب فى الهوامش حتى تتجمد منه، هو رئيس معقول، مجتهد أو كسول (مريح نفسه)، يشكر إن سلمت معه، إذ ليس مطلوبا من كل رئيس أن يكون مبدعا بنفس الدرجة، من حق الرئيس أن يتمتع بالطور الذى وجد أنه يحذقه أكثر، شريطة ألا يترسخ التكرار وتثبيت الثابت حتى تتوقف الحركة، وتتضاعف السلبيات، كما حدث لنا، حتى احتاج الأمر إلى اقتحام إبداعى جماعى، وهو ما يسمى الثورة.

عبد الناصر كان مبدعا بكل معنى الكلمة، اقتحم، وغامر، واختلف، وخاصم، وأقدم على قرارات غير متوقعة، بتوقيتات غير تقليدية، وكان كلما تهددت إنجازات إبداعه كان يقفز مقتحما، حتى نفسه، لينتقل إلى نقلة نوعية تعلن حفاظه علىحركيته على حساب أى حل تقليدى معطل، وكان إبداعه – بداهة – ممتزجا بطبعه، ووعى شعبه، وطموحاته، (مثل كل إبداع)، وأيضا كانت لإبداعه مخاطره ومضاعفاته التى دفع ثمنها، ودفعناه معه.

السادات كان مبدعا، بطريقته، وكان إبداعه أيضا متسقا مع شخصيته، وتاريخه، ومغامراته، وناسه، وذكائه، وشجاعته، ولؤمه (الفلاحى الأصيل)، وفعلها بكل تفرد وإقدام، (سياسات الصدمات الكهربية) ودفع هو أيضا ثمن أخطاء إبداعهوخطورة مغامراته ومضاعفاتها، ودفعناها معه.

مبارك لم يكن مبدعا إلا مثل الشخص العادى، ولعلنا كنا نحتاج إلى فترة بناء والتقاط أنفاس، فجاء دوره مناسبا حتى “يهدّى اللعب”، فراح يضرب على وتر الاستقرار وبالغ كثيرا حتى توقف النبض أو كاد من فرط الاستقرار الذى إذا فرض من أعلى كان أبشع وأكثر إماتة، لكن واكب هذا الاستقرار أن غاب العدل، لكن علينا أن نعترف أن مبارك أنجز بالاستقرار ما لم يكن يمكن، ولا هو يستطيع، إنجازه لا بالكاريمزما القومية، ولا بالصدمات الكهربية، لكن طالت فترة الجمود حتى خمدت الحركة، وزاد الظلم والغباء والاستهانة بل والاحتقار حتى كدنا نيأس من أية حركة إبداعية تالية.

هكذا انطلق الشعب – ولو حتى بأنه انتهز الفرصة بفعل فاعل – يقوم بنفسه بمهمة الإبداع الذى سمى مشروع ثورة، فحل الإبداع الجماعى محل الإبداعات الفردية الرئاسية المتناوبة مع الاستقرار الخامد المنتج بلا عدل، وقد أنجز الشعب مرحلة التفكيك، لكنها طالت وانتقلت منه إلى مرحلة الفوضى (وهى جزء من العملية الإبداعية) ثم طالت هذه المرحلة، وتشوهت، وأفرزت مضاعفات كادت تنتقل بالإبداع إلا عكسه، وهو التفسخ بلا رجعة، لكن – والحمد لله – لملم الشعب نفسه بإبداع جماعى آخر فى العناية المركزة.

أليس من حقنا أن نأمل فى القائد القادم أن يستوعب كل ذلك، وأن نرى منه حلولا غير تقليدية، وهو يسعى إلى استقرارا غير ظالم ولا خامد، دون أن يفقد حقه وحقنا فى حلول إبداعية غير تقليدية، بدءا بالاستقلال الاقتصادى، الذى يسمح للشعب أن يعود يواصل مشواره لإبداع الحضارة التى يحذق لعبتها حتى لو كانت غابت عنه طويلا؟

(ملحوظة: محمد على باشا كان مبدعا، والخديوى إسماعيل كان مبدعا، لكن لا الخديوى توفيق ولا الملك فؤاد كانا كذلك).

ربنا يستر!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *