الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الدستور المصرية / هل يملك صاحب القلم ألا يكتب (تعتعة سياسية)

هل يملك صاحب القلم ألا يكتب (تعتعة سياسية)

نشرت فى الدستور

29-6-2005

هل يملك صاحب القلم ألا يكتب؟

تعتعة حول  مقال  رئيس التحرير !!

أصحاب الأقلام غير الكتاب، وغير الكتبة. الفريق الثانى، وربما الأول يستعمل القلم ليعبر عما تيسر كما يطلب منه، وأحيانا كما يراه، أما  أصحاب القلم فيجرجرهم قلمهم إلى ما يكتبون إبداعا أو ثورة فلا يكون لهم كيان إلا باستجابتهم للقلم الآبق العنيد.

هذا ما وصلنى من مقال رئيس التحرير فى عدد الدستور الماضى مباشرة . كان يتحدث عن خطف واغتيال سمير قصير، ولم يكن جورج حاوى قد قتل بعد بنفس الطريقة (يوم الثلاثاء الماضى)  تحدث قبل ذلك عن اختفاء الصحفى الليبى ضيف غزال، ثم تحدث بعد ذلك عن  التهديدات التى تصله، وصدقت دموعه على الراحلين، واحترمت خوفه الذى زاده إصرارا:  حتى أنهى  مقاله وهو يسائل نفسه (قلمه) : ” ليه مصمم تتنيل تتكلم ؟…. لماذا لا أسكت واتهبب آكل عيش وأوافق مع كل الموافقين إلخ ،ثم يردف ” ..ولأنى لا أفعل ذلك  فلا شك أنى عيان ….” حتى وصل إلى أن يزفوه “العبيط أهه”، ليعتذر لنفسه عن تهوره: بمرضه!

 أردت أن أنبهه أن المرض ليس مبررا، بل لعل العكس هو الصحيح. مرضاى العراة الفاشلين هم الذين اضطرونى للتعرى ، فالكتابة. إن العبيط الحقيقى كما كتبت فى ركن “نفسيتنا” ليس هو المريض الذى يتعرى فيضطرنا أن نرى ما اعتدنا أن نخفيه جبنا وغباء،   العبيط هو العادى جدا الذى يسير بجوار الحائط جدا.

جعلنى المقال أسائل نفسى: إذا كان هذا موقف الصحفى لأنه صحفى أولا وأخيرا ، فما هو تفسير ورطتى شخصيا فى تلك الكتابات الأقل ثورية ، لكنها أكثر أملا أو طمعا فى تحريك الوعى بما تيسر؟

بحثت فى أوراقى فوجدت بعض الرد، قلت أنشره لعل صديقنا أبا يحيى يأتنس ولو قليلا, وربنا يستر.

 (1)

كل القلم ما اتقصف يطلع له سن جديد

وايش تعمل الكلمة يا با والقدر مواعيد

خلق القلم ما العدم أوراق وملاها

وان كان عاجبنى وجبْ،

 ولا أتنى بعيد

(2)

بصرَاحَـةْ‏ ‏انا‏  ‏خفْتْ.‏

‏  ‏خفتْ‏ ‏منهمْ‏، ‏خفتْ ‏”‏منى‏”، …

.‏ خفت‏ ‏منّــا‏.‏

……

قلت‏ ‏انـَا‏ ‏مشْ‏ ‏قدّ‏ ‏قـَلـَـمِى‏.‏

قلت‏ ‏انا‏ ‏يكفينىِ ‏أَلـَمـِى‏.‏

قلت‏ ‏أنا‏ ‏ما‏ ‏لى، ‏أنا‏ ‏اسـْترزَقْ‏ ‏واعيشْ‏،‏

والهرب‏ْْ ‏فى ‏الأسْـَتـذَةْ‏  ‏زيّـُــهْ‏  ‏مافــيش‏ْْ،‏

والمراكزْ‏، ‏والجوايزْ‏، ‏والـَّذى ‏ما‏ ‏بـْيـنِـْتـهيشْ

قلت‏ ‏اخبِّى ‏نفسى ‏جُـوَّا‏ ‏كامْ‏ ‏كتابْ‏.‏

قلت‏ ‏أشـْغـِـلْ‏ ‏روحى  ‏بالقولْ‏  ‏والحساب‏ْْ.‏

والمقابلاتْ‏، ‏والمجالسْ

والجماعةْ‏ ‏مخلَّصـِينـْلـَكْ‏ ‏كل‏ ‏حاجـَة‏ْْ. ‏أَيْـوَهْ‏ ‏خـَالـِص‏ْْ. ‏

‏      ‏بس‏ ‏بـَرْضـَك‏ ‏وانت‏ “‏جالسْ‏”.‏

………….

قلت‏ ‏أرسمْ‏ ‏نفسـِى ‏واتْـدَكْـتَـرْ‏  ‏وارُصّ‏.‏

قلت‏ ‏أتـفـرَّجْ‏ ‏وِ‏ ‏أَتـْفلسـِـفْ‏ ‏وابــُص‏ْْ.‏

بس‏ ‏يا‏ ‏عالم‏ْْ ‏دا‏  ‏دمْ‏ ‏ولحم‏ ‏حىْ‏.‏

أستخبّى ‏مــنــُّـه‏ ‏فينْ‏ ‏؟

(3)

……

القلم‏ ‏صحصح‏ ‏ونط‏ّّ ‏الحْرف‏ ‏منُّه‏ ‏لْوَحدُه‏ ‏بِيخزّق‏ ‏عِينَىَّ،‏

وابْتْدا‏ ‏قَلمِى ‏يِجَرّحنى ‏أنا‏.‏

قالِّى ‏بالذمَّة‏ْْ:                           ‏

‏ ‏لو‏ ‏كنت‏ ‏صحيح‏ ‏بنى ‏آدم‏ْْ،.. ‏بـِـتـْحِسْ‏،‏

والناس‏ ‏قدامك‏ ‏فى ‏ألـَمُهمْ‏، ‏وفْ‏ ‏فَرَحْتِهُمْ‏،‏

وفْ‏ ‏كسْرتهم‏، ‏وفْ‏ ‏ميلة‏ ‏البخْتٌ‏، ‏

مشْ‏ ‏ترسـِمـْهُم‏ ‏للناسْ‏‏؟‏ ‏الناس‏ ‏التانيه‏ْْ‏؟

إٍللى ‏مِشْ‏ ‏قادْرَهْ‏ ‏تقولْ‏: “‏آه‏” ‏عَنْدِ‏ ‏الدَّكْتور‏ْْ.‏

أصل الآه الموضة غالية، لازم بالحجز، لا زم بالدور

………

 (4)

بصراحة‏ ‏انا‏ ‏خفت‏.‏

خفت‏ ‏من‏ ‏القلم‏ ‏الطايح‏ ‏فى ‏الكل‏ ‏كليلة‏.‏

حيقولُوا‏ ‏إٍيه‏ ‏الزُّمَلاَ‏ ‏المِسْتَنِّيَهْ‏ ‏الغلْطَهْ‏‏؟

حيقولوا‏ ‏إيه‏ ‏العُلَماَ‏ ‏المُكْنْ

‏(‏بِسكون‏ ‏عَالْكَافْ‏ .. ‏إِوعَكْ‏ ‏تغْلَطْ‏)‏

على ‏عالِم‏، ‏أو‏ ‏مُتَعَالم‏: ‏بيقولْ‏ ‏كَماَ‏ ‏راجِل‏ ‏الشَّارع

……….

القلم‏ ‏اتهز‏ ‏فْ‏ ‏ايدى، ‏

طــلّــعْ‏ ‏لى ‏لسانُهْ‏،‏

‏  ‏ما‏ ‏يقولوا‏!!‏

حد‏ ‏يقدر‏  ‏يحرم‏  ‏الطير‏ ‏من‏ ‏غُـنَـاه‏؟‏!‏

من‏ ‏وليف‏ ‏العش‏، ‏من‏ ‏حضن‏ ‏الحياة‏ْْ‏؟‏!‏

تطلع‏ ‏الكلمة‏  ‏كما‏ ‏ربِّى ‏خلقْها‏،‏

تطلع‏ ‏الكلمة‏ْْ ‏بْعَـبلْها‏،‏

تِبْقَى ‏هىَّ ‏الِكْلمة‏ ‏أَصْل‏ ‏الكُونْ‏ ‏تِصَحِّى ‏المِيِّتِيْن‏.‏

والخايفْ‏ ‏يبقى ‏يوسَّع‏ْْ،‏

‏ ‏أَحْسن‏ ‏يطَّرْطـَش‏، ‏

أو‏ ‏تيجى ‏فْ‏ ‏عينه‏ ‏شرارة‏، ‏

‏ ‏أو‏  ‏لا‏ ‏سـَمـَح‏ََ ‏الـلّه

يِكْتِشِفِ‏ ‏انُّه‏ ‏بِيْحِسْ‏.‏

وكلام كتير من هذا القبيل، ذكرنى به مقال رئيس التحرير، وبرغم الائتناس والفرحة الغامضة والخوف الحقيقى، إلى أننى عدت أتساءل نفس السؤال الذى طرحته فى أول تعتعة تصدر لى مع هذا الإصدار الثانى للدستور: ما جدوى كل هذا الكلام، وأغلبه صدق قد يكلف صاحبه ليس فقط قصف قلمه، بل قصف عمره؟ وهل نملك الآن إلا الكلمات، تتعتع الوعى، لتشعل النار التى وقودها الحكام الظلمة وحجارة الجمود، ثم يكون ما يكون.

وقبل الختام أذكر نفسى ورئيس التحرير بصلاح جاهين ” يا عندليب ما تخافشى من غنوتك – كتم الغنا هوا اللى حايموتك”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *