الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الدستور المصرية / مسؤولية التفاؤل ورفاهية اليأس! (تعتعة سياسية)

مسؤولية التفاؤل ورفاهية اليأس! (تعتعة سياسية)

نشرت فى الدستور

20-7-2005

مسئولية التفاؤل ورفاهية اليأس!!

من يرى نصف الكوب الملآن ليس متفائلا لأن الرؤية وحدها لا تكفى

الزمن فى صالحنا مهما بدا لنا “الآن” هكذا علمنا التاريخ

رغم وضوح نهاية تعتعة الأسبوع الماضى والتأكيد على ” … أن الفرصة الآن أرحب، لأنه صبر جميل ملئ بالفعل والمحاولة، وليس بمجرد الانتظار والكمون…” إلا أنه  وصلتنى اعتراضات جادة تزعم أن هذه النهاية لا تكفى لإزالة اليأس الذى بدا من صدر المقال حتى قبل نهايته. راجعت المقال وفهمت سر الاعتراض.  أنا أرفض حكاية أن من يرى نصف الكوب الملئ هو المتفائل، وأن من يرى النصف الفارغ هو اليائس أو المتشائم. ليس من حقك أن تـٌعد متفائلا لمجرد أن “ترى” ما يصلح أن تشربه جاهزا، المتفائل الذى يستحق أن يعيش بتفاؤله ناهيك عن أن يسوّقه هو الذى يمارس قدرته الفاعلة “هنا والآن” من واقع مسئولية استمرار وجوده ، هو الذى يشعر أن عليه أن يملأ الكوب ماء عذبا حتى لو كان فارغا حتى القاع، إنه يفعل ذلك لمجرد أنه قرر بوضوح  ألا يموت هو أو ناسه عطشا، يواصل محاولته وهو يتألم لا يتأوه، يفعلها وهو يرى فراغ الكوب ليملأه لا ليشرب النصف الملآن جاهزا.

 لكى تواصل وتعمل متفائلا تتحدى، لا يلزمك أن تغمض عينيك عن الواقع المر، ولا حتى أن تخفف من مرارته. ما دمت ما زلت تعيش على ظهر هذه الدنيا  فى هذا البلد على الأقل فليس أمامك ولا أمامى إلا أن نتجرع ألم التفاؤل ممرورا؟ لا ينبغى أن يلهينا تفاؤل ساذج عن مسئولية تحقيق ما نتصور أنه موجود باعث على التفاؤل.

من باب التعتعة العملية هيا نجرب معا أن يحدد كل منا موقعه  بين الاختيارات التالية :

  1. تفاؤل “إن شاء الله خير“: وهو تفاؤل المتفرج الفاتح فاه المستبشر خيرا لمجرد أنه التقط حركة إيجابية هنا، أو إنجازا محدودا هناك.
  2. تفاؤل “اللى ييجى منه أحسن منه” وهو تفاؤل الذى يقيس موقفه وموقعه بما يناله من مكاسب شخصية من الوضع أو الشخص المسئول عن المصيبة العامة ولا مؤاخذة
  3. تفاؤل “اللى تعرفه أحسن من اللى ما تعرفوش (هكذا أسلم، من يدرى من يأتى بعده سوف يفعل فينا ماذا؟)
  4. يأس الـ “مافيش فايدة” (طيب بالله عليك لماذا تأكل خبزنا’ وتزاحمنا فى الأتوبيسات)
  5. يأس الـ “كان غيرنا أشطر” (يبقى تستاهل الذى يجرى فيك)
  6. يأس الشامتمش قلتلكم“؟!! ( طيب وانت عملت إيه يا فالح؟)
  7. يأس الناعى الـنعّأب (فوّت هذه أو اكشف عن معنى الكلمات فى القاموس)

عندى مواقع أخرى سرية ، لكنها لا تقال لأنها “كلام قبيح” يخدش الحياء العام،  فأكتفى بهذا لعل فيه ما يتعتع  الحجر (ولامؤاخذة).

  تصحيح التعتعة:

إذا وجدت نفسك  “مش على بعضك” فقد تم المراد (ثلاث درجات)

إذا لعنت الكاتب فأنت على حق (درجتان)

إذا كنت لم تفهم أى شىء فهذا أحسن (عشرة على عشرة)

إذا أرسلت رأيك للكاتب بالبريد أسفل المقال (ميت فل واربعتاشر)

(على فكرة: يمكن أن تختار أكثر من موقع، ما هو ببلاش !!)

أما ما  حدث، والكتابة تتعتنى قبل أن تقرأنى، فمن حقك، عزيزى القارئ، أن تعرفه:

تأكدت أننى لكى أواصل وأعمل متفائلا أتحدى، لا يلزمنى أن أغمض عينى عن الواقع المر، ولا أن أفرق الشربات فى يوم سبوع “حركة كفاية” أو عيد ميلاد “تجمع التجمع” ، ولا  أن أفرح بترشيحى لوزارة الوزارات حتى لو فاقت اختصاصاتها لجنة السياسات، وجدت أنه  علىّ أن أواصل رفض ما أسميته “رفاهية اليأس”، حتى لو أكملت حياتى غبيا أو معاندا، وحيدا أو صارخا دون كيشوتيا  آملا،  فملكنى غم عظيم لم ينقذنى منه إلا التالى:

 لاحت لى وصفتان لعل فيهما البركة :

الأولى:  تذكرت أن الزمن فى صالحنا  مهما بدا “الآن” غير ذلك، هكذا علمنا التاريخ.

 والثانية : تصورت أننى لست وحدى الذى يرى كل ما يجرى هنا وهناك، ثم يستمر عنيدا يحاول. عندى يقين من واقع جارٍ أن مئات الملايين عبر العالم، بدءا ببلدنا الجميل،  يحاولون فى نفس الاتجاه، مع اختلاف اللغات والأديان والثقافات والأدوات،

 فإذا فعلتها معى عزيزى القارئ، فسوف ترى كيف أصبحنا نحن البشر قادرون أكثر فأكثر على التواصل، وأنه ليس  أمام القدر إلا أن يرضخ لما نفعل ونريد،

وهكذا تكون التعتة حركة حقيقية، “ليست فى المحل”، لنا معا، كلنا.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *