الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الدستور المصرية / لا شكر على تسويق دواء جديد (تعتعة نفسية)

لا شكر على تسويق دواء جديد (تعتعة نفسية)

نشرت فى الدستور

27-7-2005

لا شكر على “تسويق” دواء  جديد!!

دخلتْ على رقيقة باسمة، حسب تعلميات آليات السوق، باعتبار أن “السوق هو الحل”، أى والله!!  قالت لى بتلقائية ميكانيكية (باسمة !!)، “أشكرك على تشجيعنا يا دكتور”. رددت عليها بكل قلة “سوق”  = )قلة ذوق، أو حتى قلة أدب) قلت لها “أنا لا أستحق شكرك يا ابنتى، وأرفض شكر شركتك، لأننى لم ولن أشجعك، أنا أكتب العقاقير لأقدم لمرضاى فرص الشفاء، لا لأشجع شركتك، مهما كانت عالمية أو مشهورة . بلعتها البنية وانتقلت إلى نقطة أخرى:  ذكرتْ أنها علمت أننى كتبت عقارا آخرمن إنتاج شركتها هذا الشهر عدة مرات، تمالكت نفسى، وكظمت غيظى، وسألتها من أين علمت ذلك؟ أجابت بسذاجة بادية  “من الصيدليات المجاورة”، قلت وانا أنفخ “من علّمك أن هذا التجسس هو حق لك أو لشركتك؟ وبأى حق يذيع الصيدلى أسرار ما يصله من وصفات منى أو من غيرى. لم تفهم، اشفقت عليها، لكنى أخبرتها أننى لت أستحق الشكر حتى على ذلك لأننى توقفت عن كتابة هذا العقار بعد أن  ثبت لى أنه أخيب وأخطر.

فى زيارة أخرى طلب منى شاب آخر (طبيب يا حبة عينى!) يقوم بنفس المهمة أن أجرب عقار شركته، فقلت له:  ربما أفعل إذا احتجت ذلك، سألنى متى يكون ذلك ، قلت: إذا ما فشلت العقاقير التقليدية التى استعملها منذ حوالى خمسين عاما أن توصلنى ومرضاى إلى ما نريد، راح يعدد الآثار الجانبية لتلك العقافير الرخيصة الأقدم ، قلت له هل اشتكى لك أحد مرضاى، قال لا، قلت له ، ولا هم اشتكوا لى أنا أيضا، ثم أضفت: إن من أخبروك بهذه الأعراض الجانبية، لم يروا مريضا واحدا بأنفسهم، هم علماء المكاتب والمعامل والجداول، وليسوا أطباء الممارسة وفن المدواة والمواساة، إن كل همهم هو أن يحلوا الأدوية الجديدة التى ثمنها أضعاف أضعاف ثمن القديمة ، ثم بمرور الزمن يثبت أن للجديدة أخطار أكبر، وفاعلية أقل. دهش الشاب كما دهشت زميلته من قبل. أضفت: إن   الحل الذى سوف تلجأ له شركتك يا بنى – بإذن آليات السوق – هو أن ترشوا الجهات المسئولة، أو الشركات الأقدم، حتى يوقفوا إنتاج الأدوية الأرخص والأفضل فاعلية. ولا عـزاء للمرضى والفقراء !!

هذا ما يجرى فعلا.

المصيبة الكبرى هو أننى من خلال مثل هذه الحوارات، والأحوال، وواقع الحال: أتصور أن مثل ذلك يجرى فى كل مجالات الاقتصاد والسياسة وربما التعليم حتى الحروب ، مما قد أعود إليه فى ركن التعتعة السياسية فى الوقت المناسب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *