الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الدستور المصرية / التعتعة بالشعر (تعتعة سياسية)

التعتعة بالشعر (تعتعة سياسية)

نشرت فى الدستور

10-8-2005

التعتعة بالشعـر

الشعر ليس له محتوى، هو نفسه المحتوى. لا ينبغى أن تبحث فيه عن رسالة أو معنى، الشعر يكون كذلك إذا ما نجح أن يحرك وعيك إلى ما تحرك إليه، أو  بلغة هذه الزاوية : إذا نجح أن يقوم بتعتعة وعيك إلى ما لا تعرف. أنت تستقبل القصيدة فتقول “هذه هى”، أو تصمت وتكتشف أن ثم شيئا قد تحرك داخلك، أو خارجك، أو لعلك ترفضها،  لكن ريحها يعاودك دون استئذان.

هذا يعنى –ضمنا-  أنه يستحيل نقد الشعر إلا شعرا.

وصلنى كل ذلك وأنا أفكر فى كتابة تعتعة هذا العدد، فإذا بالحاسوب يتآمر علىّ ويجلب لى مسودة هذه القصيدة المهملة فى زوايا الخجل والتردد. كانت شخبطة عشوائية استكمالا لما حدث لى بعد انقلاب سيارتى منذ بضعة شهور قرب “دهب”، ذلك الحادث  الذى  تغير وعيى أثناءه إلى أعلى حتى فهمت “لاكان” شاعرا، وكيف يمكن أن يستقل الدال عن المدلول خاصة فى الشعر، ملأنى هذا المعنى حتى أفرز تلك القصيدة التى نشرت فى الأهرام فى حينها . أما هذه القصيدة فيبدو أنها جاءت مكملة لهذه الخبرة، وقد تعتعتنى مسودتها شخصيا من جديد، فقلت أعرضها قى صورتها النهائية من باب التعتعة فعلا، معتذرا  لزميلى (فى هذه الصفحة) إبراهيم داود،  ولكل الشعراء الذين هم “بحق وحقيق”.

(1)

كلُّ البشرْ ، مثل البشرْ،

كل التفاهةِ ترتوى من فيض نهر التافهينْ،

كل الأمانى الطيبة، هى طيبةْ،

إلا الأمانى الطيبةْ،

والناس أيضا طيبون،

إلا أنا…

إلا قليلا نحرقٌُهْ

أو نسـرقٌُهْ

إلا كما لاح الأزلْ

إلا كما عاد الأملْ

إلا كما قال المثلْ

إلا خرافة أننا نحن الذينَ كذا كذا !

من قبل أنْ قال القدرْ

(2)

وتفتحتْ آفاق ما بعد الأفقْ،

وترعرعتْ أشجار سهل الخالدينْ،

وتمادى وعى الناس نحو المنتهَى،

وترددت ألحان كون الكون حتى زُلزِلتْ زلزالها فى جوف ليل تمامها،

وتكامل المجهول فى المعلوم فى المنظور فى الخافى على كل البشرْ،

وتجمّع التاريخ فى أعماق خلق الله قبل تشوَهوا،

وتخايلتْ أشواق أنــَّـا مثلهم :

(3)

نـمضى حثيثا فى ثنايا نبضها

تقسو، إذا سدّ المُحال طريقَها

وتلين عند المقصلةْْ

يرنو إليها جوع كل الطامعين

إلا الذى عاش الأنين فارتوى

ثـُـمَّ:  على العرش استوى

لكنّهُ :

ليس كماَ…

(4)

ما زلت أخطرُ فى بقايا ذكرها

ما زلت أنتظرُ الوفاء بوعدها

ما زلت ألتمسُ الطريق لودّها

مازلت أحتملُ الوقوف ببابها

ما زلت أفزعُ من بوادر صدِّها

فتـُوزِّع البركات  حسْب مِزاجها،

وينال كل الناس منها ما تيسر من عطايا حبها

لكنهم لا يرتوُون بفعل فاعلٍ بهمْ

إلا إذا..

(5)

لا لم تكن تلك “الأنا”: هى ما “أنا”

ما  كان إلا ظـلُّ ظن الوهم  أحلام  المُنى

دعهم كما حسبوا بأنّا مثلما نبدو لهم،

وليقسموا، أنا كذا،

أو أن من قال الذى هو قاله،…… قد قاله،

أو أننا لسنا سوى ما  لاح:  “أنّأ  أننا”.

وليرقصوا “معه” كمثل عرائس الظل التى قد علَّـقوها من خيوطٍ، خافيةْ،

حتى إذا….

(6)

أما أنا ، …..

فلسوف أرفض أن أكونَ أنا : “أنا”

ولسوف أمضى باحثا “عنها” “لنا”

سأظل وعدا غامضا،

ليس “أنا”،

لكنه،  لكنه،

هو ليس إلا ما أكونه “أنا” .

(7)

إلا كما طارت ولمّا تنجلى

إلا كما عادت، كما خـُـيِّل لِـى

إلا كما هى أينعتْ،

فترعرعتْ،

وتكاملتْ،

وتمايلتْ،

فتماوجتْ.

“فلوْ  جُـنَّ إنسانٌ منَ الحسنِِ: جـُـنَّـتِ”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *