الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الدستور المصرية / أدب التحريض والإبداع الثورى (تعتعة سياسية)

أدب التحريض والإبداع الثورى (تعتعة سياسية)

نشرت فى الدستور

 24-8-2005

أدب التحريض والإبداع الثورى!!

لعله من المقيد فى البداية أن أذكر حوارا عابرا دار بينى وبين رئيس التحرير أثناء ذهابنا سويا إلى تسجيل برنامج ما فى قناة ما، منذ سنوات، كان الحوار حول النقد الأدبى، والرواية بوجه خاص، من حيث دورها السياسى الثورى تحديدا، وبلغ حماسه أنى فهمت أن رأيه أن العمل الأدبى الذى لا ينحاز إلى الجماهير، ولا يحرك الناس، لا يستحق أن يعد إبداعا هاما. بصراحة اختلفنا حتى كدنا نتشابك (وهذا من علامات الود والحميمية، أليس كذلك يا أبا يحيى).

عاد لى هذا الموقف وأنا أقرأ مقاله الأخير فى صوت الأمة (عدد14الجارى) وهو يعلن غياب الأدب والأدباء عن المشاركة فى الاحتجاج والتحريك والتحريض والإثارة حتى قال: “وهكذا لم يعد للأدب أى دور ولم تعد للأدباء أية أهمية” لكن السعادة عادت تغمره وهو يشهد بيقظة رهط من الأدباء، ويقرُ وقوفهم حاليا فى صفوف الشعب مشاركين محرضين ثوارا، ثم إنه راح بأمانة يذكر بخير كل من تصدى أخيرا للقيام بهذا الدور الضرورى للإسهام فيما يجرى الخ.

 لتكن هذه شهادته وله الحق فيها، وهو حق أفضل كثيرا من حقه فى موقفه من سلبية غالبية جموع هذا الشعب حتى كاد يعايره بإصابته بفيروس س إلخ. ليكن هذا موقفه الشخصى أيضا، لكن الحمد لله أنه لم يسمح لهذا الموقف الشخصى أن يمتد إلى منع نشر ما لا يوافق رأيه، فقد نشرت فى هذه الزاوية ما هو شعر عامى تحريضى جنبا إلى جنب مع ما يحرك الوعى دون تحريض ولم يكن ثم تعارض، حتى فى نفس القصيدة. مضطر أنا أن أرجع إلى بعض القصيدة العامية التى نشرت هنا لأبين الفرق: إن مقطع

 ” تِبْقَى ‏هيهْ ‏الِكْلمة‏ ‏أَصْل‏ ‏الكُونْ‏ ‏تِصَحِّى ‏المِيِّتِيْن‏.‏ والخايفْ‏ ‏يبقى ‏يوسَّع‏ْْ، ‏أَحْسن‏ ‏يطَّرْطـَش‏، ‏أو‏ ‏تيجى ‏فْ‏ ‏عينه‏ ‏شرارة‏، ‏‏أو‏  ‏لا‏ ‏سـَمـَح‏ََ ‏الـلّه، يِكْتِشِفِ‏ ‏انُّه‏ ‏بِيْحِسْ‏.‏

 به من التحريض أكثر مما به من تحريك الوعى مقارنة بمقطع آخر يقول فى البداية

 “كل القلم ما اتقصف يطلع له سن جديد، وايش تعمل الكلمة يا با والقدر مواعيد، خلق القلم ما العدم أوراق وملاها، وان كان عاجبنى وجبْ،  ولا أتنى بعيد”.

 هذا مقطع أبعد ما يكون عن التحريض، وأقرب ما يكون إلى تحريك الوعى ” ثم إن سماح رئيس التحرير بالاختلاف هكذا شجعنى أن أغامر بنشر القصيدة الأخيرة فى العدد قبل الماضى، بعد تقدمة تعلن أن الشعر ليس بمعانى محتواه، إنما بما يحرك الوعى. أدونيس فرق بوضوح بين شعر الثورة، والشعر الثورة. الأول (شعر الثورة، شعر التحريض) هو شعر مرتبط بحركة ثورية معينة فى فترة تاريخية معينة، هذا النوع من الشعر يحرض على ثورة ما، ويحافظ على زخمها واستدامتها، ويصف أبطالها ويحييهم ويمدحهم، أما الشعر الثورة فهو الذى يُعتبر فى ذاته ثورة حيث يقوم بتغيير جذرى نوعى لوعى كل من المبدع والمتلقى، هو رسالة كلية تنطلق من حركية وعى مبدع يعيد تشكيل ما تيسر له من مفردات وعيه لتصل إلى وعى المتلقى، فالمتلقيين، فالعالم من حوله، لعلها تقوم بنفس الدور.

هذه القضية قد تكون مرتبطة بشكل أو بآخر بقضية الفن للفن أم الفن للحياة، لا يوجد شئ اسمه الفن للفن، المسألة كلها إما إبداع وإما رص كلام، التحميس مطلوب، وإعادة تشكيل الوعى حتمية لتطور الناس والحياة، خاصة على المدى الطويل.

فى النهاية لابد أن أعترف للدستور برحابة صدره التى تسمح بهذا الاختلاف الذى يسمح لى أن أعاتب رئيس التحرير عتاب الأب المحب، وأنا أقول له “مش كده قوى”. وخاصة وهو على أبواب أن يتولى – إن شاء الله – قيادة نقابة الصحفيين. ليس معنى هذا أننى أوصيه بدبلومسية مائعة، وإلا أصبح “هو ليس هو”، ولكننى أوصيه كما أوصي نفسى أن ننتبه إلى ما يمكن أن يصلنا من هذا المقال لنحترم كل المحاولات، ونفتح كل النوافذ، فتتراكم الإيجابيات،

 ثم هُبْ، عالبَرَكة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *