الرئيسية / مقالات صحفية / اليوم السابع / دور الثقافة الشابة فى ثقافة الشباب الجديدة

دور الثقافة الشابة فى ثقافة الشباب الجديدة

اليوم السابع

الأربعاء: 23-4-2014

دور الثقافة الشابة فى ثقافة الشباب الجديدة

بعد أن كان ما كان، علينا أن نستوعب ضرورة عامل الزمن ونحن نسعى إلى إعادة تشكيل الوعى الجمعى الإيجابى، بدءًا بالشباب، كنت أتمنى أن أبدأ بالأطفال والمدارس بعد أن قرأت هذا الخبر اليوم: الأخبار: 23/4/2014 العنوان: “المدرسة بلا تلاميذ”: أحال مدير تعليم محافظة السويس جميع أعضاء هيئة التدريس إلى الشؤون القانونية بعد أن اكتشف عدم وجود “جميع طلاب” مدرسة الخليلية الابتدائية أثناء جولة تفقدية للمدارس……”

 الفصول الفارغة هى التجسيد العيانى للوعى الفارغ والمفرغ لكل النشء المصرى المفرغ من كل شىء وهؤلاء المفرغون هم الذين سيصيرون شبابا يقومون بما يشبه الثورة يوما ما!!

هذه حقيقة قديمة ومستمرة فى طول مصر وعرضها، أواجهها يوميا فى ممارسة مهنتى فى قصر العينى وعيادتى الخاصة، وأشير إليها فى كل حديث وكتابة، ويستحيل تصحيحها بقرار جمهورى أو دستور جديد أو رئيس وزراء شديد النشاط، أو رئيس جمهورية شديد الأمانة والكفاءة.

أجّلت الحديث عن هذه القضية الأخطر والأكثر حاجة لزمن أطول سنين عددا، وقلت أركز اليوم على الشباب الجاهز وهل نستطيع أن نلحقه بما هو ضرورى من دعم من الثقافة الإيجابية لاستعادة حركية النقد وشرف الاجتهاد؟ فخطرت لى المحاذير التالية وهى قديمة جديدة:

أولاً:‏ ‏‏ ‏يجدر‏ ‏بنا‏ ‏أن‏ ‏نتحدث‏ ‏عن‏ ‏شباب‏ ‏الثقافة‏ ‏لا‏ عن‏ ‏ثقافة‏ ‏الشباب‏، ‏فالثقافة‏ ‏الحية‏ ‏لها‏ ‏طبقات‏ ‏متصاعدة‏ ‏وكل‏ ‏من‏ ‏ينهل‏ ‏منها‏ ‏يحصل‏ ‏على ‏المستوى ‏الذى ‏يتفق‏ ‏مع‏ ‏مرحلته‏ ‏شابا‏ ‏أو‏ ‏يافعا‏ ‏أو‏ ‏كهلا‏ ‏

ثانيا‏: ‏انه‏ ‏لا‏ ‏يصح‏ ‏تفصيل‏ ‏ثقافة‏ ‏للطفل‏ ‏وثقافة‏ ‏للشاب‏ ‏وثقافة‏ ‏للكهل‏، فالثقافة وعى عام، إيجابى أو سلبى، ثقافة إبداعية شابة متجددة، أو ثقافة جامدة كهلة جاثمة، كل مرحلة عمرية تنهل مما هو موجود ما هو متاح لتتماثل معه.

ثالثا‏: ‏أن‏ ‏الذين‏ ‏يتحدثون‏ ‏عن‏ ‏ثقافة‏ ‏الشباب‏ ‏أو‏ ‏ثقافة‏ ‏للشباب‏ ‏ليسوا‏ ‏عادة‏ ‏من‏ ‏الشباب‏، ‏فالشباب‏ ‏موقف‏ ‏ومغامرة‏ ‏وحركة‏، ‏والتخطيط‏ ‏الفوقى ‏يأخذ‏ ‏عادة‏ ‏شكل‏ ‏الإطار‏ ‏الجامد‏، ‏فضلا‏ ‏عن‏ ‏عجز‏ ‏الكبار‏ ‏الذين‏ ‏ماتت‏ ‏عندهم‏ ‏قدرة‏ ‏الإبداع‏ ‏عن‏ ‏مواكبة‏ ‏سرعة‏ ‏إيقاع‏ ‏العصر‏.‏

رابعا‏: ‏إن‏ ‏أى ‏حل‏ ‏يطرح‏ ‏كنموذج‏ ‏نافع‏ ‏لاحتياجات‏ ‏عقول الشباب ووعيهم‏ ‏لا يمكن‏ ‏تقييمه‏ ‏تقييما‏ ‏حقيقيا‏ ‏إلا‏ ‏بعد‏ ‏سنوات‏ ‏تصل‏ ‏أحيانا‏ ‏الى ‏عشرات‏ ‏السنين‏، ‏فلو‏ ‏أننا‏ ‏تصورنا‏ ‏خطة‏ ‏معينة‏ ‏لثقافة‏ ‏الشباب‏ ‏فلن‏ ‏نعرف‏ ‏جدواها‏ ‏فى ‏إثراء‏ ‏عقولهم‏ – ‏أو‏ ‏تسطيحها‏ – ‏إلا‏ ‏بعد‏ ‏عدد‏ ‏من‏ ‏السنين‏ ‏وبمقياس‏ ‏الإبداع‏ ‏وعمق‏ ‏الوعي‏، ‏لا‏ ‏مجرد‏ ‏محو‏ ‏الامية‏ ‏الظاهرية‏، ‏فعلينا‏ إذن ‏أن‏ ‏نستهدى ‏التاريخ‏ ‏ونحترم‏ ‏الحدس‏ ‏الصادق‏ إذا أردنا أن ‏تنتشر‏ ‏موجة‏ ‏من‏ ‏الوعى ‏العام‏ ‏بالمسئولية‏ ‏الفردية‏ ‏والجماعية‏، ‏والفرصة‏ ‏حاليا‏ ‏متاحة‏ ‏بعد‏ ‏صدمة‏ ‏مشروع الثورة‏ ‏واحتمال تماسك‏ ‏المسيرة‏‏، ‏والثقافة‏ ‏الواعية‏ ‏هى ‏من‏ ‏اكثر‏ ‏المعايير‏ ‏حساسية‏ ‏للتغيرات‏ ‏الجوهرية‏ ‏فى ‏حياة‏ ‏الشعوب‏، ‏وقد‏ ‏تكون‏ ‏فترة‏ ‏حياتنا‏ ‏الآن‏ ‏هى ‏من‏ ‏هذه‏ ‏الفترات‏ ‏الخطيرة‏ ‏الواعدة‏ الحرجة معا ‏حقيقة‏ ‏وفعلا‏.‏

خامسا‏: ‏إن‏ ‏اعتبار‏ ‏الثقافة‏ ‏الشابة‏ ‏هى ‏ما‏ ‏يثير‏ ‏العواطف‏ ‏ويقدس‏ ‏المثاليات‏ ‏هو‏ ‏تصنيف‏ ‏خاطىء‏، ‏وإنما‏ ‏يقاس‏ ‏شباب‏ ‏الثقافة‏ ‏بما‏ ‏تحوى ‏من‏ ‏حركة‏ ‏وبعث‏، ‏وما‏ ‏تثير‏ ‏من‏ ‏نقد ‏وتجديد‏.‏

وبعد

حتى نضمن بداية سليمة فإن الأمر‏ ‏يحتاج‏ ‏إلى ‏وقفة‏ ‏متانية‏ ‏متألمة‏ ‏معا‏، ‏فالجامعات أصبحت ميادين للصياح والاقتتال حتى إراقة الدماء، وهى لم تكن بخير قبل ذلك وإلا لحالت دون ذلك، فهى لم تعطِ‏ ‏الشاب‏ ‏ثقافة‏ ‏بمعنى ‏فتح‏ ‏آفاق‏ ‏التفكير‏، ‏لا‏ ‏على ‏مستوى ‏مجاميع‏ ‏الطلبة‏ ‏ولا‏ ‏حتى ‏على ‏مستوى ‏البحث‏ ‏العلمى ‏الحقيقى ‏إلا‏ ‏فيما‏ ‏ندر‏، ‏وقد‏ ‏حل‏ ‏الإملاء‏ ‏محل‏ ‏الإطلاع‏، ‏وحل‏ ‏القياس‏ ‏الجامد‏ ‏محل‏ ‏الفرض‏ ‏المغامر‏، ‏فلا‏ ‏ثقافة‏ ‏ولا‏ ‏شباب‏.‏

إن أندفاع‏ ‏الشباب‏ ‏إلى ‏الله ‏يبدأ ‏من‏ ‏موقع‏ ‏طيب وهو‏ ‏يعلن‏ ‏رفضه‏ ‏لهذا‏ ‏اللصق‏ ‏الظاهرى ‏فوق‏ ‏عقله‏ ‏لمعلومات‏ ‏مشكوك‏ ‏فى ‏جدواها‏، ‏وحشر قيم مستوردة مغشوشة فى وعيه، وهو‏ ‏يسعى ‏فى ‏خطواته‏ ‏الاولى ‏إلى ‏إحياء‏ ‏جانب‏ ‏وجوده‏ ‏الأخر الأكثر تكاملا‏ ‏الذى ‏يتناسق‏ ‏مع‏ ‏الكون‏ ‏والذى ‏يعلن‏ ‏الإيمان‏ ‏أنه أرقى وأبقى‏، ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏الشاب‏ ‏سرعان‏ ‏ما‏ ‏يجد‏ ‏نفسه‏ ‏محاطا‏ ‏بتفاصيل‏ ‏التفاصيل‏ ‏من‏ ‏دعاة‏ ‏مقلدين‏ ‏ناسين‏ ‏وظيفة‏ ‏الدين‏ ‏وجوهره‏ ‏جميعا‏، ‏فينساق‏ ‏رويدا‏ ‏رويدا‏ ‏هربا‏ ‏من‏ ‏قشور‏ ‏العلم‏ ‏إلى ‏صخور‏ ‏الجمود‏، ‏ودور‏ ‏الفن‏ ‏الحقيقى ‏هو‏ ‏أن‏ ‏يغذى ‏هذه‏ ‏الحاجة‏ ‏الدينية‏ ‏للتواصل‏ ‏مع‏ ‏الكون‏ ‏والحديث‏ ‏بلغة‏ ‏أخرى ‏غير‏ ‏حسابات‏ ‏العلم‏ ‏وجزئياته،‏ ‏والعلاقة‏ ‏بين‏ ‏الفن‏ ‏والدين والإيمان‏ ‏علاقة‏ ‏تاريخية‏ ‏وقديمة‏ ‏إلا‏ ‏أننا‏ ‏لا‏ ‏نستثمرها‏ ‏فى ثقافة شبابنا‏ ‏بأدوات‏ ‏العصر‏ ‏بدرجة‏ ‏كافية‏، ‏والشاب‏ ‏ما‏ ‏بين‏ ‏قصور‏ ‏التلقين‏ ‏وجمود‏ ‏الطقوس‏ ‏والاغتراب‏ ‏لا‏ ‏يستطيع‏ ‏أن‏ ‏يحتمل‏ أية ‏مغامرة‏ ‏معرفية‏ ‏منفردة‏، ‏فيعزف‏ ‏عن‏ ‏القراءة‏ ‏بل‏ ‏يخافها‏ ‏على ‏اساس‏ ‏سد‏ ‏الباب‏ ‏الذى ‏يأتى ‏منه‏ ‏الريح‏ ‏ليستريح‏، ‏وإذ‏ ‏تغلق‏ ‏نوافذ الوعى وأبوابه‏ ‏يستحيل‏ ‏التواصل‏ ‏وتتحسس‏ ‏الأيدى ‏البنادق‏ ‏وتظلم‏ ‏الدنيا‏ ..‏

وأنهى حديثى بأمل فى حل طويل المدى اكتفى بعرض ملامحه بإيجاز كالتالى:

‏1 – ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏هناك‏ ‏ثقافة‏ ‏شابة، ‏حية‏ ‏وعميقة‏ ‏ومواكبة‏. ‏وأن‏ ‏تتاح‏ ‏لها‏ ‏الفرص‏ ‏للنمو‏ ‏والفاعلية‏ ‏على‏ ‏كل‏ ‏المستويات من كل المؤسسات‏.‏

‏2 – ‏أن‏ ‏تكون‏ ‏هذه‏ ‏الثقافة‏ ‏فى ‏متناول‏ ‏الشباب‏ (‏ثمنا‏ ‏وتنوعا‏ ‏وتداولا‏).‏

‏3 – ‏ان‏ ‏توجد‏ ‏ثمة‏ ‏فرص‏ ‏للحوار‏ ‏حولها‏.‏

‏4 – ‏أن‏ ‏نستعيد‏ ‏شجاعتنا‏ ‏فى مواجهة‏ ‏المحظورات‏ ‏بأنواعها‏، ‏فلا‏ ‏ندمغ‏ ‏ابتداء‏ ‏من‏ ‏تجرأ‏ ‏فهاجم‏ ‏الاشتراكية‏ ‏أو‏ ‏انتقد‏ ‏العلم‏، ‏ولا‏ ‏نكفر‏ ‏تعجلا‏ ‏من‏ ‏يجرؤ ‏أن‏ ‏يراجع‏ ‏الثوابت‏ ‏الدينية‏ ‏نتاج تفسيرات قاصرة ومتجمدة‏، ‏مع‏ ‏اشتراط‏ ‏الجدية‏ ‏والمسئولية‏ ‏أبدا‏، ‏وبهذا‏ ‏وحده‏ ‏تهب‏ ‏نسائم‏ ‏الحرية‏ ‏الحقيقية‏،

‏وإذ‏ ‏تنير مستويات الوعى وتشكيلات‏ ‏العقول‏ ‏يختفى ‏القهر‏ ‏والإرهاب،‏ ولو على مدى سنين أو عقود!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *