الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الدستور المصرية / تمت ولاده الشارع السياسي يا ليت (تعتعة سياسية)

تمت ولاده الشارع السياسي يا ليت (تعتعة سياسية)

نشرت فى الدستور

14-9-2005

هل تمت ولادة الشارع السياسى؟ ياليت!

أكتب هذه التعتعة صباح الخميس قبل اعلان أى شئ من نتائج لسنا فى حاجة إلى إعلانها.

  • لا أظن أن أحداً من الجيل الذى وجد نفسه فى هذه الدنيا خلال نصف القرن الأخير أو قُبَيْله، لا أظن أن أحداً منهم يعرف ما هو “الشارع السياسى” حقيقة وفعلاً. ربما عاش بعض انتفاضات عقب بعض الهزائم (قبل بيان 30 مارس 1968) أو سمع عن بعض المساخر قبل ذلك (تحريك صاوى أحمد صاوى – النقل العام – ضد محمد نجيب وخالد محيى الدين1954)، ربما سمع بعض صرخات فى ميدان التحرير بعد طول انتظار أو شبهة خيانة (قبل حرب 73)، ربما أرعبته بعض فرقعات أو استغاثات أو اغتيالات او محاولات اغتيالات تمرق كالصواريخ العمياء من تخلخل فراعات اندفاعات اليأس، أو من ثقوب الأمن أو كليهما. كل هذا حدث طوال أكثر من نصف قرن لكن لم يكن أبدا يمثل ما يسمى “الشارع السياسى”.
  • كما انسحب الناس أثناء ذلك أيضا – إلى الدين وفى الدين، انسحبوا إلى شكل الدين، وتجمعاته وطمأنينته الساكتة المنومة خطأ، حدث ذلك فى العبادات والمظهر والملبس والتفكير على حد سواء، وبدلا من أن يحرك الإيمان وعى الناس إلى الإبداع نحو وجه الحق سبحانه وتعالى، أدّى هذا الانسحاب الأعمى إلى شلل حركية الحوار، كما ألغى تحمل الاختلاف واحتمالات الجدل، لتحل تجمعات الخوف والتعصب والإغارة محل ما يسمى “الشارع السياسى”.
  • كذلك تكونت التجمعات الصغيرة البديلة: من أول شلل الانتهازية والجوائز، حتى الصالونات الثقافية الخاصة جدا، والخاصة فقط، لتُمثل كل منها “مكلمة” تنفيثية، وخلاص. طبعا يوازى هذه التجمعات لقاءات بالندوات والمحاضرات وفرق تحرير المجلات والصحف، وظلت هذه النشاطات والتجمعات، مستمرة ومسكنة ومتكلمة، دون أن تصب فيما يسمى “الشارع السياسى”.
  • على الجانب الآخر اتجه بعض الهائمين المُفَرَّغين أصحاب المزاج وأصحاب الدماغ وأصحاب الفن الزائط – من الشباب خاصة – إلى الانتماء إلى ثقافات فرعية، ثقافات الإغماء، داخل جماعات المخدرات، و ثقافات ساعة الحظ التى لا تعوض حول حلقات الديسكو وما أشبه، فأستغنوا بذلك عن السياسة وعن المشاركة فى الهم العام، من أصله، ولم يعرفوا أبداً ما هو “الشارع السياسى”.
  • ثم ظهر التواصل بالنّت، ليحرك الكلام السياسى أجرأ وأفكه، حيث ظهرت مواقع على مواقع أدت إلى ظهور مواقع مضادة ومواقع مضادة للمضادة، وهات يا دردشة، وائتناس، وتفريغ، وغيظ، ونكت، وسباب، وفضائح، وتحريض، ولكن لم يظهر أى من ذلك فيما يسمى “الشارع السياسى“.
  • وأخيرا فتح الله على أحدهم فصاح، من فيض ما اختزن، أنه “كفاية”: معلنا أنه قد “طفح الكيل”، فترددت الكلمة كالصدى فى وديان مهجورة: “كفاية كفاية كفاية فايه فايه يه يه” وتصور الناس – بما فيهم من صاح – أنهم يقولون كفاية للرئيس، أو للنظام، لكن تسلسلت وراء ذلك كفايات أخرى كثيرة دون استبعاد أغنية فايدة كامل (المغنية لا النائبة) صاحبة السبق أنه: “كفاية شطارة .. ياواد يا سمارة” لكنها لم تكن شطارة بل كانت مسخرة، وغتاتة، واستمراء، واستسهال، واستغفال، “واللى عاجبه”.

استدراك: أثناء كل ذلك – بالطول – أُعلن عن تكوين ما يسمى أحزاب، أى والله، غير الحزب الوطنى الذى لم يكن أبدا حزبا سياسيا، وإنما قام ويقوم بدوره الرائع “كمتعهد” سرى لتوريد التحركات البديلة المجُهِضة، واجتذاب الكفاءات الإدارية الطموح التى ليس لها دعوة بالسياسة، والتى تدير البلد كإدارة متجر للأدوات المنزلية، فلم يكن “الشارع السياسى” فى بؤرة وعى أى حزب من الناحية العملية.

  • ثم هانحن نجد أنفسنا داخل مولد زائط سمى “انتخابات الرئاسة”، مولد عرضت فيه كل الألعاب بكل الألوان من أول بروفات التمثيليات، وألوان الدعاية، حتى ألعاب الحواة المبتدئين، وفوازير قياسات الرأى، فانطلقت جماعات من الشعب يحسبون أن الأمر جدا، وأن الأراجيح سوف تعلو بهم إلى السماء فى إحدى دورات اندفاعها.

فكان ما كان

 أقول قولى هذا وأنا أنتظر نتائج فرز الأصوات، تلك النتائج التى نعرفها جميعا والتى لا ينقصها إلا بعض المفاجأت المحسوبة وغير المحسوبة.

وبعد:

وبرغم كل ذلك: هل يا ترى يمكن أن نكتشف معا بعد أن ينفض الموالد، أنه قد ولد شارع سياسى مصرى، ليس من بين التنويعات السابقة أصلاً، وإنما يمكن أن نتعرف عليه فى الأسبوع القادم: من أول “بتباع الخيار” حتى المثقف الذى نزل يهتف فى الشارع دون أن ينظِّر، مرورا بعم “إبراهيم” وهو يدش البصلة أثناء الغدا على رأس الغيط (يعنى الحقل، وهجاؤه حاء قاف لام).

وانتظرونا فى التعتعة القادمة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *