الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الدستور المصرية / “عندك فصام” يعنى إيه (2) (تعتعة نفسية)

“عندك فصام” يعنى إيه (2) (تعتعة نفسية)

نشرت فى الدستور

7-12-2005

“عندك فصام” يعنى إيه (2)

حين يكون التشخيص تعمية أو خداعاً

وعدنا فى تعتعة سابقة أن نتناول ماذا نعنى بكلمة فصام حين نقولها لمريض، أو لأهله، وماذا نعنى بنفس كلمة فصام حين يقولها طبيب لزميله، ثم ماذا نعنى بها حين تكتب فى بحث علمى، وأيضا ماذا نعنى بكلمة فصام حين تظهر فى مسلسل سخيف أو فيلم فكاهى؟ وكذلك حين يطلقها معلق سياسى على تصرف جموع شعبه حين يتناقض أو يتنافر، وأخيرا حين تطلق باعتبارها نوعا من السباب لزعيم تأَلّه، وأفسد، وقتل، واحتل، بالله عليكم هل يصح أن تطلق نفس الكلمة، فى كل هذه المواقف، هكذا، بطريقة عشوائية، مسطحة حينا، وجارحة حينا، ولا علمية أحيانا، وبلا فائدة غالبا؟؟

وظيفة الطبيب الأساسية هى أن يعالج مريضه، وفى نفس الوقت، أو حتى بأوْلوية، ألا يضرّه، أو يهينه، أو يضلله. مهمة الطبيب ليست فى أن يصنف مريضه ولا أن يعلق على جهته لافتة تعلن اسم مرضه ولا حتى أن يريحه كما يطلب كل المرضى والأهل، الطبيب يعالج، والراحة تأتى من العلاج الصحيح، لكن المرضى والأهل يصرون على أنهم ما حضروا للطبيب النفسى إلا ليريحهم، ومن ضمن ذلك أن يذكر لهم اسم المرض، قال ماذا؟ ليطمئنوا!! الطب النفسى بالذات ليس مجرد تسكين أو تبرير لالتماس أعذار سلبية أو طمأنة غير موضوعية. أحيانا يصر المريض أو أهله على معرفة اسم المرض ولا يقبلوا اعتذارى عن أن هذا لا يهمنا الآن، ويلحون فى الطلب، فأتماشى معهم ابتداء واقول اسماً علميا صحيحا، لكن لا يمكن فهمه فى قاموس الناس العاديين “مثلا: عنده اضطراب وجدانى جسيم مختلط غير نموذجى مع احتمال تشخيص فارقى أخطر دلالة”. نعم كل هذه اللافته هى الإجابة العلمية السليمة لكثير من الحالات التى نوجزها فى كلمة اكتئاب، أو قلق، أو حتى فصام أحيانا، يسأل الأهل يعنى ماذا؟ فأقول معانداً: يعنى هذا.

الأخطر من ذلك أن بعض الأطباء الطيبين يقولون للمريض والأهل – بحسن نية- اسماء أمراض تخالف حقيقة مرضهم مثل الاكتئاب فى حين أنهم مصابون بما هو أخطر، إن هذا التصرف فضلا عن أنه خطأ علمى جسيم، هو تضليل وخداع سرعان ما ينكشف أثره الضار.

علينا أن نتعلم ونعلم مرضانا أن العلاقة العلاجية ليست مهمتها البحث عن الأسباب وقد أصبحت ماضيا كما أن هدفها ليس هو تعليق فئة لا تفيد وقد تضر، العلاج هو السعى إلى إقامة علاقة، تتم من خلالها توصيل علم وخبره لتحقيق مصالحه مع الذات والناس، فعمل وانتاج، وهذه هى الصحة الإيجابية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *