الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الدستور المصرية / الطلعة الجميلة و الواقع المر(تعتعة سياسية)

الطلعة الجميلة و الواقع المر(تعتعة سياسية)

نشرت فى الدستور

21-9-2005

… “الطلعة الجديدة”، والواقع المُرّ

قلت للمذيعة: اطمئنى يا سيدتى.. الشاب “جيمى مبارك”

قادم.. قادم لا يوجد احتمال آخر

هاتفتنى مذيعة إذاعة اسمها “سوا”، فاستجبت لطلبها بشروطى (لا حذف). لم أستطع تسجيل الحوار القصير الذى أذيع فى نفس الليلة، فهأنذا أكتب من الذاكرة:

سألتنى هل كان لما فعله الرئيس المنتخب من تغيير فى مظهر ملبسه، وسلوكه، وخطابه أثر عند الشعب دفعه إلى انتخابه؟ تعجبت للسؤال وإن كان ليس غريبا، استعبطتُ واستزدتُها شرحا، فقالت يعنى: “ما أثر هذا النيولوك” على مجرى الانتخاب، رفضت الكلمة وصححتها إلى عنوان هذا المقال “الطلعة الجديدة”، بدأت ردّى بتذكرتها أنها إذاعة “حرة”، وبالتالى فهى تعرف أكثر منا أن الرئيس هو مواطن إنسان علينا أن نحترم حريته ابتداء، فله الحق أن يلبس ما يشاء، وأن يخلع ما يشاء، وأن يصبغ ما يشاء، بأى لون يختاره، وله الحق أن يحدد كل هذا فى الوقت الذى يراه مناسبا، ليبلغ رسالة ما إلى من يراه بهذه الطلعة أو تلك، أليست هذه هى الحرية التى تنادون بها يا سيدتى؟ ضحكت – غالبا – وفقستْ استعباطى، ومضت فى تساؤلها عن أثر ذلك على انتخاب الشعب للرئيس، وجدت السؤال أقرب إلى النكتة، لكن الذى حدث من فريق الرئيس الذى ربما أوصى بهذه “الطلعة الجديدة” قد يكون نكتة “أسخف”. قلت لها: لا يا سيدتى إن شعبنا الطيب، أعنى خُمْس شعبنا الطيب الذى انتخب رئيسنا الجليل، أعنى بعض هذا الخمس الذى “فكّر” قبل أن ينتخب رئيسنا، قد فعل ذلك لأن هذا الرئيس هو الرئيس، وأنه ليس أمامه منافس، وأنه “إن فات عليك الغصب، إعمله جُودة” (ترجمة المثل بالعربية: إذا وجدتَ أن الأمرَ حتما مقضيا، فاعمله بنفسك كأنه اختيارك !!)، ولم أقل لها الموال الذى أحوّره على الوجه التالى: “الله يلعنك يا زمان وانت بقيت بالهم، والفهد لمــّا حكم قالّه الأسد يا عم”، قلت لها يا سيدتى شعبنا لا ينتظر خلع رباط العنق أو فك أزرار القميص لينتخب رئيسه المنتخب فعلاً بالقصور الذاتى قبل الانتخابات بكثير.

انتقلت المذيعة إلى سؤال آخر عن رؤيتى حول انتخابات 2011، فهمت من خلال حريتها الحرة ما تعنى، فبادرت أطمئنها (باعتبارها مندوبة أمريكا، مع أنها كانت تبَسْمِلُ بصوت خافت بين كل سؤال وسؤال) رحت أطمئنها قائلاً:

يا سيدتى لا تخشى شيئا، إن الشاب جيمى مبارك قادم قادم، لا يوجد احتمال آخر، وأفهمتها أننى أتابع الصور (فى الصحف) بقدر ما أتابع الأخبار، وأنى لاحظت كيف اجتمع أفراد العائلة الحاكمة وهم حول مائدة متابعة فريق انتخابات عميد العائلة، وكأنهم فى عشاء منزلى طيب، وقد ظهر فى الصورة بروفيل أحد الساسة، كما ظهر “قفا” سياسى آخر لم أميزه، وأن هذه الصورة لها من الدلالة ما يرد على سؤالها، وأن علينا أن نستقبل هذا الأمر بروح رياضية، باعتباره واقعنا المرّ.

لم أقل لها أننى اعترضت منذ سنوات على فرحة أسامة أنور عكاشة فى صحيفة الوفد بتصريح الرئيس مبارك أن جمال ابنه لن يرثه، وكان عنوان مقال عكاشة “قطعت جهينة قول كل خطيب”، رددت على السيد أسامة عكاشة أيامها بأنه ليس من حق الرئيس أيا كان، أن يمنع مواطنا مصريا، حتى لو كان ابنه، من ترشيح نفسه، ولم أذكّره بقول ابى علاء المعرى “هذا كلام له خبئ، معناه ليست لنا عقول”، وحين كتبت ذلك أعلنت أننى مستعد لانتخاب السيد جمال هذا – برغم اعتراض والده – لو كان هو الأصلح فعلا، هاجمنى كل المتحمسين وكأننى أدعو لتأييد هذا الشاب دون شروط، فاضطررت أن أعقب لاحقا بمقال آخر، فى الوفد أيضا، أفسر به موقفى، ولم يفهمنى أحد أصلاً، وهأنذا اكرر هذا الخطأ، قلت للمذيعة الكريمة: إن الشاب جيمى مبارك هذا هو مواطن مصرى بمثابة إبنى، وهو متفرغ للسياسة، استقال من منصبة فى البنك فى بريطانيا، ليتفرغ لما تفرغ له، ولم أقل لها أننى لا أعرف إن كان أمين السياسات له مرتب أم لا، ثم إنه شاب مازال يكّون نفسه حتى أنه لم يتزوج، وبالتالى فإن مستقبله الطبيعى هو أن يتولى هذا المنصب، بعد والده إن شاء الله، وبالانتخاب الحر المباشر، لا يضّر. قلت هذا الرأى الأخير، بلا سخرية، وكأننى أتجرع بشجاعة مرارة خمرة الموت، كما أوصانا بذلك عمر الخيام.

أضفت أن كل ما آمله هو أن ينجح جيمى بالسلامة بنسبة 67% (لا علاقة لها بالنكسة) ثم نسبة 56% (لا علاقة لها بتمرير اسرائيل من المضايق بعد انتصارنا المزعوم)، وأنه حينذاك، ربما بعد عشرين أو أربعين سنة سوف نتكلم فى “تداول السلطة”.

ضحكت المذيعة الكريمة رغما عنها.

فضحكت بدورى رغما عنى أيضا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *