الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الدستور المصرية / دروس سياسية من مدرسة المشاغبين” !! (تعتعة سياسية)

دروس سياسية من مدرسة المشاغبين” !! (تعتعة سياسية)

نشرت فى الدستور

21-12-2005

دروس سياسية من مدرسة المشاغبين” !!

…. نظر المسئول الوطنى الديمقراطى الإصلاحى السياساتى الشاب (نسبيا) إلى أرقام نتائج الانتخابات، واسترجع ترشيحات الحزب الرسمية، فوجد أن القائمة التى اشترك بالكاد فى اختيارها، حصلت على 33%، وأن حوالى مائة عضو وطنى من المجلس السابق قد رسبوا..إلخ، فانقبض وصاح موجوعا: “الحزب الوطنى الديمقراطى انهزم يا رجالة!!”، سمعه واحد من الحرس القديم، وتصور أن الشاب غريب، وحين تأكد من صفته، عذره باعتباره سياسبا مبتدئا، فاستعاده لعله يتراجع، فأعاد الشاب ما قاله مقتديا بمرسى الزناتى، وأنه ” الحزب الوطنى الديمقراطى انهزم يا “منز” Mens،  استفسر الكبير أكثر، وكأنه يطلب هجاء الصرخة (إسبلّها)، فرد عليه الشاب السياساتى بالأرقام السالفة الذكر 33% ،..إلخ، فَـهِمَ الرجل الكبير، وأشفق على الشاب، وتذكر المسرحية، فاستعار منها ما يفهم الشاب “سيم الحزب”، وأنه “سنْتَـنْضم المستقلون الوطنيون  إلى الثلث ليصبح أكثر من ثلثين. لم يقتنع الشاب السياساتى، حتى صدق اتهام المسرحية بأنها السبب فى إفساد المنطق، وضياع الشباب، والغش الجماعى، وانتشار المخدرات، وسرطنة الزراعة، وقانون الطوارئ، وفساد مدينة الإنتاج الإعلامى ..إلخ.

قراءة ما حدث بموضوعية بعيدا عن السخرية المؤلمة أمر ليس سهلا، لم ينجح الإخوان للدرجة التى أرعبت أقباط مصر الكرام كما شاع، برغم الألم الذى بلغنى من إحدى بناتى (طالباتى المسيحيات)  حين دخل مؤخرا أحد المسلمين على أهلها فى الصعيد  (بعد الانتخابات) منذرا شامتا قائلا: “إبقوا خلوا الأمريكان ينفعوكوا، أديكو شفتلكوا شوية أيام”. هذا كلام لا يلام عليه الإخوان، لكنه حصل، وهو من بعض نتائج ما حدث كله على بعضه، هو نتاج المناخ الفاسد الوصى بلا شرعية، الذى ساد طوال نصف قرن حتى عمَّ الفراغ وتوقف التفكير، فتشوه كل من الدين والسياسة.

من يريد أن يقيّم ما حدث، عليه أن يطرح جانبا كل التصريحات الرسمية، وأن يعيد قراءة النتائج مرة ومرة ومرات، وأن يتحمل طرح أسئلة قد لا يجد عليها – مثلى- إجابات جاهزة حالا، ومن ذلك مجموعتين كمثال:

المجموعة الأولى:

انطلاقا من أن الذين انتخبوا هم الرُّبع (24 % !!) دعونا نتساءل: رُبْعُ مَنْ بالضبط؟ رُبْعُ الشعب المصرى؟ رُبْعُ الذين فى سن الانتخاب؟ رُبْعُ الذين يحملون البطاقات؟ رُبْعُ الذين استعملوا البطاقات الصحيحة؟ رُبْعُ الذين يفهمون فى السياسة؟ وهل هذا العدد  – فى أى ربع- يمثل الشعب المصرى فعلا؟

المجموعة الثانية:

فاز الإخوان بأكثر من رُبْع مقاعد مجلس الشعب، فتترى الأسئلة كالتالى: من الذين انتخبوا الإخوان؟ هل هم أعضاء جماعة الإخوان؟ هل هم اليائسون من النظام؟ هل هن المحجبات والمنقبات اللاتى تسلقن الأسوار من فرط حرصهم جدا على مصلحة البلد تأكيدا  لرغبة المرأة المصرية فى المشاركة السياسية ولا مؤاخذة!!؟ هل هم الشباب من عشاق عمرو خالد؟ ..إلخ

لعل من يحسبها بصبر جميل يكتشف أن سلبيات النظام، وليس مدرسة المشاغبين، ولا نجاح الإخوان هى المسئولة عن كل ما حدث من غياب الوعى، واختزال الأديان، وخوف إخواننا الأقباط، واغتراب المثقفين، وتشدق المتنطعين. الأمور قد وصلت إلى درجة مزعجة، لكن يمكن أن تكون مفيدة، وهى لن تُحل بحكاية مزيد من العلمانية المسطحة، ولا التأكيد على تعميم صفة “المحظور” على بقية وعى الشعب، ولا بتغيير قانون الانتخابات..إلخ.

 إن  الذى يمكن أن يلوح بحل ما  هو أن يتحمل كل واحد مسؤولية وجوده، وقراره، مثلا: أن يخاطر الإخوان بتقديم الإسلام كما أنزله الله، فعلا يوميا يسير بين الناس، بلا وصاية أو قهر، وليس الإسلام الجامد تحت سقف مفسرين اجتهدوا فى زمانهم، وانتهى العمر الافتراضى لأفكارهم. لو نجح الإخوان أن يتخلصوا من وصاية السلطة الدينية، ليمثلوا بسلوكه، وليس بشعاراتهم: الإسلام الحرية (بالتوحيد) والإسلام الاختيار(فمن شاء فلييؤمن..، ومن شاء فليكفر)، والإسلام الإبداع (بالإيمان بالغيب) والإسلام الإنتاج (بتعمير الأرض) والإسلام العدل، والإسلام التصوف (بالجهاد الأكبر) والإسلام المعنى، والإسلام الإنتاج (تعمير الأرض) والإسلام الذى ينفع الناس ويمكث فى الأرض، دون الإسلام الترهيب والترغيب، والتفاصيل، والتعصب، والوصاية، والجهل، والتخلف العقلى، ودون الإسلام الذى يخدر الناس ويمكث فى الحكم،  لو فعلوا ذلك لاستجابوا للوعى الأعمق الذى انتخبهم، وإلا فليحسبوا عمرهم الافتراضى منذ الآن.

كيف؟ لست أدرى.

لكن على كل من اختار أن يكون إنسانا كما خلقه الله، فتصدى لحمل الأمانة دون السماوات والأرض الجبال، ألا يكون ظلوما لنفسه، جهولا بتكريمها، وأن يواصل رعاية فطرته لتتجلى نموذجا آخر حتى لمن اختلف معه،  يفعل ذلك ولو وحده كفرض عين يلقى عليه ربه، حتى لو ظل وحده،

وكلكم آتيه يوم القيامة فردا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *