الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / الطبنفسى الإيقاعحيوى (79) Biorhythmic Psychiatry تجليات القلق: من منظور الطبنفسى الإيقاعحيوى

الطبنفسى الإيقاعحيوى (79) Biorhythmic Psychiatry تجليات القلق: من منظور الطبنفسى الإيقاعحيوى

نشرة “الإنسان والتطور”

الأثنين : 1-8-2016

السنة التاسعة

 العدد: 3258

 الطبنفسى الإيقاعحيوى (79)

 Biorhythmic Psychiatry

تجليات القلق: من منظور الطبنفسى الإيقاعحيوى

مقدمة:

آن الأوان أن نرجع لنقدم القلق الذى أثبت أحقيته، بل ربما أولويتّه، فى ساحة الأمراض النفسية برغم التحفظات التى تنبهنا إلى أنه – فى الأصل –  لفظ غير متواتر: لا فى تاريخ التراث العربى، ولا فى ثقافة الوعى الشعبى المعاصر، العربى/(المصرى على الأقل)، كما بينا فى النشرات السابقة، ومع ذلك فقد حقق تواجدا وتواترا لا يمكن التغاضى عنهما.

من منظور التطور علَمْنا كيف أن “الخوف” هو برنامج دفاعى وقائى حَفِظَ، ويحفظ، النوع عبر تاريخ التطور، وأن القلق عند مرحلة الإنسان أصبح بمثابة “وعى بالخوف من مجهول”، وهو الجانب الظاهر الأكثر حضورا معبرا عن هذه الألية الدفاعية التى أصلها الخوف، وبالتالى كان علينا أن ندافع عن “الحق فى القلق” مثلما فعلنا مع “الحق فى الخوف”(1).

حين رحت أراجع الافتتاحية التى نشرتها كاملة فى عدد(3244) من نشرة “الإنسان والتطور” (بتاريخ: 18-7-2016)، وكانت بعنوان:  “القلق: من منطور تركيبى: علاقة التنظير بالعلاج”(2)، وكنت قد وعدت بترجمة مقتطفات منها إلى العربية: وجدت أنها أطروحة مزدحمة تقدم القلق على محاور كثيرة متداخلة بدءأ من المحور “السلوكى” وانتهاء بمحور علاقة القلق بحركية الوعى، مرورا بإشارة إلى البعد التركيبى النفسمراضى، وقد وجدت أن تقديم كل هذه الأبعاد معا – ولو باختصار – لم يعد صالحا الآن بعد مضى ثلث قرن تطور فيه فكرى ونضجت خبرتى من واقع الممارسة، والقراءة، والنقد، وإعادة النظر، فاكتشفت أن البعد الأوْلى بالتقديم الآن هو علاقة القلق الوثيقة بالوعى والإدراك والإيقاعحيوى والتطور فى تناسبه مع درجة  تنشيط وتوظيف الدراية(3) المصاحبة لحركية الإيقاعحيوى بدرجات مختلفة.

هذا علما بأن استعمالى للفظ “الدراية” ليس مرادفا لما هو “البصيرة”(4)، فقد اعتدنا أن  نطلق  لفظ البصيرة على درجة من الاستبطان للتعرف على “عالمنا الداخلى”، الأمر الذى يطلق عليه أيضا:  “التأمل الذاتى”، وإنما أعنى بالدراية درجة من الإدراك ترتبط بمستوى من الوعى بشكل كلى، يصل إلى الممارس الإكلينيكى، فيدركه بآليات فنية ونقدية بفضل تنشيط الوعى البينشخصى بينه وبين المريض،

هذا  البعد الذى فضلت أن أقدم من خلاله تقسيمات  القلق المُقترحة  يقتصر على علاقة مدى تشيط درجات الدراية  بمدى قدرة حركية الإبداع اليوماوى الإيقاعحيوى (والإبداع بصفة عامة طبعا)على استيعاب هذه الدراية لدفع اضطراد النمو وتحقيق التوازن (الهارمونى) .

من هذا المنطلق ومن واقع البدايات التى ظهرت فى المقال الافتتاحى السابق نَشْرُهُ بالإنجليزية، ومن تطور فروضى النابعة من الغوص فى حركية مستويات الوعى والإيقاعحيوى المستمر ومسيرة التطور، أمكن تخليق الفرض الأساسى كما يلى:

(1) القلق هو إعلان عن واقع عدم تناسب مستوى نشاط الدراية وفاعليتها مع درجة حركية التشكيل الإيقاعحيوى وعن مدى نجاحه فى مواصله التطور الإبداعى، فكلما تناسقت وتناسبت “جرعة الدراية” مع “حركية التشكيل” كان الوعى بهذا التناسق والتناسب هو الإعلان  الممكن عن ما سوف نسميه “القلق الإيجابى”، وفى مقابل ذلك فإن عدم التناسب إذا وصل إلى درجة معطِّلة أو مزعجة أو مؤلمة فإن الوعى به يندرج تحت القلق فى حضوره السلبى (المرضى غالبا).

(2) فى حالة زيادة جرعة الدراية، وهى ما نسميها بقلقلة “فرط الدراية” وهو ما يحدث عادة فى أطوار التفكيك وإعادة التشكيل إذا تواكب ذلك مع العجز النسبى المؤقت (أو الدائم أحيانا) عن استيعاب هذه الحركية فى التشكيلات المتجددة، فإن النتيجة تتجلى فى عدة مظاهر إكلينيكية قد تصل إلى درجة المرض.

(3) قد يكون عدم التناسب نتيجة لخفوت درجة الدراية (أى عكس ما جاء فى “2”) أكثر من المطلوب لدعم اضطراد المسيرة النابضة النمائية حتى تصبح عاجزة عن مواكبة نشاط حركية الإيقاعحيوى لإعادة التشكيل، ومن ثَمَّ تظهر علامات سلوكية مزعجة أو معيقة، أغلبها سلبية، ما لم تنصلح تلقائيا (المخ يعيد بناء نفسه باستمرار) أو بالعلاج.

وبعد

سوف أقدم فيما يلى محاولة التقسيم المقترحة لتجليات القلق النابعة من هذا الفرض، علما بأنه لا يمكن رصدها بمجرد رص أعراض بذاتها بجوار بعضها كما نفعل ونحن نحدد تشخيصا بذاته لفئة لها اسم محكم مثل “عصاب القلق”، وإنما هى تصلنا  من خلال حركية الوعى البينشخصى، والخبرة الإكلينيكية ككل، بالإضافة إلى تميزها بنتائجها بأثر رجعى فى معظم من الأحيان.

وسوف أكتفى بتقديم التقسيم فى الأشكال التالية باعتبارها عناصر لما سوف نتصدى لشرحه فى النشرات التالية، بدءًا من الأسبوع القادم.

1-8-2016_1

*****

1-8-2016_2*****

1-8-2016_3

****

1-8-2016_4

****

وبعد

إن صحّ هذا الفرض، واستطاعت  الممارسة العلاجية استيعاب جدوى هذا التقسيم، وقبل أن ندخل فى تفاصيل التفرقة بين كل هذه الأنواع أود أن أطرح تساؤلات قد تساهم فى شرح خلفيه تخليق هذا الفرض:

هل المطلوب فى العلاج ، بعد التعرف على مدى التباعد بين مستوى الدراية والقدرة على التشكيل  أن نحفز حِدّة دراية المريض الذى يعانى من “خفوت الدراية” ليستعيد توازنه مع استعادة جرعتها تناسبا مع حركية الايقاعحيوى وتنشيط التشكيل؟!! وأيضا على الناحية الأخرى: هل المطلوب أن نقلل من جرعة “فرط الدراية” حتى تتناسب مع امكانيات استيعابها بحركية الإيقاعحيوى الجارية؟

الإجابة بالإيجاب هى إجابة اختزالية سطحية، ولابد أن يتبادر إلى الذهن مباشرة سؤال موضوعى يقول: إذن كيف؟

وهذا ما سوف نحاول تقديمه من منطلق استيعاب حركية الوعى معاه ونقد النص البشرى، انطلاقا من ممارستنا فن مهنتنا فى ثقافتنا.

الملحق (جزء من أرجوزة للأطفال عن “الخوف”)

-1-

قالوا يعنى، بحسن نيةْ:  “لا تخف” ، دا مافيش خطرْ

طب لماذا؟  

هوا يعنى انا مش  بشر؟

حِيثْ كده، احنَا نقولَّك:

“خافْ وخوِّف” !………….فيها إيه؟

-2-

لو ماخفتش مش حاتعمل أى حاجهَ،….. فيها تجديد أو مغامرة

لو ما خفتش مش حاتاخد يعنى بالكْ،………حتى لوْ عاملين مؤامرة

 

لو ما خفتش مش حاتعرف تتنقل للبر دُكْهَهْ. خايف انْ تْبِلّ شعركْ

                                        لو ما خفتش يبقى بتزيـّف مشاعرك

-3-

بس برضه خللى بالك،. إوعى خوفكْ :   يلغى شوفكْ

إوعى خوفك يسحبك عنا بعيدْ، جوّا نفسكْ

إوعى خوفك يلغى رِقّةْ نبض حسَّكْ

إوعى خوفك ان بكره شر حاملْ:

                        يمنعك إنك تحاولْ

-4-

بس فيه خوف شكل تانى:

 قصدى يعنى الجبن إنى أنتبِهْ قوى للمعانى

هوا دا الخوف اللى يمنعنا نعيش،…

تلقى نفسك كتلة جامدة دايرة حوالين “المافيش”

– يعنى اخاف ولاّ ما اخافشى؟

= إنت حر

– يبقى اخاف بس ما اخافشى!!!!.

= هوا دا قصدى، وما تقولِّيش يا سيدى: “يعنى إيه”.

– يعنى إيه ؟!!!

-5-

إحنا بنخاف ان بكره يبقى أخطر،  فيها إيه ؟

ما احنا برضه حانبقى أقدر،

طب ما نتصرف كِويسْ إلنهارده،

ييجى بكره، يلاقى نفسه: إلنهارده بتاع “غداً”:

 يا حلاوة، تبقى مليان باللـى جَـىّ مقدماً…

………………

(الخ ….الخ يمكنك الرجوع إلى الأرجوزة كاملة) الجزء الأولالجزء الثانى.

[1] – حضرنى أكبر دفاع قدمتُه عن الحق فى الخوف فى أرجوزة كتبتها للأطفال ففضلت أن ألحقها ملحقا بهذه النشرة، أنظر الملحق. 

-1-

[2] – Y.T. Rakhawy:” Anxiety: Structural Orientation Relation of Conceptualization ‏to Therapy”

Egyptian J. of Psychiatry, 1981 4: 6-14

[3] – بالرجوع إلى اصل كلمة “الدراية” وجدت أنها تشمل العلم بالشىء، والتوصل إلى معرفته، والألفة بالأمر ، وملامسة المجهول معا:  درَى فلانٌ الشَّيءَ / درَى فلانٌ بالشَّيءِ : علِمَه وخبَرَه ،  دَرَى خَبَايَا الأُمُورِ : تَوَصَّلَ إلَى مَعْرِفَتِهَا ، عَلِمَ بِهَا (- أهل مكَّة أدرى بشعابها ، { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ } و”الدراية” تقابل عندى ما هو Awareness بالإنجليزية وليس Insight

[4] – وقد سبق تناولها بالتفصيل نشرة 25-10-2015،  نشرة 1-6-2014 ،  ‏ نشرة 10-11-2014، نشرة 9-5-2012 ‏، وبيان سوء استعمالها

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *