الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الدستور المصرية / هل توجد عواطف سلبية؟ (تعتعة نفسية)

هل توجد عواطف سلبية؟ (تعتعة نفسية)

نشرت فى الدستور

18-1-2006

هل توجد عواطف سلبية ؟

 حين وصلنى كتاب من إبنة فاضلة  بعنوان  السعادة الحقيقية، قامت بترجمته إلى العربية مع زميلات وزملاء أفاضل، توقفت طويلا وقد عاودتنى مسؤولية مواجهة استعمال مثل هذه الألفاظ الشائعة الخادعة الملتبسة. علاقتى بكلمة السعادة (مثل الطمأنينة والرفاهية) علاقة حذرة، فما بالك إذا كانت توصف السعادة بالحقيقية.  كنت قد قرأت كتابا رقيقا لبرتراند رسل عن السعادة، وتعجبت من العنوان  قبل أن أمضى فى قراءته متسائلا :  كيف يكتب هذا الفيلسوف الرياضى الفذ فى موضوع بهذه التفاهة (من وجهة نظرى آنذاك). كتاب برتراند رسل كتبه فى أواخر حياته الطويلة، حين قرأته راجعت نفسى إذ أحسست فيه بطيبة وجدية وأن المسألة تستأهل إعادة النظر.

الكتاب الجديد فيه رائحة أمريكية وثقافة أمريكية وسطحية أمريكية، بقدر ما فيه من علم واستبارات وحسن نية وتطييب خاطر. كل هذا وصلنى من باب “دع القلق وابدأ الحياة”، أو “لا تخف” وكلام من هذا. لكن والحق يقال الكتاب كان أكثر عمقا وأدق تفاصيلا، ومع ذلك ظل أقل بكثير من كتاب برتراند رسل.

استرعى انتباهى فى أجزاء كثيرة من الكتاب تقسيم العواطف إلى عواطف إيجابية ، وأخرى سلبية، وهات يا أسئلة، وهات يا درجات،وهات يا نصائح، ليكن، وليأخذ كل من أى شىء ما يعينه على الحياة بأى مستوى، لكننى تساءلت، وأنا أعمل فى محاولة سبر غور مسألة العواطف هذه منذ سنة 1974 وحتى تاريخه: هل توجد عواطف سلبية من حيث هى كذلك، أم أن العواطف، مثل كل برنامج تطورى هى إيجابية بالضرورة، وبقائية وتطورية، وهى تصبح سلبية إذا لم تقم بوظيفتها فى الوقت المناسب بالجرعة المناسبة. لا أكثر ولا أقل. خذ مثلا عاطفة الحب، يا صلاة النبى، هل يوجد أجمل من الحب ولا أكثر إيجابية من الحب، ولا أكثر إسعادا من الحب ، لكن نفس هذا الحب يمكن أن يكون سلبيا حين يطمس الفكر، أو ينقلب امتلاكا، أو يخل التوازن، أو يبرر التلاشى.

على الجانب الآخر خذ الغضب مثلا، هو يعتبر ابتداء من العواطف السلبية ، لكن الغضب للحق، والغضب للكرامة، والغضب للدفاع عن النفس، والغضب للصدق فى التعبير والغضب ؛ين نتجنب جرعة زائدة من النفاق، وغضب، كل ذلك هو إيجابى وضرورى وبناء.

علينا أن ننتبه إلى أن العواطف تكون إيجابية أو سلبية على قدر توافقها مع بقية العواطف والوظائف النفسية عامة، وأيضا بحسب الهدف من إطلاقها فى حينها لتحقيق غرضها الأصلى.

إذا كانت مراجعة هذه المسألة ضرورية لكافة الناس، فهى أكثر إلزاما للأطباء النفسيين حتى لا يكون عملهم مسطحا مستقطبا هادفا أبد للتأكيد على دعة الطمأنينة وخدر الرفاهية، دون زخم الدهشة ومسؤولية الحزن.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *