الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الدستور المصرية / الأم الحقيقية تتنازل عن ابنها حرصا على حياته مصر…. والدكتور نعمان!! (تعتعة سياسية)

الأم الحقيقية تتنازل عن ابنها حرصا على حياته مصر…. والدكتور نعمان!! (تعتعة سياسية)

نشرت فى الدستور

1-2-2006

الأم الحقيقية تتنازل عن ابنها حرصا على حياته

مصر…. والدكتور نعمان!!

لم أشاهد المسلسل الذى اسمه “هند والدكتور نعمان”، لكننى سمعت عنه كلاما طيبا، كنت قد توقفت عن مشاهدة المسلسلات قبل أن تنقطع علاقتى بالتليفزيون جميعا لأسباب عديدة لا تبرر ذلك، أحسد من يتابع الأرضيات والفضائيات، وأستمع بشوق شديد إلى حكايات صديقنا الحرفوش المنتسب الأصغر الصديق “حافظ عزيز” من قناة الجغرافيا القومية (ناشونال جيوغرافى)، حكاياته لشيخنا محفوظ عن دنيا الحيوان، وليس فيها مثلما يحدث فى أحزابنا من تنافس قاتل بين أفراد نفس النوع، حتى فى الجنس، لتحسين النسل.

استعرت اسم عنوان هذه التعتعة، من ذلك المسلسل،  ربما لأنى أعرف علاقة الأستاذ الدكتور نعمان جمعة بمصر منذ تعرفت عليه بشكل عابر فى باريس 1968/1969، كانت مصر تمثل أمرا جللا فى وجدانه ووجدان زملائه الذين تصادف لى التعرف عليهم هناك ذلك العام : المرحوم أ. د. محمد الشقنقيرى، والمرحوم أ.د. إبراهيم الدسوقى  أباظة، وآخرين، كانت شوارع باريس قد امتلأت  بصور موشى ديان، وكنت قادما من مصر بعد الهزيمة مباشرة، أما هم فكان أغلبهم هناك فى عز الكارثة، ولا بد أنهم تجرعوا الإهانة فى الغربة أضعاف ما شربناها على أرضنا:  الأحاديث مؤلمة، والتلميحات جارحة،  ومصر مكلومة، والمراجعة ضرورية، والحماس جاهز، والفرص للمشاركة والإصلاح محدودة، فانكب كل واحد منهم على رسالته ينهيها، وحضرت مناقشة بعض رسائلهم، وكأنهم يردون بها على الإهانة.

حين عادوا إلى مصر لم يكتف الكثير منهم بدوره أستاذا فى الجامعة، وإنما راح يسهم فى العمل العام، فانضم أ.د. نعمان إلى الوفد، وكذلك المرحوم أ.د. إبراهيم أباظة، ثم أصبح أ.د. نعمان عميدا لكلية الحقوق، لكن حين امتد طموحه  إلى رئاسة الوفد، تساءلت بحب وإشفاق: لم هذه الورطة يا ربى؟ ما أعرفه عنه أصغر من حجم وتاريخ ذلك الكرسى كثيرا، (أحببت النحاس باشا، وزاد تقديرى لسعد زغلول بعد صدق مذكراته وما بلغنى عنه من شيخى محفوظ ، وصالحت سراج الدين بالكاد مؤخرا، ولم أكن وفديا أبدا). قلت: لعله خيرا، فقد كانت هناك شبهة توريث، ولو بالمصاهرة، وربما جاء اختيار د. نعمان للرد على ذلك. ليكن، لكن أداءه بعد ذلك شككنى فى أنه ربما تورط فيما لا يتقن.

 بفضلٍ لن أنساه: أتاحت لى صحيفة الوفد أن أكتب فيها أسبوعيا لمدة تقرب من عامين، فى باب “من خارج الوفد” حيث استطعت أن أقول ما لم أستطع عبر أى منبر آخر، وتم حذف وحيد لفقرة من مقالاتى حين عرجت بالنقد إلى الحزب ورئيسه، ثم استغنوا عن خدماتى، قلت خيرا: لعلى تجاوزت الحدود، لكنهم حين فصلوا هذا الإنسان الجميل “مجدى مهنا”، ثم أهانوه فى صحيفته، قلت لا، وألف لا،  ثمَّ خطأ جسيم يجرى هناك.

ثم جاءت الأحداث الأخيرة كما يعرفها الجميع بدءا بانتخابات الرئاسة، ثم مجلس الشعب، ثم إقالة منير فخرى عبد النور وزملائه، وكلها تقول نفس الشىء، سقط الأستاذ الدكتور فى امتحان السياسة، وهذا لا يعيبه إنسانا، وأستاذا، وأبا، ومواطنا أمينا، لكن ما يعيبه حقا هو ما أصاب بصيرته حتى خلط  الأوراق هكذا، فأهان نفسه بما يفعل ، أكثر من إهانة فصله ألف مرة.

 وددت لو أصرخ فى هذا الرجل الذى عرفته مواطنا طيبا محبا لمصر بلا مواهب سياسية جدا، أصرخ فيه  لأذكره بمصر التى ملأت وجداننا هنا وهناك. ما طعم جلوسك على كرسى رئاسة حزب سياسى بحكم محكمة، وشبان الحزب قد أحرقوا صورك؟ ورجاله ونساؤه الفضليات قد فصلوك؟ ما سحر هذا الكرسى الذى يعمى ويذل؟ ماذا تفيد مصر مما فعلتَ وتفعل؟ ألم تتصور ما يمكن أن يلحق  بتاريخ الوفد من جراء ذلك كله؟ كرامة شخصية ؟ نعم!! على العين والرأس، نحن نتألم لفصل فراش فى مدرسة إعدادية فى هذه السن، سنى وسنك فما بالك لشخص له هذا التاريخ والقيمة، لكن المسألة ليست ألما شخصيا، أو كرامة سطحية، المسألة هى  مصر يا سيدى، هى الوفد، هى التاريخ.

وددت لو تذكر يا سيدى الأستاذ الدكتور ما حدث سنة 1969 فى باريس، وكنا معا هناك، حين تخلى ديجول عن الرئاسة بمجرد أن استشعر أن الفرنسيين لم يعطوه القدر المناسب الذى رأى أنه يستحقه من دعم وتأييد، لم يسقط ديجول فى انتخابات، لم تتخل عنه أغلبية حزبه ولا أغلبية شعبه، لم يخذله القانون، لكنه تعامل مع كرامته الشخصية كجزء من كرامة شعبه،  وحزبه وتاريخه، وانسحب شامخا.

إن كنتَ قد نسيت كل هذا يا سيدى الأستاذ الدكتور، فهل نسيت شجار المرأتين على أمومة الطفل حين تنازلت الأم الحقيقية عن طفلها للأم الزائفة، لما اقترحوا عليهما أن يقسموا الطفل بينهما؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *