الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الدستور المصرية / حرية !! تنقصها الشجاعة، والحكمة، والعدل، والنفعية (تعتعة سياسية)

حرية !! تنقصها الشجاعة، والحكمة، والعدل، والنفعية (تعتعة سياسية)

نشرت فى الدستور

15-2-2006

حرية !! تنقصها الشجاعة، والحكمة، والعدل، والنفعية

لا يجوز أن نقيس الحرية بالمساحة التى يتحرك فيها التعبير، أو بالبجاحة التى يتصف بها التصرف، أو بالوقاحة التى تصبغ الخطاب، يصح هذا القول أكثر إذا قيل لمن يتصور أنه الحر الأوحد، أو الحر الأول، ومن حقه أن يصدّر الحرية للعبيد أمثالنا. الحرية تقاس بمقياسين أساسين: العدل والإبداع، أنت حر بقدر ما تسمح لغيرك، أن يكون حرا. أنت حر بقدر ما تستطيع أن تخترق حواجز ذاتك وسجن أفكارك قبل أن تقتحم أفكار الغير، وتسخر منهم، أنت حر حين تضيف جديدا من خلال هذه المغامرة الإبداعية التى تجدد بها فكرك/ذاتك، فى رحاب وعى آخر يفعلها مثلك.

أتحفظ عادة  على حكاية أن حريتك ينبغى أن تنتهى عند بداية حرية الآخر، ارى  أن حريتك تبدأ حين تلتحم بحرية الآخر، حالة كونكما تتعاملان بنفس القوانين، بنفس الفرص، وبقدر من الاحترام الحقيقى.

الذى يسخر من مقدسات الآخرين دون أن يتعرف عليهم، هو لا يعترف بهم أصلا. محمد صلى الله عليه وسلم ليس رمزا دينيا كما يقال، كما أنه ليس ميتا نذكر محاسنه!!! محمد صلى الله عليه وسلم، مثل كل نبى، عليهم السلام، ليس تاريخا يُحكى، هو حضورٌ آنىّ – حالا- فى وعى كل من يحبه، ناهيك عن من يعتقد فى رسالته، هو جزء من وجود المسلم حتى لو لم يلتزم بعباداته. إذا كانت حرية بعض الغرب قد سمحت له أن يعبث بسيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام، فليس معنى ذلك أنه أصبح له الحق أن يفعل نفس الشىء مع غيره. هذا ليس معاملة بالمثل، إذا أبحت لنفسك عقوق تاريخك وتشويه آبائك ومقدساتك، فهذا لا يعطيك الحق أن تهين غيرك ممن له تاريخ آخر، ووعى آخر، وحلم آخر.

قيمة العدل التى هى أساس الحرية، تبدأ برؤية الآخر، ولا تنتهى بقبوله ظاهرا ومجاملة، بعد الرؤية يأتى الاحترام لا التفويت، ولا تتم الرؤية ولا يصدق الاحترام إلا بتقمص حقيقى أمين: تضع نفسك مكان الآخر وتحاول ألا تحكم عليه ابتداء، ثم تصاحبه شريكا فى صنع الحياة مهما اختلفتَ معه، تستعملان نفس القانون، برغم أنكما لا تنتميان إلى نفس الفكر.

قد يكون من حقك أن تنكر عقيدتك أو حتى ربك، وأن تفخر بذلك فى مجالك وبين ناسك، لكن حين تتصدى لعقيدة غيرك، فالأمر يختلف، عليك أن تراه، أن تتذكر أن هناك ظروفا وملابسات ونشأة وتاريخا شكّلتْ وعيه، حتى دون إذن منه، هؤلاء البشر المختلفون عنك، هم فى نفس الوقت مكمِّـلون لك.

ثم أين شجاعة الحرية تلك وهى لم تُـختبر؟  فليسأل أى رئيس تحرير أو رئيس دولة من الذين تمسحوا أو اعتذروا بدفاعهم عن الحرية، ليسأل نفسه لماذا لا  ينشر الوثائق التاريخية المؤكدة حول الهولوكوست، تلك الوثائق التى حققها علماء تاريخ لا شبهة حولهم، ليس أقلهم جارودى، ينشرها دون أى تعليق، وأيضا بغير أن يوضحها أى كاريكاتير أو رسم بيانى، ينشر أن الهولوكوست لم يكن بهذا الحجم الذى يزعمونه، وأنه لم يكن قاصرا على اليهود، هذا أبسط ما وصلت إليه الحقائق، لا الآراء ولا الافتراضات، أو ليقل لنا لماذا لا يفعل؟ هل اليهود والصهاينة صنف آخر من الأحياء؟  صنف تجاوز مرحلة البشر فلا يجوز عليهم ما يجوز على البشر، حتى لو كانوا أنبياء الله ؟

ثم خذ مقياس النفعية، ماذا سيجنى الغرب من إعطائه للشباب المسلم المُغيّبِ عن وعيه بفتاوى محرضى القتل انتقاما أو ابتداء، إعطائهم مبررا ليقتلوا الأبرياء من السائحين مثلا، لمجرد أنهم حمر الوجوه، مثل وجوه من استهزأوا بنبيهم.

وبعد:

مسألة المقاطعة مسألة خائبة لن تؤثر عليهم اقتصاديا، هى مجرد إعلان احتجاج، والخوف أن تُجهـِـض ما ينبغى، حين نكتفى بها، وبالصياح.

كذلك فإن إشعال نار الانتقام من جانبنا هى خراب على الجميع،

 والمعاملة بالمثل لا معنى لها، فأنبياؤهم هم أنبياؤنا قبلهم وبعدهم.

فلندفعْ بالتى هى أحسن.

التى هى أحسن هى أنه: “ليس بالقتل ولا بالتشنج نعرّفهم من نحن، لا يمكن أن يعرفوننا إلا بممارسة تبين لهم ماذا ترك لنا نبينا هذا من فضل، وسماح، وفرص، ودعوة للاجتهاد، إيمانا بالغيب، واستلهاما للنصوص، لا وقوفا عند تفسيرات انتهى عمرها الافتراضى، نفعل ذلك لخير كافة البشر، فنريهم كيف نستعمل حريتنا للإبداع المختلف، والانتاج المفيد، والتناسق مع الجمال الإنسانى/الكونى الشامل، وللتطور، حتى نلاقيه!!

أنظر معى: ألسنا أبعد ما نكون عن ذلك؟

 إذن ماذا؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *