الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الدستور المصرية / …. وقفة عند “الأربعين”، لاقتحام المستحيل (تعتعة سياسية)

…. وقفة عند “الأربعين”، لاقتحام المستحيل (تعتعة سياسية)

نشرت فى الدستور

11/10/2006

…. وقفة عند “الأربعين”، لاقتحام المستحيل

أول أمس يكون قد مضى أربعون يوما على استئذان شيخى الجليل للرحيل دون أن نأذن له، ومع ذلك فقد استأذن ممن بيده الإذن. لا أعرف لماذا هذا الرقم بالذات؟ توقفت طويلا امام هذا الرقم الذى يقابل تقريبا ما هو ستة أسابيع، ماذا يحدث خلال أربعين يوما بالذات؟ لن أحاول الإجابة لأننى لا أعرف إجابة، لكنه رقم يمثل لى قيمة تستدعى النظر. يقال إنها تاريخ مصرى قديم، له علاقة بالمدة اللازمة لتمام التحنيط والاطمئنان عليه قبل الدفن، ماذا عن أربعين نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم فى غار حراء؟ ماذا عن أربعين موسى عليه السلام؟ احترمت الرقم حتى أننى أحدد مدة بعض أزمات النمو لإعادة الولادة، والتى تحتد أحيانا حتى المرض: بستة أسابيع، وأحيانا أحدد المساعدة الدوائية بستة أسابيع أيضا، وتنفع.

 أثناء تصفحى لكتاب “الموت والوجود” تأليف جيمس كارلس بترجمته الرائعة التى قام بها بدر الديب، تذكرت أن أربعين شيخنا سوف يحل يوم الأثنين (أول أمس)، وجدت وأنا أبحث عن سابق كتاباتى عن الموت، مقالا كتبته فى عيد ميلاد شيخى الأخير (2005)، تذكرت كيف أن شيخى كان حتى ذلك التاريخ، وحتى قبيل أزمة دخوله المستشفى بأيام، كيف كان مليئا بالأمل يدفعنا إلى كل الممكن بل والمستحيل. كتبت آنذك، (الأهرام 12 ديسمبر 2005):

”…. محفوظ قرر أن يعيش حين قرر أن يدرب يده ليعود للكتابة، ثم حين رضى أن يملى بعد أن عجزت يده حتى عن الشخبطة. وحين قال إن كتابة أحلام فترة النقاهة هى حياتى، وأنها إن توقفت توقفت الحياة.  شيخنا هو الذى قال فى الحرافيش “الموت لا يجهز على الحياة، وإلا أجهز على نفسه”. اكتشفت منذ أسابيع وأنا أجاهد نقد قصة هانز كريستيان أندرسون (بائعة أعواد الكبريت الصغيرة) أن الموت وعى بينىّ، وعى بين وعيين، بين الوعى الفردى المحدود، والوعى الكونى المفتوح النهاية. (هذا ما وجدته لاحقا بالنص فى متون هيرميس)، حين تتواصل حلقات دوائر الوعى الممتد  يصبح لا معنى للحديث عن الموت العدم. محفوظ قرر أن يستمر حين شعر “بنغبشة” الإبداع قبيل كتابة الأحلام، وجد أنه ما زال عنده ما يقوله، فاستأذن رب العالمين،  فأذن له، ألم يقل لنا ربنا أن من عباده من هو أشعث أغبر، لو أقسم على الله لأبره؟  أقسم محفوظ على الله أن يستمر ما دام نور إبداعه ما زال قادرا أن يضىء ولو زاوية محدودة من جبال الظلام الجاثمة. كنت  أقرأ له مقالا كتبته على وشك أن أرسله للنشر، كان عنوانه:  “السيناريو شبه المستحيل”، (كان به من الأمل والدفع ما لا يمكن تحقيقه)  أنهيته منبها القارئ لمدى شطحى أنه  :”.. لا تفزع، قلنا “شبه المستحيل”، الله!!! كدت أشطب “شبه”، قاطعنى شيخى بغضب محب، لماذا؟ إياك أن تشطبها، طمأنته أننى لم أفعل، وأن الجملة الكاملة كانت للقارئ كالتالى: ” لا تفزع، قلنا شبه المستحيل، الله!!! كدت أشطب “شبه” لكننى عدلت” . قال لى “نعم، هكذا، الحمد لله أنك عدلت،  حسنا فعلت”.

 يا خبر يا شيخنا !!!

فى لقائه مع إريك شميث كاتب رواية مسيو إبراهيم وظهور القرآن (محمد سلماوى الوفد 30 نوفمبر 2005) سأل محفوظ شميث “كيف وصلت إلى الصوفية” فأجاب شميث “عن طريق الموت” وذكر حكاية عن توهه فى الصحراء ينتظر الموت، حتى وجد الله فالإيمان.  ثم أردف شميث “ودعنى أقول لك إن كتاباتك كانت إحدى وسائلى فى التعرف على الصوفية”

أنهيت المقال قائلا :

“شيخى الجليل : سامح أنانيتنا ونحن نطلب منك البقاء عاما فعاما، لكن الظلام شديد، ونحن مازلنا فى أمس الحاجة إلى ما تيسر من  نور الحق تعالى عبر إبداعك.”

 انتهى المقال

لكن قضاء الله كان له حسابات أخرى

فى عيد ميلاده الأسبق (الأهرام 15 ديسمبر 2003) أنهيت القصيدة التى أهديتها إليه بتلك المناسبة بما وصلنى منه وهو يشجعنا أن نقتحم المستحيل،  قلت فى حلم ضمنت القصيدة بعضه :

‏…. ‏وسمعت‏ ‏صوتا‏ ‏واثقا‏ ‏فى ‏عمق‏ ‏أعماقى ‏يقول ‏: ‘‏المستحيل‏ ‏هو‏ ‏النبيل‏ ‏الممكن‏ ‏الآن‏ ‏بنـا‏’. ‏ لمسّتْ‏ ‏عباءتــك‏ ‏الرقيقةُ‏ ‏جانباً‏ ‏من‏ ‏بعض‏ ‏وعيي‏، ‏فـعـلـمـت‏ ‏أنـــك‏ ‏كـنـتـه‏’..

هكذا يا شيخنا مازلت حاضرا فى وعينا بعد اربعين يوما، كما كنت وأكثر، تعلمنا كيف نستمر دون يأس لنقتحم المستحيل، ولسوف تبقى معنا ومع الأجيال ما دامت هناك حياة ورب اسمه الكريم، لنحقق ما أردت ورأيت،  ولو بعد أربعين قرنا .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *