الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الدستور المصرية / قُبلاتُ المسئولين، وفلتات اللسان (تعتعة سياسية)

قُبلاتُ المسئولين، وفلتات اللسان (تعتعة سياسية)

نشرت فى الدستور

 28-2-2007

قُبلاتُ المسئولين، وفلتات اللسان

(1)

قال الشاب لأخته: لقد كرهت كل هذه القبلات، لم أعد أطيقها. قالت أخته: أحسن، وقاية من إنفلونزا الطيور. قال: أنا لا أمزح، كلما رأيت هؤلاء الرجال يقبلون بعضهم بعضا فى الصحف أو فى التليفزيون يصيبنى الغثيان. قالت: أرح نفسك ولا تشاهدهم يا أخى، قال: أنا أتكلم جدا، الكل الآن يقبل الكل وقد رسموا على وجوههم تلك البسمات المتجمدة من بقايا منصهر زجاجات البلاستيك التى يجمعونها من صناديق القمامة. قالت الفتاة: يا نهارك أسود، ما كل هذا القرف؟ قلتُ لك أرح نفسك ولا تشاهدهم. قال الشاب: إذن أشاهد ماذا؟ وهل بقى للمشاهدة غير هذا الكذب، ويا ليت الأمر اقتصر على الرؤساء، بل إن العدوى انتقلت إلى رجال الدين، حتى وصلت بيتنا؟ قالت: بيتنا!!؟ قال: هل رأيت عمى عبد التواب وهو يقبل أبى وهو ممسك بأوراق الحجز على قراريطنا الخمسة خلف ظهره؟ قالت: نعم، ولكن والدى  قبـّله بشوق وصدق، قال: لأنه المدين، قالت: أنت تجعلنى أشك فى كل أنواع القبلات، فكيف أقبّـل أصحابى وصاحباتى بعد ذلك؟ قال الشاب، ماذا تقولين؟ صاحباتك، يعنى! ، ولكن ما علاقة القبلات بأصحابك؟ قالت الفتاة: هل أنا قلت أصحابى؟ قال: نعم، قالت: أبدا والله العظيم، قال: وتحلفين؟  قالت: يجوز! لا أذكر.

(2)

قال الشاب: قل لى يا أبى: ما هى حكاية “قبول الآخر” هذه  التى يصدعوننا بها ليل نهار؟ قال الرجل: لقد ضجرت من أسئلتك هذه يا ولد، وإن لم تتوقف عنها فقد أتجنب الحديث معك من أصله، قال الشاب: آسف، ولكننى لا أطلب إجابة حقيقية، أنا أعرف أنك تشاركنى رأيى فى كذب هذه الخطب وتلك الأحضان، و”ما فى القلب فى القلب”، أنت تشاركنى يا أبى حتى دون أن تتكلم، قال الرجل: أشاركك ماذا؟ قال: تشاركنى رفض كل هذا النفاق المغلف بالقُبَـل، قال الرجل: قـُُبل ماذا؟ ونفاق من؟ أنا لا أرفض شيئا، أنا ليس عندى وقت للرفض، ولا للتفكير أصلا، قال الشاب: وهل المسألة تحتاج تفرغا لنفكر فيما يقتحموننا به كل لحظة؟ إنها تحدث غصبا عنا. قال الرجل: أية مسألة وأى غصب يا جدع انت!! أنا مهموم بتدبير أجر المدرسين الخصوصيين لإخوتك، وبتدبير ثمن الفول المدمس يوميا، إن أى تفكير آخر هو خطر وقلة أدب. قال الشاب فزعا: التفكير خطر وقلة أدب يا أبى؟  قال الرجل: أنا قلت التفكير خطر وقلة أدب!!!؟؟ قال الشاب: نعم، قال الرجل: أبدا والله العظيم، قال الشاب: لا تقسم يا أبى؟، قال الرجل: يجوز، لا أذكر.

(3)

فوجئت أمه بمن يلثم خدها بحنان دافئ، لم تبذل جهدا فى أن تستبعد أنه زوجها، لم تسارع بالالتفات حتى تستوعب رائحة هذه القبلة الرائعة المفاجئة معا، “من؟” أدارت وجهها بهدوء فوجدت الشاب واقفا، فكادت تحتضنه وتقبل رأسه،  ثم زاد الموقف عذوبة  والشاب ينحنى على يدها يقبلها. دفعته برقة وهى ما زالت تتعجب: “ماذا؟ فيه ماذا؟ ماذا جرى لك يا إبنى؟”.  قال: أنا ذاهب يا أمى، قالت: إذهب يا حبيبى، رافقتك السلامة، إلى أين؟  قال: ربنا يخليكى، أدع لى أكثر، فأنا ذاهب بعيدا إلى حيث أولاد خالتى، لقد أرسلوا لى “الفيزا”، قالت: أطاليا؟ اسم النبى حارسك وضامنك، ربنا معك، إنهم يحضرون معهم فى كل أجازة شيئا وشويات، قال: أهذا ما يهمك يا أمى؟ قالت: لا أقصد، ولكنك ستشترى الشقة، وأنت تعرف أن بنت خالك تنتظر. قال الشاب: ولكننى أفكر فى البلد، قالت: أية بلد؟ صحيح البنت تقيم فى “البلد” لكنها مستعدة أن تتبعك أينما كنت. قال: يا أمى، البلد أعنى مصر, أنا سأعود لفتح مصر. قالت: ماذا؟ فتْح ماذا؟ قال: السفر يفتح المخ، والمخ يفتح الدنيا، ومصر أم الدنيا.  قالت ماذا جرى لك؟ تسافر لتفتح مخك، ومخك يفتح مصر، ما هذا ؟  قال الشاب: لا أريد أن أصبح مثل أبى الذى تجمد خوفا فى محله حتى أصبح يرتجف إذا هم بالتفكير. أليس السفر من أيام الهجرة للمدينة المنورة هو الذى مهد لفتح مكة؟ قالت: أولاد خالتك فى الأجازة لا يذكرون أبدا أن مكة فى أطاليا، هل نقلوا العمرة إلى هناك!!؟ قال الشاب: أستغفر الله العظيم، ماذا تقولين يا أمى، العمرة فى إيطاليا ؟؟؟!!! قالت: أنا قلت العمرة فى أطاليا؟ قال الشاب: نعم، قالت: أبدا والله العظيم، قال الشاب: لا تحلفى يا أمى لو سمحت؟، قالت المرأة : يجوز، لا أذكر.

(4)

فتح الشاب التليفزيون أثناء مروره بالصالة وكأنه يريد أن يتأكد أنه على حق، فرأى ما توقع، فصاح وهويغلقه على الفور:

الله يخرب بيوتكم!!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *