الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الدستور المصرية / لكنّ دَسَّ السم فى نبض الكلامْ: قتلٌ جبانْ

لكنّ دَسَّ السم فى نبض الكلامْ: قتلٌ جبانْ

الدستور

4-3-2009

      تعتعة

لكنّ دَسَّ السم فى نبض الكلامْ: قتلٌ جبانْ

أوباما: أنا أحب هذا الفتى، أحب ما يمثله، أحب من انتخبوه عبر العالم، باعتبار أن الناخب الأمريكى هذه المرة قد تقمص وعى العالم، فقالها، فى لحظة إفاقة، قالها بعد تراكم غباء رئاسته السابقة التى فاحت رائحتها، فاختلطت مع رائحة دماء ضحاياها المتخثرة، حتى عمّ الغثيان البشر فى كل مكان فنجح أوباما.

هذا الفتى الرشيق قابلته قبل ذلك، مرة فى “أبو سنبل”، ومرة على قهوة البوسطة فى أسوان، وكثيرا جدا فى عيادتى، كان هو أو أحد أقاربه يثقون فىّ بشكل خاص.

هل عرفتم عنْ منْ أتكلم!؟ ومن هو الذى أحبه؟ ليس هو الرئيس الأمريكى الجديد على أية حال.

بعد نجاح هذا الرشيق الطيب وفرحتى بابنتيه وزوجته الجميلات، ظهرت علامات أنه “ليس هو” من أول تصويت فى الكونجرس حول مجزرة غزه، وحق اسرائيل فى الدفاع عن نفسها، انكشف الملعوب مبكراً جداً، أنا لا أتهّمه شخصيا بأنه خدعنا أو خدع ناخبيه، ولكننى فى نفس الوقت لا أتصور أنه غابت عنه حقيقة القوى التى ساندته واستعملتْ  ضجر الشعب الأمريكى الكريم وقرفه من سلفه – ثم التقطتْ ذكاءه، وما يمثله-، فوجدت فيه لافتة إنسانية براقة، يمكن أن تخفى وراءها، مع سبق إصرار محرّكى اللعبة، وربما بدون قصد منه، تخفى نفس النوايا والخطط التحتية التى تحكم العالم، هى هى!!!

 بل إن الخدعة قد تكون أكبر لأن الواجهة أجمل. فمن ذا الذى يستطيع ألا يكره بوش ويستغباه!! ومن ذا الذى يستطيع ألا يحب أوباما ويستظرفه، فإذا مضى اللعب التحتى هو هو برغم تغيير اللافتة إلى النقيض، فاللعبة أخبث.

قرأت اليوم فى الصفحة الأولى “للشروق”، وبعد الافراج الصحى جدا (السكر والضغط!!) عن المظلوم فعلا أيمن نور، قرأت فى الشروق عنوانا يقول “وااا أوباما اااه” “صيحة شباب النت”، وتحت العنوان فرحة وتباريك، وشكر على الفيس بوك، لأوباما؟ يا للخجل!!!

أنا لا أخفى فرحتى بالافراج عن أيمن نور مثلهم، وربما أكثر، كانت الصورة التى حضرتنى لخروجه هى صورته وهو يحتضن ابنته حين عودته، ثم وهو يقبلها بعد أن تروح فى النوم، ومع ذلك فقد رفضت استغاثات شبابنا واستجدائهم هكذا، وكأن الشاعر “أحمد مطر” حين كتب قصيدته فى أوباما كان يعرف هذا الذى سيكون.

أنا أحب الشعر الحلمنتيشى من يوم أن كان أبى يشترى لنا البعكوكة فى أوائل الأربعينيات فى طنطا فنحوط به وهو يقرأ لنا يوميات أم سحلول، وأذكر فرحته الساخرة وهو يقرأ هذا الشعر ويعجب لالتزامه بالوزن، برغم ضربه عرض الحائط بكل قواعد النحو وأحيانا الإملاء، مازالت أذكر قراءته بيت قيس ابن الملوح وهو يخاطب “ورداً” بعد زواجه من ليلى: بربك هل ضممت إليك ليلى، قبيل الفجر أو قبلت فاها”؟ فيواصل أبى قراءة شاعر البعكوكة على نفس النهج”، وهل رَضِيَتْ بهذا البوُسِ يعنى .. أم التقبيلُ كانَ بِلاَ رِضَاها؟…الخ” .

رحت أقرأ استغاثات شبابنا بأوباما، وأراجع فى نفس الوقت قصيدة أحمد مطر، فيحضرنى شاعر البعكوكة مقتحماً، يقول أحمد مطر:

 افعلْ هذا يا أومابا …،

 أَمْطِرْنَا بَرْدًا وسلاما..

وفر للعريان حراما …،

 فصَّل للنملةِ بيجاماَ”

فأقول كنظام شاعر البعكوكة:

يا أوباما .. يا أوباما

أخْرِجْ “نوراً” من مَحِبِسه…..، أرجِعْ سعد الدين أواما

إحْم الطفل من أبويه……..، صلّ الجمعة بينا إماما

وفّرْ أمْنَاً لنتانياهو……….، وارقص مع سيرك الإعلاما

ولْيقتلْ أطفالاً أكثر………، ليس يهُمكَ عندنا “يَامَا”

تْأمُرْ “تهدئة ً”؟! عَالـْبركهْ!……..، طيِّبْ حاضرْ “كلُّه تماما”

وبعد

لابد أن أعترف أننى تألمت حين قفزت منى السخرية بهذه الصورة الفجة، كما أعترف أننى حذفت ما هو أقبح حتى لا أجرّح شبابنا الجائع إلى دعم أو أمنٍ أيا كان مصدره، الجائع إلى حلم وكرامة أيا كان مَنْ وراءهما، وأيضا حتى لا أجرح أى مقاتل شريف لا يمانع أن يواصل حياته فى أمان بعد تضحياته النبيلة، إذا ما وصله من أى مصدر صادق يعينه على أسترداد أرضه والحفاظ على إنسانيته.

لكننى أعود فى النهاية، فأؤكد أن علينا أن نحذر تماما، وأكيدا، ودائما، من نسيان القواعد التحتية التى تحكم العالم فعلاً، سواء على رأسه بوش أم تاتشر أم ميركل أم أوباما، أم ملاكا من السماء، كما أحذر أكثر من الاعتماد على الكلمات البراقة الملتبسة التى تخفى فى ثناياها لعبا أخفى، وسمًّا أشد فتكا حتى لو أعلنت العزوف عن القتل، والقهر والتنكيل.

وقديما قلتُ:

لكنّ دَسَّ السم فى نبض الكلامْ : قتلٌ جبانْ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *