الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الدستور المصرية / الوصايا العشر، لحكّام العصر، فى بر مصر

الوصايا العشر، لحكّام العصر، فى بر مصر

الدستور

1-4-2009

الوصايا العشر، لحكّام العصر، فى بر مصر

…. هو مقال كتبته فى الوفد بعنوان “دليلُ الحاكم الذكى لحكم شعبٍ صبورْ” وحين أعدت قراءته، وجدت أنه مقال مُـتَعتِع، برغم مرور عشر سنوات، كما وجدت أن جوهر المحتوى لم يتغير بفضل “فرط الاستقرار”، وكان لا بد من اختصار وتحديث حتى يظهر فى هذه المساحة، هكذا:

يحكِى التاريخ، فى ألف ليلة وليلة وغيرها، كيف كان أمير المؤمنين يتخفى فى زى حمّال أو شيخ طيّب، وينزل هو ووزيره، يتفقدان أحوال الرعية..إلخ. عالمنا المعاصر، اخترع وسائل حديثة “لتفقد أحوال الرعية” أو أخذ رأيها، أشهرها “الانتخابات” سواء على مستوى الدولة، أو المحليات..إلخ، ثم إنه اخترع طريقة أسرع، تسمّى “قياس الرأى العام”، ونحن والحمد لله زوّرنا الوسيلة الأولى، واستهبلنا ونحن نجمع أرقاما عجيبة، ينشرها “مركز أعلى للمعلومات واتخاذ القرار”، لا أشك فى أمانته، لكننى أتعجب من منهجه، وهو يطلب – مثلا– الإجابة بـ “نعم” أم “لا”، إذا كان المواطن المصرى يحب بلده جدا أم “لا” !!!

 المقال القديم يركز على ترشيد الحاكم كيف يعرف أحوال الرعية، لكننى رأيت أنه أيضا أشبه “بالوصايا” أهديها لحكامنا الحاليين والقادمين بالسلامة، ربما تعفيهم من مشقة الزيارات “المفاجئة جدا”، للقرى والنجوع، والمدارس والمصانع، ولا تضطرهم للحرج حين يزف الإعلام القومى هذه الزيارات باعتبارها اكتشاف غير مسبوق أنه :”ماحْلاها عيشة الفلاح”، وأن “..الفضل كله لبابا الحاكم، أو لأبلة الناظرة”، أو للمعونة “التى هى”.

الوصايا العشر:

نوصى كل حاكم ذكى بالقيام بما يلى:

1-     تصنيف محتوى الصحف القومية إلى: (أ) مقالات النفاق (الظاهر، والخفى) (ب) أخبار التمويه (جـ) إعلانات مستفـزَّة (ء) مقالات النقد الموضوعى النادرة ..إلخ

2-     البحث فى بعض صحف المعارضة، بعد لعن محرريها، عن ما قد ينفعه لصالح الناس.

3-     الإنصات إلى لغة الشباب، والصنايعة (البيئة)، وسوف يجد ما يفيده: مثلا (أ) “ما يْنُولْ ويطولْ إلا اللى فى البلد مسؤول” (ب)،: “رِكِب الموجة” (جـ) “دولْ عِصابا  يابَا”، (ء) “إنسَ وخد البـِنسَةْ” .. إلخ..

4-     التأنى فى قراءة النكت السياسية، ففيها ما ينفعه فيما يتعلق بتقييم الذكاء السياسى وغير السياسى، ودلالات الاستقرار، ومغزى العلاقات الخارجية، ولا مانع من أن يعتبرها “قلة أدب” و”سفالة”، لكنها قفشات مفيدة بإذن الله!

5-     قياس هيبة الدولة وقوة القانون، بالسير راجلا فى شوارع العاصمة مثلا، ليرى  ما آلت إليه حال الأرصفة، وطريقة ركن العربات فى الشوارع الجانبية، بمنيل الروضة (كمثال)، ثم علاقة حركة السيارات والمارة بإشارات المرور ..إلخ

6-     فهم معنى الاحتجاجات الموسمية للصحف، قومية ومعارضة: على صعوبة الامتحانات، ثم جهودها فى تدليل الطلبة، ومسح دموع الطالبات، واستجابة الوزارة لذلك برشوة الأهالى..إلخ

7-     التأمل فى معنى الدرجات النهائية وفوق النهائية فى الامتحانات العامة.

8-     مراجعة قدرة حملة الدبلومات المتوسطة، وأحيانا الجامعة، على كتابة جملة مفيدة (مبتدأ وخبر، أو فعل وفاعل)

9-     زيارة إحدى المنتجعات “المستقلة ذات السيادة” على أطراف القاهرة .

10-     التمعن فى معنى ودلالات انتشار التليفون المحمول، “هكذ” !!!..إلخ

ملحق: دعوة ختامية لتجربة عملية

 يمكن لأى “حاكم” مازالت عنده قدرة على التخيل، وبعض حب استطلاع، وقدر من المغامرة، وما تيسر من مسئولية، أن يخصص يوما لا يعرفه غيره، كل شهر، يمضيه متخفيا فى زى مبيض محارة، صاحب مصلحة، أو صاحب مزاج، ليقوم بالجولة التالية (نبدأ بالعاصمة):

 “…فى هذا اليوم: يركب معاليه – وحده تماما – ميكروباس إلى الأباجية، ويجلس فى قهوة بلدى فى منشية ناصر، وينصت إلى حديث لاعبين للدومينو، ثم يأخذ تاكسى إلى ميدان الجيزة، ويدردش مع السائق، ثم يحشر نفسه فى الدرجة الثانية فى أتوبيس عام (يِستحمل علشان خاطرى!!) مرورا بشارع الملك فيصل، ثم يعود معاليه ليتناول غداءه على الرصيف فى ميدان الحسين، يعود بعدها راجلا إلى العتبة الخضراء، ليأخذ آخر ما يوصلّه إلى حارة السكر واللمُونْ بمصر القديمة….، وعند عودته إلى منزله لا يفتح قناة الجزيرة، أو يشاهد برنامج “البيت بيتك”، وإنما يشاهد جزءا من مسرحية “ريا وسكينة” ويتأمل سهير البابلى وشادية، ويفتقدهما، ويدعو لهما، أو يشاهد الريحانى فى بعض فيلم “سى عمر”، ويقارن هذا وذاك، بآخر مسرحية فكاهية لم يكملها، وآخر فيديو كليب أصابه بالغثيان.

يجلس معالى الوزير ويتذكر الحديث الشريف: أن الإحسان هو أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه يراك، ويستلهمه قياسا: أن “الإحسان” فى الحكم : هو أن تحكم الشعب كأنك تعرفه، فإن لم تكن تعرفه، فحاول أن تعرفه، (بهذه الوصايا وغيرها) لأنه  يعرفك، (ويفقسك، و”يستحلف” لمعاليك”!!).

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *