الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الدستور المصرية / أوباما – جاكسون: دوريان جراى، الأصل والصورة (3 من 3)

أوباما – جاكسون: دوريان جراى، الأصل والصورة (3 من 3)

الدستور

15-7-2009

تعتعة

أوباما – جاكسون: دوريان جراى، الأصل والصورة (3 من 3)

اختلط علىّ الأمر: كنت أشاهد كلمة “الرئيس أوباما” فى لجنة الشئون العامة الأمريكية الإسرائيلية، كما جاءتنى على “الميل”، (ربنا يخليه!)  فيحضرنى خطابه فى جامعة القاهرة، يا خبر!!! هل “هو هو” نفس الشخص؟، وهل “نحن نحن” نفس البلهاء؟

فى نفس الوقت، كنت أتعرف على مايكل جاكسون، وهو يرسل مشاعل الألم إلى كل هذا الوعى الجماعى ليتحرك، نحو تغييرٍ ما، فنغير العالم معا، ثم إنى رحت أراجع تاريخ حياته، وأتأمل لون بشرته، وأتملى  فى صورته الذكورية الأنثوية، وأحاول أن أتفهم انحناءات انحرافات سلوكه، فجعلت أتساءل أيضا: أهو هو، أم نحن الذين اعتدنا أن نختزل الإنسان إلى ما نريد ونتصور؟

من أسهل السهل أن ينبرى أحد المختصين أو الهواة من الدراميين أو الإعلاميين الشطار، ويطلق تشخيصا نفسيا يحل هذا التناقض: ربما ازدواج الشخصية، وربما الفصام، وربما الشخصية البينية..إلخ..!!  الكائن البشرى أرقى وأعقد وأجمل من أن يختزل إلى مثل ذلك، ولا يجوز أيضا أن يختزل إلى شر وخير، إلى غرائز وأخلاق، بل وحتى: إلى امرأة ورجل، هذا الاختزال لم  يعد مناسبا لمرحلة المعرفة الراهنة، لم يعد ممكنا أن نفهم الطبيعة البشرية من خلال هذا التصنيف المسطح بين الطيب والخبيث، بين البراءة والتوحش..إلخ،  ثم إن هذا الاستقطاب قد امتد مؤخرا إلى عالم السياسة عن طريق هذا “الدبليو بوش” حين راح يصنف محور الشر ويحدد محل إقامته فى مقابل محور الخير الذى يمثله هو وبطانته وتابعيه بما فى ذلك قاتل مروة والمتفرجين عليه داخل المحكمة عينى عينك.

هذا الاستقطاب، الذى تدعمه أغلب النظريات النفسية التقليدية (منها التحليل النفسى الفرويدى) هو أعجز من أن يقرأ النفس البشرية بما هى، فرحت أستلهم الإبداع: فحضرتنى رواية دكتور جيكل ومستر هايد(1886)  للأديب الأستكتلندى روبرت لويس ستيفنسون، ورواية صورة دوريان جراى لأوسكار وايلد (1891) وخلود جلال صاحب الجلالة (فى ملحمة حرافيش محفوظ)، وهو يستعمل السحر يقاوم به الزمن ظاهرا فى حين يتحلل من الداخل، حتى يقضى فى حوض البهائم جثة ملقاة بين الروث والعلف، ثم شممتُ رائحة بعيدة من نهاية رواية زوسكند “العطر”، وأكلة لحوم البشر تلتهم “غرينوى”، وهى تتجشأ عظامه (حبا!!).

قرأت ظاهرة جاكسون من خلال “صورة دويان جراى” مع قلب الأدوار:  الصورة كما رسمها أوسكار وايلد هى التى ظهرت فيها علامات تقدم العمر، وبصمات الشر، أما ما وصلنى فى حالة جاكسون فكان العكس، فقد رأيت جاكسون “الشخص” يمثل الصورة التى تظهر فيها تشوهات وجوده، أما جاكسون “الأصل” فوصلنى أنه حقيقته إلانسانية الرائعة التى وهبها للناس على المسرح بكل طاقته المبدعة الثائرة المخترقة الفطرية، جاكسون كان “أصلا” على المسرح بحلمه، وأمله، وألمه، وبراءته، وقوته، فاحتاج منه ذلك أن يطلق حركية آلامه بما هو فوق طاقة أى بشر فرد، وحين كان يعود إلى نفسه شخصا (الصورة!!) ، كان لا يستطيع أن يلملمها فيظل متألما بما لا يطاق، فيدفع الثمن خطأ وصوابا، بكل  ما أحدثه فى جسده وشكله وجنسه وعلاقاته، وحين لم تحتمل هذه الصورة (= الشخص) كل هذا الألم والنبوة والحلم والعطاء، تشوهت بالأوهام الطبية والتدخلات الجراحية العشوائية والآلام الجسدية والنفسية، فالمسكنات، فالموت.

الصورة فى حالة أوباما هى صورة شاب برىء  أسمر رشيق ذكى حاضر واعد، ولا مانع من استعمال بنتيه وزوجته، بسمارهن الأخّاذ، كعوامل مساعدة لمزيد من تجميل الصورة، أما الأصل المختفى وراءها فهو كل ما يساهم به فيما يجرى من تحيز واستعلاء وقتل وتمييز واستغلال…إلخ. (عكس جاكسون تماما)

جاكسون “شخصا”: دفع ثمن هذا التباين بين الأصل والصورة، لكننا نحن – عبر العالم – الذين سوف ندفع الثمن فى حالة أوباما إن لم ننتبه فى الوقت المناسب إلى الطريق المناسب.

نهايات أبطال الروايات التى حضرتنى تكتمل بأن نتذكر نهاية “صورة دوريان جراى، حيث المشهد الاخير – بعد الطعن – هو للخادم حين وجد صورة لسيده كما عرفه شابا نضرا ..وبجوارها كهل هرم قبيح الهيئة يرتدي خواتم سيده.

هل هذا الرئيس أوباما هو صورة شابة بريئة رشيقة سمراء تخفى وراءها الإمبراطورية الأمريكية البشعة العجوز، فقدموها لنا ليخفون بها  كل جرائمها وقسوتها وجبروتها؟

هل سوف ننتظر القضاء والقدر ليختار لنا إحدى هذه النهايات السالفة الذكر؟

هل سوف نسكت حتى نتحول إلى أكلة لحوم البشر يأكل بعضنا بعضا تحت اسم حب مزعوم، وحرية ملتبسة، وحقوق متحيزة؟

أم سوف ننتبه إلى حقيقة الصورة فنمزقها مبكرا حتى يظهر الأصل من ورائها فنواجهه بما ينبغى قبل الكارثة؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *