الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الدستور المصرية / الفجوة تتسع بين الحكومة والناس!!

الفجوة تتسع بين الحكومة والناس!!

الدستور

22-7-2009

       تعتعة

الفجوة تتسع بين الحكومة والناس!!

وهل هى ناقصة ؟!!!

الحكومة، أية حكومة، وهى تدير شؤون الناس، تحتاج أن تتعرف على رأيهم، واحتياجاتهم: ما ينقصهم، وما يكفيهم، ما يغضبهم، وما يرضيهم، وهى تتحسس الطريق بشكل مباشر وغير مباشر إلى مخاطبة وعيهم الجمعى، وحدسهم التاريخى، ونبضهم المشترك، لتنجح فى مهمتها ما أمكن ذلك.

هناك آليات حديثة لمثل ذلك تسمى قياس الرأى العام (وأغلبها مشبوهة)، وهناك آليات قديمة، مثل التخفى فى ثياب شخص عادى لمعرفة أحوال الرعية، (وأغلبها حكائية ملتبسة)/ ثم هناك أيضا آليات علمية/معرفية أحدث فأحدث، أعمق وأصدق، مثل القراءة الموضوعية للتاريخ بدءا بالأساطير، واستيعاب نبض دورات الحياة، واستلهام الحكمة من قوانين التطور، وما ينفع الناس، والتاريخ الحيوى، فالتاريخ البشرى، وانعكاس كل ذلك فى عموم الناس “هنا والآن”!!

 أنا لا أعرف كيف يحصل المسئول عندنا عن معنى وحقيقة حركية الناس وتوجهات وعيهم الجمعى، وهو جالس على مكتبه، أو مستغرق فى أرقامه، أو مستظهر علم تخصصه من كتبه؟ للناس حركيتهم الفطريية معا، ولهم طقوسهم التاريخية الممتدة، وقوة حدسهم المخترقة، ومغزى تجمعاتهم الإيقاعية الحيوية. لعموم الناس،علاقتهم التلقائية بالطبيعة والكون، تنظمها الأديان غالبا، وتفسدها السلطات (بما فى ذلك السلطة الدينية) غالبا أيضا، كل هذا قد يأتى فى المقام الثانى أو العاشر مقارنة بمهام الحكومة فى القيام بتوفير رغيف العيش والمسكن والعمل والمواصلات والتعليم والعلاج… إلخ، إلا أن هذه الضروريات تتوفر- إذا توفرت- هى ليكون الناس ناسا، يجمعهم إلى بعضهم البعض ما خلقهم الله من أجله، لا يكفى لكى يعرف المسئول الناس الذين يحكمهم أن يقرأ الأرقام الرسمية، أو يسمع للمعارضة، أو لتظاهرات الشارع، أو ينخدع بصندوق انتخاب هو أعلم بأحواله، ولا يكفى ما يصله من المنافقين أو الشتامين، أو المنتفعين أو الغاضبين، ولا حتى من “النت” (المدونات، والفيس بوك، والمواقع الخاصة)، كل هذه مصادر مهمة ومساعدة، قد تفيد فى قرارات توفير الضرورة، أما حين يتصدون لإصدار قرارات تمس حدس الناس الجمعى، ووعيهم التطورى، وتاريخهم الثقافى، فعليه أن يتبصر أعمق، وأن يعرف أن هناك مستوى آخر للوجود البشرى الجمعى، يكمن فى أمعاء جوف الشارع، وهسيس ليل البيوت، وحفيف هدير التجمعات، ونبض الإبداع، وطقوس العبادات.

 حين يريد مسئول أن يتدخل فى تنظيم أو تأجيل أو إلغاء أو تعديل مثل هذه الاحتفاليات الدورية الموسمية الجماعية التلقائية التاريخية الراسخة المسماة الموالد، عليه أن يعرف شيئا جادا وعميقا عن هذه الظاهرة: تاريخا، وحالا (بالإضافة لصفتها الدينية وظاهر طقوسها)؟ هل ذهب هذا المسئول شخصيا إلى أى من تلك الموالد ليتعرف عليها؟ ولو مثل السفير الأمريكى فرانسيس دونى؟ هل تساءل لماذا يذهب أهل قنا للسيد البدوى، وأهل طنطا لسيدى عبد الرحيم القناوى؟ هل تصور مثلا أنها “حج أصغر”؟ هل بلغه أن العلوم الأحدث تثق فى قدرات الجسد المبدعة إذ يتناغم مع الطبيعة والكون، أكثر من ثقتها فى أرقام منظمة الصحة العالمية؟ هل سأل التاريخ بدءا من الأساطير عن توقيت ومغزى ظهور هذه الظاهرة، ومعناها، وتطورها، وجدواها فى تشكيل”الوعى الجمعى الجديد” الذى هو أمل كثير من المبدعين عبر العالم لمواجهة “النظام العالمى الانقراضى الجديد”؟

يبدو أن الجالسين على المكاتب لا يعرفون ناسهم، وقد أعذرهم لضيق الوقت وظروف الأمن، ولكن إن لم يكن عندهم الوقت والأمان للنزول للناس فى الموالد  الحوارى والأزقة، فضلا عن أن يتمايلوا معهم فى ذكرا لله فى الموالد والساحات، فلا أقل من أن يقرأوا كيف استوعب إبداعنا الحديث نبض ناسنا هذا، خذ مثلا: “أيام الإنسان السبعة (عبد الحكيم قاسم) أو قنديل أم هاشم (يحيى حقى)، ثم لحس العتب (خيرى شلبى)، أو حتى موجزا لدراسة نقدية مقارنة تميز بين الغث والخبيث (أطروحة منشورة لكاتب هذه السطور).

ثم راح المتضررون يهددون بأن السيدة زينب – وليس هم- سوف تنتقم من المسئولين عقابا على تطاولهم عليها، وليس لانفصالهم عن ناسهم وهم يحملون أمانة حكمهم..!!!! ما هذا؟!!

وبعد

لا إنفلونزا الخنازير خطر صحى موضوعى (كما صرح مرارا وزير الصحة، ثم لا أدرى كيف أخافوه!)، ولا آل البيت قادرون فى قبورهم على الانتقام ممن يؤذى محبيهم، ولا هى فرصة للسلفيين المكتبيين لإثبات فساد الدين الشعبى وربما تكفير الملايين، لكنها إعلان جديد للفجوة الخطيرة التى تتسع باضطراد بين الناس والسلطات بأنواعها.

أما علاقة هذه الاحتفاليات الشعبية النابضة المتناغمة مع الأجساد، والذوات، والتاريخ، والطبيعة فى لحن حركية الإيمان، وحدس الفطرة، ورحلات النمو والتطور، وبرامج “الذهاب والعودة ” البيولوجية، و”الإيقاع الحيوى”، وتناغم الوعى الشخصى مع الوعى الكونى إلى وجه الحق تعالى، فلهذا حديث وأحاديث أخرى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *