الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الوفد / سيناريو الجنازات والنزيف، لتنشيط وعى القمة

سيناريو الجنازات والنزيف، لتنشيط وعى القمة

الوفد: 21/3/2002

سيناريو الجنازات والنزيف، لتنشيط وعى القمة

حاولت أن أبيّن فى المقالين السابقين كيف أن الوعى بالموت هو الذى يعطى للحياة طعمها، وزخمها، وإبداعاتها، ومعناها، وهو الذى يضع الموت فى مكانه ، لا باعتباره عدما مخيفا، وإنما باعتباره قدرا مفيقا. على نفس القياس، أحاول فى هذا المقال أن أبيّن ضرورة الوعى بالحرب طريقا إلى سلام نابض قادر مبدع لحياة عادلة كريمة.

 الوعى بالحرب غير الحرب، والإعداد للحرب غير إعلان الحرب، الحروب لا تبدأ بإطلاق قذيفة أو إلقاء قنبلة أو إعلان تعبئة احتياطى، وهى لا تنتهى باستسلام أحد أطرافها. الحروب تبدأ منذ تبدأ الحياة، وهى لا تنتهى أبدا، والوعى بذلك هو الذى يغيّر شكلها، ويحول دون أن يقتصر معناها على القتل والإبادة وتدمير إنجازات الإنسان.

الوعى بالحرب هو وعى بمسئولية الحياة، إن ما يمنع الحرب بمعناها الضيق (القتل والتدمير) هو حدّة الوعي بضرورتها مع العمل على الحيلولة دون وقوع أسوإ أشكالها. هذا التناقض الذى قد يدهش القارئ لأول وهلة هو وظيفة هذا المقال من البداية للنهاية، وأنا على يقين من أن القارئ سوف يتحمّلني حتى أبيّن ما أعنى، أنا أشعر أن المواطن المصرى العادى يستطيع أن يتحمل ظاهر هذا التناقض لكن ما يعنينى – دون أى أمل – هو أن يصل هذا المعنى للمجتمعين على القمة من الملوك والرؤساء والوزراء والنظراء .

 لقد بلغ بهم الأمر أن يصبح ذِكر الحرب ولو تلميحا، ولو لرفضها وشجبها، هو بمثابة العيب فى الذات السَِلاَمّية، أو الذات الأمريكية ،أو هو دليل على معاداة السامية العولمية المعدّلة. إنهم جعلونا نعتبر مثل ذلك التفكير، مجرد التفكير فى الحرب – ولا مؤاخذة- هو نوع من جرح الحياء السياسى الدولى، وإعاقة للسلام الشارونى البوشوى.

ليست دعوة للحرب

 إنه لا يشرّف أحدا أن يجلس إلى مكتبه، وقد أدار زر التكييف، واطمأن إلى أنه قد تخطى سن التجنيد، وأن حاكمه فى منتهى العقل والحكمة، ولـن يلقى به أو بأولاده أو بأحفاده إلى التهلكة، ثم يمسك بقلمه ويكتب مقالا يدعو فيه إلى الحرب أو يبررها. المسألة غير ذلك تماماً. إنها ليست دعوة لإعلان حرب نظامية ، فقد تعلّمنا أن الحرب النظامية بدون انتماء شعبى شامل، وهدف قومى محدد، وقيادة حرة متواضعة قوية قادرة عصرية، وبدون صدق ومسئولية طول الوقت طول العمر، لن تنتهى إلا إلى ما انتهت إليه حروبنا النظامية جمعياً عدا حرب 1973. إن انتصار حزب الله تم لأنها لم تكن حربا نظامية أصلا .

الحرب قائمة فعلا

ما هذا الذى يجرى على أرض فلسطين الآن إذا كنا نتجنب هكذا كلمة الحرب؟ مباراة فى الجولف ؟ أم لعبة “استغماية؟ هل كل هذه الدماء هى إعداد لتشكيل رسم مفارش موائد المفاوضات القادمة ؟ أليست هى الحرب بكل قبحها وسفالة الجانب الظالم فيها، ونبل وتضحيات الذين اضطـُروا إليها ؟

العرب ليسوا في حاجة إلى إعلان حرب أخرى غير الجارية. المطلوب من كل فريق أن يحدد موقفه ، ليس إلى جانب الحرب أو السلام، ولكن إلى أى فريق من المتحاربين فعلا. ومن لا يستطيع أن يفعل ذلك فليعلن حياده حتى لا نضعه فى الحسبان. إن إعلان الحياد بالنسبة لما يجرى قد يكون أشرف من ادعاء مساندة الطرف المظلوم دون أى إسهام حقيقى بالمبادرة بدعمه بالسلاح، والمال، والمشورة، والمتطوعين، فورا وعلانية دون قيد أو شرط.

من ذا الذى لا يكره الحرب؟

مثل أى عاقل، -أو حتى مثل أى مجنون- أنا أكره الحرب كرها بلا حدود، لا أريدها، أخاف منها، أرعب من ذكريات لم أخضها، مجرد خيالها، حتى فى فيلم سينمائى يلاحقنى بكوابيس لا أحتملها، لاأذكر تحديدا تفاصيل رواية “كل شىء هادئ فى الميدان الغربى”، لمؤلفها الألماني إريك-ماريا ريمارك، قرأتها منذ أكثر من خمسين عاما، لكن صورا منها تعاودنى بشكل متجسد، أقارن صور خيالى بما نشاهده على شاشات التلفزيون الآن يوميا فى فلسطين ، فأجد أن بشاعة الحرب العالمية الأولى التى تصفها الرواية تتوارى وراء صور المجازر البشرية الجارية الآن فى فلسطين. كانت رواية ديمارك تصور بشاعة ما يجرى فى ميدان المعارك، لكن الحرب التى فُرضت علينا الآن فى فلسطين ليست حربا بين جيش وجيش، وخنادق وبنادق ، إنها إغارات جبانة تهيّر الحوائط والأسقف فوق مهود الأطفال كما تهدم دورات المياه فوق عظام العجائز، إن صورة ذلك الفتى “بوب بومر” ذى التسع عشرة سنة ، هو ورفاقه، وما آلوا إليه فى رواية ماريا ريمارك، لا تقارن بأى مقياس بصور أشلاء الأبرياء المترامية، والأمهات فى حالات المخاض وهن يُمنعن من الوصول للمستشفى، أو بصور الجرحى وعربات الإسعاف التى لا تستطيع أن تصل إليهم أصلا. أو صورة الدبابة التى تلاحق عربة الإسعاف حتى تفعصها.

حتى صور حروب المقاومة والتحرير التى نفرح لها ونتحيّز لأبطالها، تظل صورا مزعجة لا تترك فى أنفسنا فرحة بالحرب أو تحيزا لها. إنها تحرك فينا الألم الشريف ، والتعاطف النبيل ، دون أن تلغى احتمال تقمصنا للضحايا من أى جانب.. لم ينجح هيمنجواى (لمن تدق الأجراس)، ولا جارثيا ماركيز (مائة عام من العزلة) ولا الغيطانى (الرفاعى) فى أن يحببوا إلىّ الجانب الشريف من الحرب. الأشلاء هى الأشلاء، ودماء البشر لها نفس الرائحة.

 إذا كانت رواية كل شىء هادئ فى الميدان الغربى قد اعتبرها النقاد من أكثر ما كرّه الناس فى الحرب، حتى نُزعت جنسية كاتبها الألمانى منه قبيل الحرب العالمية الثانية، فإن ما يجرى الآن فى فلسطين إنما يكره الناس فى الحرب والسلام والحياة، وفى أنفسهم، ما لم يفعلوا شيئا للحيلولة دون ذلك.

 الكراهية ليست مبررا لنفى الواقع

كل الناس بلا استثناء تكره الحرب. إلا أن الكراهية لا تبرر نفى ما هو ضرورة حتمية فى كثير من الأحيان. الوعى بحتمية بالحرب (غير الحرب) هو أمر إنسانى عام، هو موقف شعبى وعسكرى وارد فى اليقظة والنوم على السواء، هو معايشة احتمال وقوع ما نكره الآن، وفى أى وقت.

الوعى بالحرب لا يعنى، فيستلزم ، مجرد إعداد الجيوش وتدريبها أو تخزين الأسلحة أو تحديثها، الوعى بالحرب هو موقف سياسى، إنتاجى، إقتصادى إبداعى أساسا ، يعيشه كل الناس الذين يحرصون على كرامتهم وحريتهم .

حتى شارون يريد إبادتنا دون حرب

لا يوجد من يسعى إلى الحرب، أو يحبها ، أو يختارها إلا شركات السلاح، ومن يقف وراءها، وحتى هؤلاء ، قد يروّجون بضاعتهم أكثر بالتخويف من الحرب دون الحرب، بل إننى أتصور أن هذا المسخ الشائه المسمّى شارون لا يريد الحرب أيضا. إنه يريد أن يحصل على كل الأرض، ويستعبد كل الفلسطينين، فالعرب، ويطرد أغلبهم بعيدا عن أرضهم التي ولدوا على ترابها، فلا يبقى إلا من يحتاجهم للاستخدام الأذل فى الأعمال الأدنى ، شارون يريد أن يعقّم النساء الفلسطينيات، ويخصى رجالهم، أعلنَ ذلك أم لم يعلنه، ومع ذلك فإن كل هذا لا يعنى بالضرورة أنه يريد الحرب. إنه لو تمكّن من تحقيق كل ذلك بدون حرب، أى من خلال قرارت القمم العربية وهمسات وتوصيات وعتابات المؤتمرات الدولية، وإجهاض المبادرات من كل نوع، ثم تجويع الناس من بعيد، وشراء بعضهم، وطرد الباقى. ، لو تمكن شارون من ذلك، وهو ما يكلف شيمون بيريز به فعلا، فـلن يختار الحرب أصلا.

الطريق الوحيد إلى السلام الحقيقى ليس هو العودة إلى مائدة المفاوضات، ولا توصيات ميتشيل ولا زيارة تشيني ولا جهود زينى، وإنما هو وضع الحرب فى الاعتبار. ليس بورود كلمة “الحرب” في البيان الختامى، ولا بالتلويح بها دون إعداد .وإنما بتشكيل حياتنا -طول العمر- بما يحافظ على كرامتنا، ويبرر وجودنا، ثم نتجرع ما يفرض علينا، لنبدأ من جديد .

 يقول عمر الخيام : “..فإذا قاضى المنايا أوجَبَا، شربة غصّت ومرّت مطعما، فاحـسُ جـلـْدًا خمرة الموت الزؤام”. إن الخيام يشير إلى أننا مهما تجنبنا الموت، فإنه حتمٌ قادم، وبالتالى، فإن علينا أن نكون أهلا لاحتساء جرعته حين يحل أوانه،

على نفس القياس، وبقدر كراهيتنا للحرب، فإنه إذا ما فرض علينا القتال وهو كره لنا،. فإنه من العار على أى إنسان في العالم (وليس فقط فى العالم العربى، أو فى فلسطين) ألا يتمنى إبادة هذا المسخ الذى اضطرّنا إلى كل هذه البشاعة والعدم والإعدام. ليس تمنيا فقط، ولكن ليعمل على إبادته، أو قهره أو إذلاله بأى وسيلة، وكل وسيلة ، ومنها الحرب.

وما فى القلب فى القلب

إذا كانت الحسابات السياسية تقول إنه لا بد من تأجيل إعلان مثل ذلك، فإن هذه الحسابات لا ينبغى أن تكون هى ما يكمن فى ظاهر وعينا أو فى باطنه، خاصة فى وعى المجتمعين على القمة. يزداد الوعى بضرورة الحرب بقدر ما يزداد الحرص على الوصول إلى سلام حقيقى شريف .

كيف يمكن أن أوصّل سلامة منطق هذا التناقض الظاهرى لهؤلاء المجتمعين على القمة ؟ إن أهل القمة هؤلا هم من الأفاضل الذين عندهم كل شىء واضح، و بالإجماع، يتم الإجتماع ويتقرر الإجماع تلو الإجماع نتيجة حسن الإعداد بواسطة وزراء الخارجية الذين يمهدون باستمرار لإعلان : اتفاق كل وجهات النظر فى كل شىء يخص أى شىء: فيما يختص بالقومية العربية، أو دعم الانتفاضة، أو بالسوق العربية – النظرية- المشتركة، ، أو بما ثبت فى الدين بالضرورة (حسب تفسيرٍ خصوصى) ، وخلاص. ثم نتقابل فى القمة القادمة بالسلامة، (لماذا كل سنة ؟ كانت مستورة) .

كيف لهؤلاء أن يحتملوا أى تناقض من أى نوع لأى هدف؟ كيف يمكن أن يصل لهؤلاء السادة المجتمعين فوق القمة أنه لا مفرمن الحرب، وفى نفس الوقت أنه لا معنى لها إلا اضطرارا؟

كيف نمنع الحرب؟

إن الذى يمنع الحرب فعلا، هو أن نعيش احتمالها قائما باستمرار، باستمرار، باستمرار ، مهما وقّعنا من معاهدات، وأخذنا من ضمانات، واستجدينا من معونات. أنا لم أرفض من كل شطحات، وإبداع، ومبادرات، وتجاوزات رئيسنا الراحل أنور السادات أكثر من رفضى لتصريحيه عن حكاية(1) التفسير النفسى للصراع العربى الإسرائيلى، و(2) أن حرب أكتوبر هى آخر الحروب، إلا أنه نظرا لشعورى بجميله علىّ وعلى أرضى وعلى حرّيتى على حساب سمعته وصورته، رحت ألتمس له العذر، وأعتبره مجرد فلاح مصرى يمارس ذكاءه الخاص ومناوراته الفطرية ليستعيد لأهله فدادينهم المغتصبة، فيروونها بطريقتهم، وهم وشطارتهم. كنت وما زلت على يقين من أن المعاهدات (حتى معاهدات التسليم من اليابان أو ألمانيا في الحرب العالمية الثانية) ليست أبدية. إن الذى يريد أن يبنى نفسه ليستعد للحرب الحقيقية لن تمنعه معاهدة، أو خسارة معركة، إذا كان ينوى أن يعد نفسه ليكسب الحرب الممتدة طول الدهر. إنه -بالتالى- لا يوجد شىء اسمه آخر الحروب. الحروب ليس لها آخر حتى لو لم تقع.

سيناريو لـتنشيط وعى القمة

حين ضاقت بى سبل الكتابة حتى تيقنت من استحالة تحريك وعى أهل القمة بإقناعهم بمعايشة التناقض الحتمى اللازم لتحمل مسئولية وجودنا، أطلقت لخيالى العنان فكتب هذا السيناريو – شطحا- لعله يعين المجتمعين على الوصول إلى تطابق كل وجهات النظر، بشكل مختلف. السيناريو كالتالى:

الاجتماع الكبير جدا يتم فى بيروت، فى مقر جديد، مجهزة كل حوائطه (حتى دورات المياه!) بعدد هائل من الشاشات التى يعرض عليها ما يجرى على أرض فلسطين الآن (“صورة دون صوت) فتطل الصورالمتحركة على المتناقشين حيثما كانوا، وكيفما فعلوا، وهم يتناقشون أو يقضون حاجتهم: صور للأشلاء والدماء والدمار تتوالى بلا انقطاع. ولا مانع من عرض عدد من الجنازات المتنوعة، وبقايا الأجساد المعوّقة ..إلخ.

المفارش التى على الموائد، يقع عليها كل نصف ساعة قدر يسير من دماء حقيقية، وكأنها سُكبت خطأ أثناء تقديم المشروبات “اللينة” الباردة ، (لا توجد مشكلة فى الحصول على أى قدر طازج من دماء الشهداء الأبرار من الشبان والشابات والأطفال والكهول ..لزوم المنظر …إلخ).

 هذه ليست نكتة، إننى تصوّرت أن مثل هذا الخيال -على شذوذه- ، قد ينجح فى ألا َيْنسَى المجتمعون أن ثمة حرب دائرة فعلا، فلا يخجلون من الوعى بها.

 رأيت فيما يرى النائم أن تحريك الوعى فى هذا الاتجاه بهذه المباشرة سوف يترتب عليه موقف آخر، وحفز آخر، وترتيب آخر، وحضور آخر. حتى لو خرج المجتمعون بنفس القرارات القديمة هى هى بنفس ألفاظها. إننى أتصور أنها (نفس القرارات) -مع هذا الوعى الخاص و الحاد – سوف تعنى أمورا أخرى، وسوف يترتب عليها نتائج أخرى . أفيق من حلمى فى آخر لحظة حين أتذكر قدرة المجتمعين على الخطابة، وعلى الطنبلة (الطناش) الواعى، وعلى إنكار كل شىء، تحت عنوان أى شىء، أو بدون عنوان.

 رواية “الفصل الأخير”

الحرب – ياسادة يا كرام – هى الفصل الأخيرالضرورى فى رواية السياسة والاقتصاد والانتاج والإبداع والاستقلال والتربية والتقنية. هى رواية غريبة مرنة الفصول مفتوحة النهاية. يتحدد فيها ظهور وتفاصيل أى فصل لاحق حسب ما يجىء فى الفصول التى تسبقه. إن من طبيعة هذه الرواية أننا إذا نجحنا فى إتقان فصولها قبل الأخير ( فصل الحرب الفعلية) فإننا قد نستغنى عن كتابة هذا الفصل أصلا.

 اسم الرواية أيضا قابل للتغيير، وكذلك أسماء كل الفصول. مثلا :بدلا من اسم الرواية القديم” إلقاء العدو فى البحر”. أصبح اسمها “الحرب اضطرارا” اسم الفصل الأخير بصفة مبدئية هو “ذكر ما كان، بعد العجز عن تجنّب حتم ٍكريه !!”.(ملحوظة:مع تذكر أنه لا توجد رواية تبدأ بفصلها الأخير).

فهرس الرواية (المحتوى)

المقدمة : استهلال صريح، موجز يحمل تنويها عن فكرة كتابة الرواية ومبرراتها، ومن ذلك أن الفصل الأخير قد كتب فى آخر لحظة اضطرارا، أو كيف أنه قد ألغِىَ نظرا لوفاء الفصول قبله بما كان سوف يفيده.

مقدمة الرواية تقع فى بضع صفحات لا تزيد عن عشرة، فيها إشارة إلى تاريخ الحروب عامة، ومآسيها، وأهوالها وضحاياها، دون عودة إلى الفخر بانتصارات عربية سابقة فى عهود سحيقة. تنتهي المقدمة بأن نقسم بالله العظيم ثلاثا، وبالمصحف الشريف وكل الكتب المقدسة، ومواثيق حقوق الإنسان :أننا نكره الحروب كره العمى، وأننا لا نحذقها مؤخرا، وأننا نأمل أن تنفع الفصول قبل الأخير، فى تجنبها.

الفصل الأول : بعنوان “السياسة : حرب الموائد المستديرة” وفيه يعلن أن العرب ، مع كل الاحترام والشكر، قد استغنوا عن أى رأى أو مبادرة، أو مشورة، وعن أى ميتشيل، وأى بينيت وأى زينى، وعن مجلس الأمن، وليس عن الأمم المتحدة، وذلك لأنهم نجحوا أن يعرفوا ماذا يريدون وكيف يحصلون عليه. (ملحوظة: لم تأتِ سيرة إسرائيل في هذا الفصل أصلا وهذا من باب الحبكة الـفنية)

الفصل الثانى: بعنوان “الاقتصاد وقود الحرب وعمود الاستقلال” : وفيه يظهر كيف أن المجتمعين قد التزموا بسياسة السوق (ولا مؤاخذة) ، ولكنه سوقهم هم،(السوق العربية المشتركة) وباتفاقية الجات ( التى ليست فى ذيلها سبع لفّات، لأنها عربية خالصة)، و أنهم سحبوا أرصدتهم من عند الأغيار ليستثمروها على أرضهم، وأنهم تمرّسوا على التبادل التجارى حتى أغناهم عن أى تبادل آخر، وأنهم نجحوا فى تصنينع كل ما كانت تصنعه الصين، وهم يصدّرون الآن إليها تماثيل كونفوشيوس وماوتسى تونج .

 الفصل الثالث: بعنوان “الإبداع يمتد إلى كل المجالات”

وفيه يتبين كيف أن الإبداع -كجزء أساسى من الحرب يتفجّر من واقع الوعى بها – قد أعيد تعريفه بحيث يشمل الإبداع السياسى (مثل: إبداع النحاس باشا وهو يلغى معاهدة 1936 دون أن يتخطى القانون الدولى، ومثل صدمة رحلة السادات إلى القدس، ومثل طرد الخبراء السوفييت،) مع بيان بعض الإبداعات المجْهَضَةْ والمبتسرة حتى لا تتكرر، مثل إجهاض ثورة يوليو، وقرطسة بيان 30 مارس، وسبهللة انحرافات الانفتاح الساداتى، كما يتطرق هذا الفصل إلى شواهد عن الإبداع الحربى، مثل حرب الاستنزاف، وحرب حزب الله ، ثم مؤخرا الإبداع الذى تجلى غير مسبوق فى انتفاضة الحجارة ثم فى قناص العسكر ببندقة سنة 1940 وصيد الدبابات الأحدث، وليس آخرا: كرامة ونبل استشهاد الأجساد الملغّمة.

يطول هذا الفصل بالذات لأن كل إبداع حقيقى هو إعداد جاد للفصل الأخير (فصل: الحرب اضطرارا). كذلك يأتى فى هذا الفصل ذكر الإبداع الدينى، وأنه لم يثبت في الدين بالضرورة – مثلا – إلا كل خير البشر بعرض الأرض وطول الدهر، ثم إشارة إلى الإبداع فى طرق التربية والتعليم والمنهج العلمى..إلخ. . كل هذا هو استعداد للحرب. صدقونى !!

الفصل قبل الأخير

إذا كتبت الفصول الأولى بدقة وإتقان، فقد يكون عنوان الفصل قبل الأخير “انتصار حربى ممتد ، فى حرب لم تعلن أبدا” (وهو السلام الحقيقى). ويلغى الفصل الأخير.

فشل الرواية الأصلية وإبدالها

أما إذا امتلأت الفصول الأولى بكلام زائف منقول عن العولمة المأمركَةْ، واستراتيجية السلام الأبدية والعودة لمائدة المفاوضات، والمصحف الشريف أننا لن نحارب. خوفا على زعل مستر زينى، والست “رايس” إذا حدث ذلك فسوف يكون عنوان الفصل قبل الأخير هو “شهادة بحسن السير والسلوك، للرؤساء والملوك ! !، وتعلن قرارات القمّة .

الرواية الأخري الجارى كتابتها

 يقوم الناس العرب (مؤيدون بكل الناس أصحاب المصلحة والكرامة) بإلقاء تلك الرواية عن “حسن السير والسلوك” حيث تستحق، ويواصلون هم كتابة الرواية الحقيقية وهم يحاربون فعلا : أشرف حرب، وأطول حرب وألزم حرب.

ويظل على الجانب الآخر “كل شىء هادئ فى الاجتماع الشرقى”، ما دامت وجهات نظر القمة متطابقة، وبياناتهم فصيحة.

آااااااه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *