الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الوفد / رسالة عاجلة من وفاء إدريس

رسالة عاجلة من وفاء إدريس

الوفد: 6/2/2002

رسالة عاجلة من وفاء إدريس

آن لنا أن نتفاءل تفاؤلا ليس له علاقة بالتفاؤل الحذر “بتاع” المفاوضات إياها. تفاؤل تعلمنا إياه الجميلة الكريمة وفاء إدريس وهى تودعنا لتحل فى وعى كل منا. رسالتها تقول: “إن النصر لنا “نحن البشر” (وليس فقط العرب أو المسلمين)، ثم تؤكد وهى تغوص فى أعماقنا أكثر: ” سوف ينتصر الناس الحقيقيون فى كل مكان وعلى كل لون، سوف ينتصرون على القوة، والغطرسة، والاغتراب، والظلم، والكذب”.

 هذا ما قاله وجه وفاء وهى تبتسم لى فى الصفحة الأولى من كل الصحف يوم 31 يناير 2002. حاضر يا وفاء. لستِ المرحومة التى ذهبتْ، ولا يكفى أن ننعتك بالشهيدة، إن الله إذ يتغمّدك برحمته بعد أن أكرمك بالشهادة، لا يقوم عنا نحن بديننا لك. إن كلا من الرحمة والشهادة هما مكافأة الله لكِ، أما نحن – البشر – فعلينا أن نكون عند حسن ظنك، أن نرد بعض جميلك، أن نحافظ عليك فى وعينا بعد أن انغرستِ فيه تنقذينا من عارنا.

قبل وبعد سبتمبر

إن ما حدث فى سبتمر لم يكن نهاية العالم، ولا كان أكبر كارثة مرّت بالبشرية. التاريخ ملئ بمصائب أكبر، والمستقبل يمكن أن يختبرنا بما هو أشق وأظلم، لكن ما اتفق عليه الجميع، هو أن هذا التاريخ (11 سبتمبر) هو علامة فاصلة بين ما قبله وما بعده.

تصوّر أهل القوة والغطرسة والسلاح أن هذا الفرق لصالحهم على طول الخط، أنها فرصة لمزيد من الظلم، ومزيد من الوصاية، ومزيد من العولمة المأمركة المغتربة. تصوروا أنها فرصة للتخلص من ورطة الديقراطية بعد أن كانت المفخرة الرئيسية التى أذلّونا – بحق- بتمتعهم بها دوننا، رغم ما كنا نعلم ويعلمون مما أصابها من تشويه، وتحوير وتزييف وانحراف بفضل إعلام كاذب وتمويل ملوث.

فى نفس الوقت، وبنفس الغباء، تصوّر المتشنجون المتعصبون المظلومون الظلاميون اليائسون البائسون، (الذين أطلقوا عليهم لفظ الإرهابيين) تصور هؤلاء البلهاء أنها فرصتهم هم أيضا لعلهم يستطيعون من خلالها أن يجندوا عددا أكبر من الضحايا ليشتركوا فى مزيد من التدمير والتخويف والهدم، عليهم وعلى العالم كله،

كان هذا هو رد الفعل المبدئى على الجانبين، والناس الحقيقيون بعيدون عن هذا وذاك.

القيم الجديدة والأمل البازغ

أنكـَرنْا – نحن الناس – وخفنا، وتوجّسنا، وكتبنا، ولكننا لم نتراجع. لم يتركوا لنا سبيلا للتراجع. نتراجع لحساب من ؟ إلى أين ؟ تعرّت المعركة بسرعة مفيقة، قسّموا العالم إلى “الغرب والباقى The WEST and the RESTس. ليس الأمر كذلك، انتبهنا نحن إلى المواجهة الحقيقية بين القوة والمال على ناحية، والناس والإبداع على الناحية الأخرى. ظهر جليا تماما أن التراجع مستحيل – وهم يمسكون بعجلة القيادة معصوبوا العيون، التراجع هكذا هو انتحار للجنس الإنسانى برمته.. نتراجع لحساب من ؟ إلى أين ؟ إلى متى ؟ لنكون ماذا؟

إن ناسهم – دون حكوماتهم وشركاتهم – هم ناس أيضا، هم معنا، هم نحن، مهما ضلّوا، أو أُضِلّوا، حتى ناس شارون هم ناس أيضا.

فى برنامج “من القاهرة” سألنى الفاضل الأستاذ حسن حامد عن تفسيرى (التحليل النفسى !!!) لامتناع الاحتياطى فى إسرائيل مؤخرا عن الانصياع للأوامر التى تـُفرض عليهم للمشاركة فى القمع والقتل الجارى فى الضفة والقطاع. فى اليوم التالى جاءتنا أنباء تقول إن شعبية هذا الروبوت المفترس (شارون) تتراجع إلى ما يربو عن خمسين بالمائة بقليل. أجبتُ الأستاذ حسن حمّاد أن الأمر لا يحتاج إلى تحليل نفسى، أو حتى تفسير منطقى. المسألة ببساطة أن الإسرائيليين هم ناس أولا وأخيرا. هل استطاع نظام فى الدنيا، مهما بلغ عماه أو قسوته أن يمحو ما هو “إنسان” فى داخل الناس؟ هل استطاع هتلر بكل جبروته وجنونه وآلة حربه أن يمحو الناس من داخل الناس؟

نحن الناس- نملك أقوى ثلاث ضمانات للنصر. الزمن، والإبداع، تحت مظلة الحق تبارك وتعالى، كل المسألة هو أنه إذا طال الزمن، وتلكأ الإبداع، ونسينا الحق تعالى إذْ يجمع كل الناس معاً إليه فى اتجاهه، فإن الضحايا ستكون أكثر، والآلام ستكون أشد، لكن: لا هذا ولا ذاك يشككك فى النصر، وإن كان يـُبعد المسافة ويزيد عدد الضحايا، نحن أكثر من ستة مليارات، وما نسعى إليه يستأهل تحمل كل الآلام والتضحيات. لا يوجد أى احتمال آخر غير النصر. نصر الناس على القوة، ونصر الإبداع على القهر، ونصر الحق الضامّ على النشاز والتفسّخ والنيازك الساقطة مهما بلغت قوة تدمير شظاياها.

إن القيم الجديدة التى تتخلّق الآن، أو لعلها قديمة يعاد إيحاؤها، هى قيم رائعة وراسخة وحقيقية. إنها تحل محل القيم التى استُهلكت وسقطت فى امتحانات العدل والإبداع، إذا كانوا هم يتخلون عن ديمقراطيتهم بعد أن عجزت أن تقيم العدل، إذا كانوا هم قد تعروا حتى تبينا أن ديمقراطيتهم ليست مرادفة للحرية ولا درعا للعدل، فإن الأحداث والزمن الإصرار التى أفرزت الانتفاضة – كمثال – تعلن ولادة قيم أروع، تعد بعمر أطول، وتعمير أكثر إبداعا وثراء وحرية.

الهوة بين “العربى” و”لغته”

 حين قامت الانتفاضة الثانية الحالية المستمرة، عدت مضطرا أتحسس طريقى إلى جذورى، إلى إنسانٍ عربى آخر،إنسان عربى عجزتُ أن أتعرّف عليه رغم كل النعرات، والخطب، والحروب الزائفة الانسحابية، والكذب الرسمى والشعبى جميعا. إنسان عربى يمكن أن أشرُفَ بالانتماء إليه، أن أتحسس إنسانيتى من خلاله، ليس بوصفه جنسا أرقى، ولا استجابة لنعرة قومية على حساب الإبداع والإسهام الإنسانى الأشمل، ولا تمايلا مع خطبة عالية الصوت خالية الفحوى، قصيرة العمر. ثم عادت وفاء إدريس تدعونى بما قامت به إلى أن أعاود انتهاز الفرصة لعلى أتآلف مع نفسى إذ أعبر الهوة ما بين حبى للغتى العربية وفخرى بها، وخجلى من “الإنسان العربى؛ واستخذائى منه. كنت أتمزق ما بين حبى لهذا اللسان القديم الجديد، القادر المرن، العجيب الجميل. وبين ذلك الإنسان الذى يتكلمه وكأنه ليس من أهله. كنت كلما هزتنى حضور لغتى فى خلاياى، حتى لو لم أكتبها أو أنطقها، أتساءل : كيف تنتج أمة من الأمم هذا اللسان، ثم يصير حالها إلى ما صارت إليه هكذا ؟

اللغة تتخلق من وعى الناس، وبقدر ثرائها وجمالها، وحركيتها، وقدرتها المبدعة، تدل على أن الذىن ابتدعوها كانوا كذلك. كنت كلما تدهور بنا الحال وأعـُلن ذلك من خلال هزيمة فى حرب، أو تشويه فى بحث علمى، أو اندفاع إلى ظلام خرافى، أو غوص فى بركة كسلٍ آسِن، كنت أتساءل: هل هؤلاء الناس-نحن-أصحاب هذا اللسان فعلا؟

منذ كتب المرحوم عبدالله القصيبى كتابه المؤلم “العرب ظاهرة صوتية” إلى أن كتب نزار قبانى قصيدة رثائنا أمواتا نرفض أن نعترف بحقيقة جثثنا التى تتحرك بالقصور الذاتى، (“متى يعلنون وفاة العرب”)، ونحن نواجه هذا التحدى المثير الذى يقول : هل نحن هم؟ هل نحن أصحاب هذه اللغة التى تدل فى ذاتها على قوتنا وقدرتنا (دون حاجة لأى استشهاد بإنجازات حضارية تاريخية، أو الوقوف على آثار ماثلة).

لقد انفصل العرب عن تاريخهم حين انفصلوا عن لغتهم وكان نتاج هذا نقيضين غريبين. الأول : أن الغالبية الغالبة تراجعت عن انتمائها للغتها أصلا، فشاهت، اللغة، وتلوثت، وتشتت، وتراجعت وتجمّدت، وهانت، لتعلن بذلك أننا تشوهنا، وتلوثنا، وتشتتنا، وتراجعنا، وتجمّدنا، وهُـنّا على أنفسنا قبل أن نهون على غيرنا. الثانى : هو أن قلة منا راحت تتمسك بأصوات الكلام دون اللغة وفحواها وحفزها ومسئوليتها، فحلّت الخطب، والقرارات، والبيانات، والشعر، والوعود، والبيانات محل المسئولية والفعل والحركة والتوجه والإبداع، فالهوية.

فضل الانتفاضة

ثم تقوم الانتفاضة فالانتفاضة، ويولد شعب حقيقى، أو هو يُبعث وكنا نظننا أمواتا، شعب لم نكن نتصور أنه بيننا، شعب ليس نحن، لكنه نحن لأنه منا، فهل نكون إليه؟

هؤلاء الأطفال، هؤلاء الشباب، “وفاء” هذه هى ابنتنا فعلا، نحن أهلها، نحن أهلٌ لها، أى فخر أن ننتمى إلى ما تمثله هذه الجميلة الوديعة، أى فرحة أن يكون هذا الجيل (من العاشرة حتى الثلاثين مثلا) هو الجيل الذى يعلّمنا من نحن، هو الجيل الذى يرد إلينا اعتبارنا، هو الجيل الذى يصر أن يموت لنحيا، فيحيا هو بدوره فينا، إنها العمليات الإحيائية، وليست الانتحارية،

لا يمكن أن ننسى ما آل إليه حالنا قبل الانتفاضة، لأنه هو هو ما يظهر ويتكرر فى لقاءات الرسميين حتى الآن بعد الانتفاضة، ومع الانتفاضة، وضدالانتفاضة. كان منظرنا قبل الانتفاضة أننا استسلمنا لما آل حالنا إليه، ثم جاء فضل السيد شارون الأول بزيارته القدس أيام سلفه باراك، هذا فضل لا يمكن قياسه بفضل أى من ساسة العرب المستسلمين والمؤتمرين والمتوسلين والمعتدلين، حتى العرب الأشاوس والأبطال الوهميين. ثم يشاء السميع العليم أن يلى هذا الوغد نفسه مقاليد العصابة الرسمية ليصبح رئيسا لعصابة المافيا الدولية الديمقراطية البوشََوَية الفيتوِية (من فيتو) الـُمـَعْولـَمة المختومة بختم “الدفاع عن القتل ضد الأحرار”. (المتخفى تحت اسم “الدفاع عن النفس ضد الإرهاب”).

 إن فضل شارون يا وفاء يمتد بفضل ردّك عليه ليشمل العالم أجمع، وليس فقط العالم العربى، إن القيم التى تتولد بما فعلتِه أنت والسابقون من زملائك وزميلاتك تصاغ بفضل تعريتك له، وتعرية الأبله الذى يدعمه فى البيت الأبيض. إننى ألاحظ أن قيم الحياة الجديدة، والموت الجميل تتسحب إلى وعى الأوربيين الشرفاء على الرغم من إغارة وملاحقة الإعلام الملوث، وسوف تصل نفس قيمك يا وفاء إلى الأمريكيين المضلَّلين، ثم إلى الإسرائيليين المساكين الذين فقدوا أنفسهم ولم يكسبوا شيئا، ماذا يفيد الإسرائيلى لو فقد شرفه إنسانيته وملك الأرض؟

قيم وقيم

دعونا نتملّى من جديد وجه وفاء، ليست منقبة، لا تتبع بن لادن، ليست متبرجة، لا تقدّس مايكل جاكسون، تبتسم فى جدّية، ليست عابسة، تخترقك نظراتها بهدوء، تغوص إلى داخلك باصرارٍ لا يلومك على خيانتك لها، الألم لا يخفى من بريق عينيها، يخترقك ليفيقك، لا يصفعك. ترتدى رداء الجامعة وعلى رأسها هذه الهالة الدالة على انتمائها للعصر.

أشعر أننى عرفتها من قبل، أننى قبّلت جبينها فى حفل تخرجها، أنها مالت برأسها على كتفى داعية لى بجلاء البصيرة، أنها سامحتنى وغفرت لى ما كتبتُ من مقالات وما أصدرتُ من كتب، وما قرضتُ من شعر، كل هذا باطل إن لم نتغيّر يا وفاء. أفتقدك يا وفاء. أنا لا أعرف كيف أشكرك، تعلّميننا الحياة بذهابك ياابنتى، يا حبيبتى، يا حفيدتى، يا امرأتى، يا وفاء. تعلّميننا الحياة وقد كنا نحسب أننا أحياء، قبلك بسنوات كثيرة عملتْها “سناء المحيدلى”. كيف نسيتَها أيها الصديق النبيل. يا أحمد يا بهجت وأنت تعنوِنُ ركنك صندوق الدنيا فى الأهرام “أول شهيدة”.(أهرام 3 فبراير) ليست أول ولا آخر شهيدة يا أحمد،

 يوم سبقتكِ سناء المحيدلى يا وفاء كنت أكتب تقريرا لإحدى تلميذاتى لتترقى به من مدرس إلى أستاذ مساعد فى قسم الطب النفسى. قصر العينى.. كانت كل أبحاثها لا غبار عليها، ولا فائدة منها، ولا لزوم لها، ولا معنى فيها. كل ذلك معا. شعرت يومها أننا بهذا الذى نتعابث به، ونضيع وقتنا فيه، ونزين ظاهر معرفتنا به، هو زائف مغترب، هو السبب فيما آل حالنا إليه. نحن نضيع أولا،ثم تضيع الأرض، ثم تضيع الكرامة،. كتبت آنذاك وأنا أتقطّع خجلا ما أسميته “مقالا فى قصة” بعنوان “تقرير”، ونشر فى الأهرام منذ سنوات، هؤلاء القتلة هم كذلك من قديم. كانوا يعلّقون السجناء من حزب الله فى أقفاص تتدلى من طائرات الهليوكوبتر ويطوفون بهم على رؤوس الأبطال حتى يردعوهم بذلك. لم يرتدع أحد، بل زادت المقاومة، عملتْها سناء المحيدلى قبلك، ثم راح يكررها كل الأبناء والبنات الذين أفاقونا أخيرا.

أرواحٌ جميلة، تتخلى عن أجسادها طوعا لتظل تحوم حولنا حتى تتسحب لوعينا فنـُبـْعـَث من جديد.

نهاية، ونهاية، ونهاية

ما بين سناء المحيدلى يا وفاء وبينك حوالى  عشر سنوات (على ما أذكر). امتلأتْ بالكذب والتصريحات والمفاوضات كما امتلأت بالعمليات الإحيائية والتضحيات والصلوات،

أنهيت قصتى ” التقرير” وأنا أصف نفسى وأنا أوقع على :تقرير” الترقى قائلا : ” ألمح أحد السجناء الفلسطىنىىن فى الأقفاص وكأنه ىلوح لى بىده، مودِّعا أو متوعدا، ىتحدانى أن أُوَقـّع (التقرير الخائب)، كل شىء ىتحدى، يتحدانى شخصياً هذا الذى ىجرى ىتحدى وعى البشرىة وىبصق فى وجه تارىخ الإنسان جمىعاً.”

فى مناسبة تالية فى الأغلب، كان شارون وأمثاله أيضا قد أغاروا وقتلوا وسحلوا من تصوّروا أن حياتهم لا تستمر إلا بشرب دماء أبنائنا وبناتنا وأطفالنا، هذا ما أوصاهم به شيطانهم الأسطورى وهم يحسبونه إلها. فى مقال آخر فى قصة نشرت أيضا فى الأهرام بعنوان “الحزام والذراع” تخيلت أننى استسلمت لدعوى التطبيع لأذهب لثالث مرة لمؤتمر علمى عندهم، لأفجر قلم الحبر الجاف الحاوى على ما تيسر مما يستحقون، أفعلها وأنا أوقع به على أوراق المؤتمر فى حضور رؤسائهم وأنهيت هذه القصة الثانية أيضا والعار يحيط بى حين أكتشفت أن الخيال والكتابة والشعر هم خيانة إذا توقفنا عندهم. أنهيتها قائلا “… فى منقوع العار والمرارة، رغم زئبقية القوام، وأنا لا أعرف السباحة، والبركة آسنة بلا قاع، أغوص ولزوجة الغثينان تغلف وعىى. لم تكتب سناءالمحيدلى قصة، لم تقرض شعرا،ولا قامت ببحث علمى لمؤتمر يستمنى: لا أجد عذرا أنتحله، عـِنـّينا يتوارى خجلا من استمراره حيا”

كل هذا يا وفاء يا إدريس، كان يحيط بنا، كان هذا هو كل ما نملكه أيامها رغم بطولتكم وكرمكم، لكن حين طال نفس المقاومة هكذا، حين رخصت الأجساد فى سبيل الكرامة لمدة سنوات، حين استمرت مقاومة حزب الله كل هذا الزمن حتى انتصر فعلا، ثم أهدانا نحن الكتبة والشعراء الخائبين انتصاره دون مقابل أو مَنّ، حين تستمر الانتفاضة لأكثر من عام، و تزاداد اشتعالا كلما ازداد عددكم بطولة وجمالا، وكلما زادت تصريحات زعمائنا خواء وكذبا، وكلما زاد ظلم الأكابر عبر المحيط بجاحة وغطرسة، حين يحدث كل ذلك أرفض نهاية القصتين “التقرير” و “الذراع والحزام”. أنتِ صاحبة الفضل يا وفاء، لم يعد التحدى يبصق فى وجهى، لم أعد عـِنـّينا. وضعتِ بجمال وداعك أجمل نهاية/بداية لقصة لم تكتب، ولن نكتب. قلتِ لى ولمثلى من النعابين بالشعر والكلام والكتابة: “إن النصر للإنسان فى كل مكان، شريطة ألا نتوقف ثانية واحدة، وألا نعد الضحايا، بل نعد الباقين الجاهزين للتضحية، وهم كثير.

قـِيـَمٌ وقِيـَمْ

نعم، ليس ما قبل 11 سبتمبر مثل ما بعده، قيمٌ تولد وقيم تموت. هذا الأبله المسمى بوش، لا يكف عن القول فالاعتذار، فالقول فالاعتذار، هذا الجبان الذى ليس عنده فكرة حتى عن اللغة الإنجليزية لا يتعلّم مثله مثل حلفائه الإسرائيليون من الخبرة السابقة، ولا من الأخطاء السابقة. يحاول قتل كل ما كنا نتصوره خيرا فيهم. بقدر ما راحوا يسحقون القيم التى كانوا يزعمون أنها تميّزهم مثل الديقراطية والحقوق المدنية البسيطة للتقاضى، فإن وفاء إدريس تحيى لنا قيما أخرى أجمل وأبقى، قيما تعلّمنا أن الحق لا يموت، وأن الحياة لا تقتصر على الأفراد، ولكنها حياة الجماعة طول الوقت. وأن الفرد الذى يذهب إنما يحيى ويجمع أرواح الناس الفرقاء من كل حدب وصوب، وهو يجمع شمل الناس المتباعدين من كل دين وملّة،الناس الحقيقيين.

ليس كما يشتهون

نعم، ما قبل 11 سبتمبر ليس مثل الذى بعده، لكن ليس بالصورة التى رسموها ليخدعوا أنفسهم بها، ليفنوا البشرية بها، ليبرروا الظلم بها.

إن ما بعد 11 سبتمبر يجرى فى اتجاه مختلف، رغم تأخر إعلان التفاصيل. ظهرت إرهاصاته فقط من خلال الرسالة التى أبلغتنا إياها وفاء إدريس، وقبلها سناء المحيدلى، وبينهما وحولهما كل أبطال العمليات الإحيائية (لا الانتحارية).

ما أروعك يا وفاء وأنت تقلبين كل خططهم بكل هذا الجمال !!!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *