الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الدستور المصرية / هل أنت سياسى؟ يعنى ماذا؟

هل أنت سياسى؟ يعنى ماذا؟

الدستور

18-11-2009

تعتعة الدستور

هل أنت سياسى؟ يعنى ماذا؟

دع جانبا الحكام الآن، كان الله فى عونهم فقد أشبعناهم نقدا ومعايرة بأنهم لا يعرفون ماهية السياسة أصلا، حقيقة أن هناك مؤتمرات وصحف وخطب واجتماعات، لكن يبدو أنها ليست لها علاقة بما هو سياسة.

خطر ببالى أن أتقمص بعضهم، فعذرتهم، حين تصورت أن لسان حالهم يقول: ما دام الناس تخلوا عن السياسة، سواء باختيارهم أو بفعل فاعل، فالنتيجة أننا شعب ليس سياسيا، وبالتالى فنحن لا نحتاج لساسة يسيرون أمورنا، وإنما نحتاج إلى مدراء، ورؤساء مصالح، ومختصون، وضباط، ولا مانع من بعض المؤتمرات والخطب والوعود على ناحية، وكثير من الصحف والصياح والاحتجاجات الطيبة وغير الطيبة على الناحية الأخرى.

هل الأمر كذلك فعلا؟

أنت سياسى فاعل محترم، لو كان عندك فرصة أن تشعر وانت على وشك النوم، أنك قادر فى الصباح التالى، أن تشارك غيرك فى تغيير ما رأيت أنه يحتاج إلى تغيير، مما يضرك أنت وغيرك، إلى ما يفيدك أنت وغيرك، ليس معنى ذلك أنك مصيب وهم مخطئون، مجرد أن تشعر أنك قادر على ذلك،  حتى لو عجزت عن تحقيقه قرون عددا، حتى لو كنت مخطئا، إلا أن شعورك  بالمقدرة على ذلك، مع توافر إمكانية ذلك، يصنفك سياسيا ملء الدنيا بأسرها.

حتى الآن، لا توجد وسيلة لتنفيذ هذا الذى خطر على بالك سوى ما يسمى الديمقراطية، وأبسط صورها هو أن يكون لك صوت انتخابى (بالهوية لا داعى للبطاقة، فأنت سياسى بمجرد أنك مواطن)، من حقك أن تضعه فى صندوق، وراء ستارة، وأنت لست خائفا ولا شاكّا، وأنت تعتقد أن صوتك هذا سوف يحقق ما خطر ببالك قبيل النوم، لأنك اخترت الشخص الأقدر على تحقيقه، تفعل ذلك وأنت تشعر – ولو من باب البله – أن هذه الورقة التى وضعت فى هذا الصندوق لها قيمة، إذا انضمت إلى أوراق أخرى مثلها، علّمت على نفس العلامة التى علّمت أنت عليها، حققت ما خطر ببالك قبيل النوم.

هذه اللمسة الأخيرة (الورقة والصندوق والأمان)، تحتاج إلى إعداد سياسى جيد، تحتاج لما يسمح لك أن تلم بقدر من المعلومات يلزمك لاختيار من يسيّر أمورك، وتحتاج إلى فرص لتبادل اختبار هذه المعلومات مع آخرين يختلفون معك، وربما تغير رأيك قبل خطوة “الصندوق”، تحتاج إلى مساحة من الحركة والحرية تسمح بتبادل هذه المعلومات وتلك الآراء، تحتاج إلى وعى مسئول حتى لا تكون المسألة انفعالية لأنك تحب هذا وتكره ذاك، وإنما هى عملية نفعية لصالحك شخصيا، وصالح ناسك (لا ينفع أن تكون لصالحك وصالح قريتك وصالح قبيلتك دون سائر ناسك، هذه ليست سياسة)، وبذلك تطمئن أنك محترم، تعيش فى بلد محترم، وهذا معناه أن هذه العمليات السالفة الذكر(حتى وصول ورقتك إلى الصندوق) قد جرت فى جو من العدل وبعدد من الفرص سمح لك أن تسمع وأن تقول، أن تختبر وأن تراجع، وبما أن كل ذلك غير متاح أصلا فى هذا البلد الأمين، فكيف نتحدث عن بدائل، أو تداول للسلطة، أو عن ضعف المعارضة، أو عن سياسة أصلا؟

فى البلاد التى تمارس السياسة عن طريق ما يسمى الديمقراطية، إذا جالَـستَ مواطنا له حق الانتخاب، كما أفعل فى أحيان ليست قليلة مع أبناء وبنات لى، سافروا أو هاجروا، وتجنسوا، واستقروا، وتعايشوا، وتحاوروا، وشاركوا، حتى أصبح لهم ما يسمى صوت انتخابى، فى مثل هذه البلاد أحضر أحيانا مناقشات بين أب وبناته حول مائدة عشاء مثلا، وهم يتناقشون من ينتخبون فى البرلمان الأوربى، وليس فقط فى فرنسا (مثلا)، أى والله، وكل فريق يحاول أن يقنع الآخر بمن يفضله ليتولى شؤونهم فى السنين القادمة، ويشتد الحماس، لا الشجار، وكل يأمل أن يغير بلده بصوته هذا، وبصوت من يقتنعهُ بوجهة نظره، ومن ثمَّ يغير العالم معه.

بصراحة أفرح أن أحد أبنائى أو إحدى بناتى تساهم فى اختيار ممثل فى البرلمان الأوربى، فالوطنى،  بكل هذا اليقين أن صوتهم قادر أن يسمح بما يسمى البدائل أو تداول السلطة، وأمتلئ غيظا وأنا ليس لى فى الأمر شىء فى بلدى.

ما زلت أكره الديمقراطية وأتحفظ عليها، فهى من أسوأ ما يجرى عبر العالم بعد أن تولى أمر الحرية غير أهلها، لكنها – كما علمنى شيخى محفوظ – أحسن الأسوأ، فليس أمامى إلا أن أكون ديمقراطيا رغم أنفى، حتى يبدع الإنسان آلية أقدر، تنقذه من الديمقراطية وعكوساتها الأسوأ.

يقول مثل مصرى رائع” قال يلعن أبوك اللى مات مالجوع، قال هوا لقى أكل ولا كلشى”

هل يمكن تطبيقه قياسا:؟ “جتكوا خيبة مابتمارسوش السياسة، قالوا هوا احنا لقينا سياسة وما مرسناهاش؟ “

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *