الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الوفد / جدل المؤمنين لا كلمات الندوات…!!

جدل المؤمنين لا كلمات الندوات…!!

الوفد:10/1/2002

جدل المؤمنين لا كلمات الندوات…!!

قبل أن أقرأ مقالى  الأخير “الواقع المر، والأمل المجنون”(الوفد،الخميس3 يناير2002) على شيخى الجليل سألته أن يصبر علىّ”، فالمقال أطول قليلا من كل مرّة”. وحين انتهيت من القراءة عقّب شيخى قائلا:  “بل هو أقصر مماينبغى، إنك تلوّح لنا بإسلام مبدِعٍ قادر خلاّق، كان عليك أن توضح معالمه، ولو فى عامود واحد”. عقّب صديقنا زكى سالم قائلا: إنه أمر يحتاج إلى مكتبة ، وليس إلى عامود.  انصرفتُ أفكّر مهموما وأنا أقاوِم أن أُستدرج إلى هذه المنطقة التى يمكن أن تفتح علىّ، وعلينا، معركة  ليس هذا وقتها، ولا مكانها. أما أنه ليس وقتها، فحالنا وواقعنا يحتاج منا أن نركز على تصحيح التعليم، وترميم الاقتصاد، وتحريك المشاركة السياسة، وتقرير دورنا فى مأساة فلسطين، بدلا من الدخول فى إشكالة تأويل نصوص، واختلافات نظرية حول كتابة التراث، وقدسية التفسيرات السابقة. أما أنه ليس مكانها، فذلك لأن الاختلافات النظرية والتنظيرية ليس لها مكان على صفحات صحيفة يومية، تُطرح على وعى القارئ العادى، وهو فى حال.

لكننى عدت أقول إن القارئ العادى أوْلى، لأنه هو الذى يده في النار أكثر من المنظرين على المكاتب أو حتى الخطباء على المنابر، وأغلب أياديهم فى الماء، أو حتى فى قفازت حريرية. إن الشخص العادى هو الذى يدفع ثمن كل هذا النقاش حول  صراع الحضارات، وصدام الحضارات، وادعاء قبول الآخر، والحوار مع المختلف. إن الأبرياء فى أفغانستان هم الذين دفعوا الثمن أكثر من منظرى نهاية التاريخ ومفتى الجهاد معا. إن أطفال فلسطين ورجالها ونساءها هم الذين يستشهدون كل يوم وليس الجالسون على موائد النقاش الندواتى. إن أغلب ما يدور فى أغلب اللقاءات والكتابات هذه الأيام، وخاصة فيما يتعلّق بقبول الآخر، وادعاء التسامح، هو أقرب إلى الملهاة المفْرغة من أى فاعلية حقيقة،  إن الندوات ماتنتهى، بعد التفسير والتبرير والتأويل والتفويت، بالقبلات والاعتذارات، ثم التوصيات التى تتراوح بين أنها مثالية رصينة مستحيلة، أو أنها عبارات إنشائىة مع  وقف التنفيذ.

 هل يمكن بعد كل هذاالذى جرى ويجرى أن ننشغل ونتوهم التفاهم للانطلاق معاً بمثل هذا التخدير،والتأجيل، والتسويف، والتأويل ، مع أن “اللى فى القلب فى القلب. هل يصدقنى سادتى القمم من المتحدثين بأفخم اللغات، الناطقين بأعلى التصريحات، أن طبق ملوخية ساخن ذا رائحة ذكية تهديه الست “حنينة عبد النور” من روض الفرج إلى جارتها الست “زينب أم أحمد”، يحمل من صدق وحقيقة “قبول الآخر” أكثر مما تحمل موسوعة تضم كل نتائج ما قيل فى أغلب المؤتمرات المعنية  بالتسامح و قبول الآخر، قبل وبعد 11 سبتمبر.

كنت قد عاهدت نفسى على تجنّب أن أدخل نفسى  في معركة لم أخترها، مضيعا وقتى فيما أعرف نهايته السلبية. حين أدخل هذه الأحجية النقاشية حول النص والتفسير وما هو فى الدين بالضرورة، وما هو ليس بالضرورة ، وما جاء فيه نص قابل للتأويل، وما لم يرد فيه نص محدد الألفاظ، أشعر أننى أستدرج إلى معركة  لم أستعد لها، معركة لم ينجح فى النجاة من آثارها من هو أقدر وأعلم منى. إن فتح هذه الملفات  لمزيد من الخلاف الكلماتى ، دون إضافة مبدعة،  هو دليل خطير على أننا لا نجدد إيماننا، ولا نحاول، ولا نجرّب. إنه  إقرار أنه ليس عندنا ما نقدمه ونحن نواجه  هجمتهم، إن صح أنها هجمة، وهى كذلك.

ثمن حمل الأمانة

مع كل هذه التحفظات والتحذيرات لم أجد أنه يمكننى ألا أستجيب لطلب شيخى الجليل، خاصة وأنه أضاف: حدّثنا يا أخى عن إسلامك هذا. قلت له: لقد حدّثتنا أنت عن الإسلام الحقيقى بالطول والعرض، لقد عرّفتنا الحق سبحانه وتعالى فى كل ما كتبت، سواء بإعادة كتابة التاريخ المصرى (من أول كفاح طيبة حتى العائش فى الحقيقة )، أوتاريخ البشرية (أولاد حارتنا) أو السعى المتصل إلى الله سبحانه فى “زعبلاوى” و”الطريق” و”الحرافيش” و”أصداء السيرة” حتى أحلام فترة النقاهة، لقد فعلتها يا شيخنا الجليل بكل إيمان وطيبة، لتهدينا إلى إسلامنا الحق، فماذا كانت النتيجة:؟ فتوى ضالة ، وطعنة مجرمة.

 لكن يبدو أن شيخى لم يعجبه دفاعى وكأنه يذكرنى أننا ما دمنا بشرا تصدّى لحمل أمانةٍ أشفقت من حملها السماوات والأرض والجبال، علينا ألا  نتمادى فى ظلم أنفسنا بالتسليم لتفسير جامد، أو قوى متغطرسة مغتربة. بلغنى من شيخى أنه لن يرفع عنا ظلمنا لأنفسنا حين تورطنا بحمل الأمانة  إلا حسن استعمال الحرية لإبداع الحياة من خلال مسئولية الموقف النقدى، واستلهام النصوص، لا الاستسلام لها .

 إن تصوّرى لمعنى تنمية الفطرة بما يعد به الإيمان إذ يتجلّى فى الإسلام مثلاً، بما لاينفى الأديان الأخرى  هو تصور يتجاوز الجارى من معارك الفخر والهجاء، إن من يزعم ضرورة صدام الحضارات، ليس أكثر خطرا ممن يدّعى حوار الحضارات، دون حوار حقيقى، إن حوارا يبدأ  بالكلام عن إنجازات الأجداد السابقين  من جماعة ، فى مقابل المباهاة بتفوق الأداء الحالى من أخرى، لينتهي بالبيانات المجاملة، والقبلات المودّعة،  ليس حوارا أصلا .

ليس كذلك

إن الناظر فى ما يجرى تحت عنوان الحوار المذكور، لا بد أن يكتشف  أننا نحتاج إلى:  قدر أكبر من المواجهة لا مجرد اللقاء ، وقدر أوسع من الصدق لا ادعاء التسامح، وقدر أعمق من الالتحام لا مناقشات الندوات، وقدر أكثر من الجدل الحيوى لا الحوار الكلامى. إن الحوارات تدور الآن على كل مستوى يمكن إيجازها فيما يلي :

(1)  التفويت المتبادل (فوّت لى أفوت لك): هذه علاقة غير مرفوضه، لكنّها منذرة بخطر غامض، إنها تحرم المتعاملين من صدق المواجهة فى مناطق الاختلاف وهى تكتـفى بالتعامل فى مناطق الاتفاق، وهى تشمل تفريعات يعرفها أولاد البلد تحت بند “سيب وانا أسيب”. ونحن إن كنا نقبل بمثل هذه العلاقة فى المعاهدات السياسية وعلى مائدة المفاوضات، فإنها، فى النهاية، قد تحرم الأفراد من اقتراب حميمىّ مغامِرْ والموقف الدينى والإيمانى في النهاية هو موقف فردى “وكلهم آتيه يوم القيامة فردا”

(2)  فض الاشتباك:  هنا  يتفق الطرفان على تخليق مسافة بينهما، فلا يحتاج الأمر إلى وضع الاستعداد الدائم، لكن يظل “ما فى القلب فى القلب”. إن فض الاشتباك لا يفيد إيجابية الحوار، إنه يؤجل المعركة، عادة لصالح من يـُحسن الاستعداد لخوضها بأسلحة أكثر فتكا، وأسرع سحقا. إن تجنّب المواجهة على طول الخط، ووضع الدين في الصندوق (كما يقول فوكوياما) هو سوء فهم معنى الأية الكريمة أن  “نترك ما لقيصر لقيصر، وما لله لله””.إن الأمر كله له، ولا يتحقق ذلك إلا بالاشتباك الشريف، الاشتباك الحيوي ، الاشتباك الذى يثرى الطرفين ، وليس بفض الاشتباك المجاملاتى التأجيلي المخادع.

(3) “خلّ الطريق مستور: يمكن أن نتصور ذلك الأسلوب نوعا من التفويت المتبادل، لكنه تفويت هروبى إنكارى،  بمعنى أن كل فريق يظهر للفريق الآخر  ما يرضيه، فى حين أنه يتحدث بينه وبين ذويه بعكس ذلك، وبصراحة ، فإنه فى هذه العلاقة، يدّعى كل فريق أنه تارك أمر خصمه إلى عدل الرحمن الرحيم، لكنه بينه وبين نفسه، وحسب تعليمات مفتيه فى السر أو فى العلن،  يُدخل الفريق الآخر جهنم مهما زعم غير ذلك .

4) “خذه على قدر عقله”: إن هذا الموقف عادة مايصف موقف  الأقوى (أو الذى يعتقد أنه أقوى) نحو الأضعف، وهو يشبه بشكل أو بآخر موقف  الشخص العادى (والطبيب أحيانا) من المريض العقلى. وهو بمثابة “وقف المعركة  لعدم التكافؤ (حقيقةً أو تصوراً) . إنه موقف يعلن من البداية عدم الندّية،  إن الاعتذارات التى انطلقت بعد الإهانات والتحقير لما هو إسلام، هى من هذا القبيل: تصريح فى روما، أو مائدة إفطار فى البيت الأبيض أو كارت معايدة من الرئيس الجليل، كل ذلك هو من باب”خذه على قدر عقله”.

إبداع الإيمان

إن المطلوب هو مغامرة استلهام النصوص المقدسة لتوظيفها فى تنمية الفطرة  (وهى شىء آخر غير البدائىة، هى أصل الأصول كما خلقه الله)، إن ما أعنيه بإبداع الإيمان من خلال الإسلام – مثلا – هو أن نعىَ أكثر فأكثر -من خلال تديننا مباشرة- ماهية الإنسان، إن ما هية الإنسان وتكريمه لا تتحقق من خلال حفظ  تفاصيل خريطة الجينوم، ولا من خلال الدراسات الفلكية والجيولوجية، إن تنمية الفطرة تتحقق بالمباشرة الواعية.  إن الإيمان إذْ تجلّى في الأديان بفضل الله سبحانه كان وما زال يهدف أن يحقق تأنيس الإنسان. ثم تأتى العبادات على اختلافها لتسهل هذه الوصلة بين الإيمان والتدين. إنه بغير التأكيد على هذه المستويات الثلاثة (أصولية الإيمان- التجلى فى الأديان – التدعيم بالعبادة)، وعلى حتمية التواصل فيما بينها طول الوقت، لا يكون الدين  ولا تكون العبادات سبيلا للإيمان. إن من يكتفى بزعم الإيمان دون التدين يضحك على نفسه إذ قد يسيح فى هلامية خادعة، ومن يكتفى بالتدين دون الإيمان قد تنطبق عليه الآية الكريمة “قالت الأعراب آمنّا، قل لم تؤمنوا، ولكن قولوا أسلمنا، ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم”، ثم إن من يكتفي بإعلان روح التدين (أنا يكفينى أننى لا أوذى أحدا) دون العبادات، ينسى أنه يختزل الدين إلى “المعاملة” التى هى ليست إلا جانب واحد من الإيمان الذى يتجلّى في دين ما. إن الإيمان هو موقف وجودى أساسى، لا يمكن التنازل عنه ردّا على سلطة دينية غاشمة، أو عمياء، أو وصية قاهرة.

حقيقة الاختلاف

أغلب العلمانيين وضعوا الإيمان والدين بعيدا عن بؤرة الوعى البشرى. (أو هم يزعمون ذلك علانية على الأقل) جعلوه مسألة شخصية. إن التاريخ يقول لنا إن لهم عذرهم، ذلك أن الذى سلب من دينهم  نبض الإيمان كانوا رجال الدين الذين استولوا على حق التفكير، وحق الغفران، وحق الإبداع. بل وحق الإيمان ذاته حين زعم بعضهم  أنه لا يحق لأحد أن ينتسب إلى دينهم إلا بإذنهم ومباركتهم شخصيا قبل التوجه مباشرة إلى خالقه، حين انفصلت طقوس العبادات عن توجهها إلى الله تعالى إلا من خلال سلطة رجال الدين ، حين انفصلت ألفاظ النص الدينى عن توظيفها لتحقيق التوازن الأعظم الذى يعطى للحياة البشرية فرصة التعمق للامتلاء بوعى فائق ممتد،  حين أخفى الدين المؤسسى حقيقة الإيمان، فزع الناس من هذه الوصاية، واتجهو هربا نحو صناعة حضارة إنسانية بلا دين، فنشأت مفرغة، رغم كل الإنجازات ومحاولات التعويض .

نحن – الآن على الأقل – لا نختلف كثيرا عن وضعهم وما آلوا إليه، وبالتالى فإن الزعم أن ثم اختلافا بين حضارتهم، وبين ما نزعم أننا نمثّله هو زعم مشكوك فى أمره. إن ما نأخذه على حضارتهم ليس فقط  غطرسة القوة، ولا كذب الديقراطية الناقصة، ولا غلبة التكنولوجيا على الحس البشري، ولا إحلال الواقع الافتراضى محل الواقع النابض بالإيقاع الحيوى المباشر، إن ما نأخذه على حضارتهم  أساسا هو الاستغراق فى الاستهلاك، وزعم الرفاهية، وغلبة الفردية.  ونحن لا نفعل شيئا حاليا غير ذلك. إلا أننا نغيّر اللافتة، لنضع كلمة الإسلام بدلا من كلمة الغرب الكمّى الاستهلاكى، بل إن بعضنا يمثل مرحلة أسبق من حضارتهم، مرحلة القرون الوسطى.

لا نفرق بين أحد من رسله

إن الإيمان الذى أتصور أنه منقذ البشر يا شيخى الجليل يتجلى فى الإسلام كما أعرفه، ليس لأننا من جنس أفضل، أو لأن ديننا هو الدين الصحيح الأوحد (لا نفرق بين أحد من رسله) ، إن هذا الإيمان هو اليقين المباشر الذى يصل إليه الحس البشرى إذا لم يلحقه تشويه منظم بمحدث المعطيات على حساب عمق الوعى، ثم إن الإيمان الحق لا شك يتجلى فى الأديان المختلفة بصور مختلفة .

إن المواجهة الآن تحتاج ممن يزعم – مثلى – أننا نختلف عنهم، وأن عندنا ما نضيفه إليهم لا تتم إلا إذا رجعنا إلى الأصل نستلهمه من جديد، بدلاً من أن نتوقف عند ألفاظ الرواة وتفسيرات الأوصياء. إن ذلك يتطلّب نوعاً من التربية المبدعة تسمح أن ينبض النص الإلهى فى عمق وعى البشر بالطول والعرض، دون وصاية من معاجم، أو كهنوت، ودون تخل عن النص المتحرر من تفسير ثابت . إن جارودى حين أسلم ، لم يفعل ذلك ليستفتى رجل دين رسمى معيّن فى موقع سلطوى، وإنما هو جاء إلى الإسلام هربا من الاغتراب الكمى الاستهلاكى، وأحسب أنه قد تبيّن أن عندنا مثل هذا الاغتراب وأكثر مما جعله يكتب كتابا بأكمله يبيّن لنا “ما يعد به الإسلام” ، وليس فقط ما “يرويه رواة الإسلام” عـما يتصورون أنه الإسلام أو الإيمان.

إن البداية هى أن ننظر فى التنويعات المختلفة التى استلهمها الناس فى كل بقاع العالم من هذا الدين الحنيف دون أن نرفض أيا منها لمجرد مخالفتها لنصوص ندعى فهمها، لو عددنا صفة الإسلام وصور ممارسة من يزعمون الانتماء إليه، أو يصدرون الأحكام عليه، عبر العالم، أو حتى في أوطاننا نحن، إذن  لوجدناها أوْلى بالدراسة فالحوار، لفهم ماذا جرى للإسلام، وكيف تجلّى على مختلف المستويات، هوة الاختلاف والرفض والشجب والتصنيف.

 إنّ أحمد صبحى منصور يفرق بين الاسلام النجدى والاسلام المصرى، وحتى الإسلام المصرى يمكن أن نشاهد تجلياته فى تنويعات مختلفة إيجابية أو سلبية، فمن الإيجابية: الإسلام التصوفى ( ما بين السعى المعرفى لوجه الحق والحقيقة إلى الممارسات الشعبية الرائعة) و الإسلام الحضاري (الحامل لـِهـَمّ الناس عامة وليس المسلمين فقط) كما يمكن فرز التجليات السلبية فى أنواع أخرى مثل: الإسلام السلطوى، والإسلام  الأمريكى المعدّل وهو الاسلام  المروّض المستعْمَل بعض الوقت، والإسلام فى الصندوق المنزلى الخاص (فوكوياما)،  والإسلام الثللى (القاصر على ثلة بذاتها تتبادل المصالح الدنيوية)، و الإسلام  الترفيهى (المسخر لتبرير الرفاهية فى الدنيا والآخرة على حساب الآخرين)، ولا أريد أن أضيف الإسلام التحجبى ، والإسلام العُمراتى (الذى يُحل الجزء محل الكل، والفرع محل الأصل)

لم أدرج يا شيخى الجليل الإسلام الإرهابى أو الإسلام الطالبانى فلا هذا ولا ذاك من الإسلام فى شىء

مراحل الجدل الإيمانى

يا شيخى الجليل انتبهتُ (بعد استفسارك) إلى أن ثمة مراحل أربعة يمكن أن تهدينا إلى كيف يكون الحوار مع الآخر حوارا جدليا يتغيّر به الاثنان، لا يتبارى فيه الطرفان أحدهما بتاريخ أجداده والآخر بقوة بطشه . إن الأمر يمكن أن يسير هكذا : أولا : وحدة الأصل : “يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى” : (لاحظ هنا أن الخطاب للناس ليس قاصرا على المسلمين) ثم ثانيا: القبول بحتمية الاختلاف “وجعلناكم شعوبا وقبائل” ثالثا: تعارُف المختلفين “لـِتَـعارفوا”0 والتعارف يتخطى المعرفة العقلية إلى الجدل الخلاّق، ليحقق التوازن العادل دون تفرقة بالأصل، أو بالمعتقد الخاص،  ولكن بالتقوى ” إن أكرمكم عند الله أتقاكم”.

 إذا أضفنا إلى ذلك  معنى الكدح إلى ربنا كدحا، ومعنى أننا لله وأننا إليه راجعون (ليس فقط بالموت)، يصبح ما نعنيه بجدل المؤمنين هو المطلوب بديلا عن الفرحة بسطحية زعم  التواصل والشفافية لمجرد التواصل والشفافية، أو ادعاء  قبول الآخر لمجرد تجنّب المواجهة، ثم تبادل القبلات!!

قواعد الحساب والإبداع

ليس لأحد إسلام خصوصى يا شيخى الجليل، إن  المسلم المبدع يحاول أن يتذكر  فى كل لحظة أنه يأتى ربه  يوم القيامة فردا، فيقوم بحمل مسئوليته كلها دون أن ينتظر من يدافع عنه حتى لوكان هو الذى أفتاه بما أفتى.  ينبغى أن يتقين من يريد أن يضيف إلى إسلامه ما يستلهمه من النص المقدس أنه لا يتبع آخرا لمجرد أنه استند فى فتواة إلى رواية تخالف المصلحة أو تلغى عقله. لا بد أن يعرف أنه معرض أن يتبرأ  منه مـَنْ أفتى كائنا من كان : ” إذ تبرأ الذىن اتُّبعوا من الذين اتَّبعوا”. إن هذا المسلم يرى ما فعل رأى العين بشكل مباشر: “ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره”، ثم إنه مسئول عمّا شاهده ببصيرته حتى لو كانت معاذيره  تقول غير ذلك من خلال فتوى رسمية أو قانونا مكتوبا أو  حسبةشبه علمية “بل الإنسان على نفسه بصيرة،  ولو ألقى معاذيره”، إن هذه القواعد العامة هى التى تجعل من النص المقدس مصدر إلهام متجدد، هى التى تطلق عقل المسلم من عقاله إلى ما ينفع به الناس فى الغرب والشرق والشمال والجنوب على حد سواء. هذا المسلم هو الذى من حقه أن يتكلم عن جدل الحضارات لا صراعها.

أعملُ ألف حساب لسؤالك ياشيخى الجليل بعد أن أقرأ لك  هذا المقال!! أخاف أن تسألنى: ولكن كيف السبيل؟

يا شيخى الجليل: أنا لست الحكومة أنا لست وزارة التربية والتعليم، أنا لست من هيئة كبار العلماء، ولا من صغارهم، أنا لست وزارة الثقافة ولا وزارة الأوقاف، أنا ليس عندى إلا كلـمتى وسعى واجتهادى ما أتيحت لى الفرصة. وحسابى على الله . سامحنى – شيخى- على عجزى…  ربنا يخليك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *