الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الدستور المصرية / قصة قصيرة (جديدة) : “هاييتى”!!

قصة قصيرة (جديدة) : “هاييتى”!!

الدستور

17-2-2010

 

تعتعة الدستور

قصة قصيرة (جديدة)

“هاييتى”!!

أغلقت التليفزيون بامتعاض وأسى وغضب معاً وهى تقول: “لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم”، كل هذا الخراب، كل هذا الموت، كل هذه الأشلاء لماذا؟ لماذا ماذا أم ماذا؟ حكمته، امتلأ رأسها فجأة بمزيج من النار، والغثيان والكفر والاستغفار، جرت إلى حاسوبها وكأنه نادها بشفرة خاصة غير كلمة المرور، فتحت بريدها؟ ما هذا؟ هل يمكن أن يكون بفعل فاعل؟ البترول، الذهب، استعمال المساعدات الإنسانية، للاحتلال، تفكيرها تآمرى؟! أحسن، هى لا ترفضه، فكم أضاء لها الطريق.

سمعتْ صوتَه يبكى فى الحجرة الأخرى ذهبت إليه مسرعة وخطر لها خاطر غريب: أن يكون لبن ثديها قد تلوث بما فى رأسها، ضَمّتَه إلى صدرها وهى لا تصدق أنه ابنها، رضع الرضعه، وتجشأ، وابتسم، ونام، ابتسمت الأم لابتسامته وهو نائم وهى واثقة أنه رآى ابتسامتها وهو مغمض العينين.

بمجرد أن وضعته على الفراش بكى وهو يتفزز، مع أنه كان قد ارتوى من رحيق ثديها، حتى نام من الشبع أثناء الرضاعه، وكان جافا، لم تفهم الأم بكاءه وهدهدته وهو مازال على فراشه، لعل النقلة هى التى قلقلته، تحسست ثيابه الداخليه لعله ابتل لكنه لا يزال جافا كما كان على صدرها.

كان بكاء الرضيع  غريبا عن ما اعتادته، فيه صراخ وعويل معا، لكن شفتاه انفرجتا فجأة وهدأ وكأنه عاد يضحك، وهو مازال مغمض العينين، فاعتبرت أمه أن بكاءه كان جزءًا من حلم لم يوقظه، أحكمت غطاءه وقبلته من بعيد خشية أن يستيقظ، واستدارت لتخرج متسحبه.

 ما كادت تمسك بمقبض باب الحجرة حتى سمعت صوت الطفل يتلو ” إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا ” فالتفت غير مصدقة، لكنه أكمل “وأخرجت الأرض أثقالها” فتأكدت من أن الصوت هو صوت رضيعها، فزعت وظنت بنفسها الظنون، عادت تقترب من الطفل، فوجدته مازال نائما، لكن سائلا يحيط بالوسادة حول راسه فظنت أنه “قشط” آخر الرضعة، لكنها حين اقتربت منه وجدت السائل غريبا وشمت رائحة أشبه برائحة البترول الخام، هكذا رجحت، كذّبت نفسها مرة ثانية وهى تعرف أن هذا السائل لم يدخل بيتها منذ تزوجت!!، رفعته إلى صدرها وهو مازال نائما، مسحت أثر السائل على الوسادة، بمنديل ورقى وقربته من أنفها فتأكدت أنه كذلك فعلا، أوسدت الطفل على الأريكة فى الحجرة، وعادت تغير بياضات الوسادة وهى لا تريد أن تفكر، من أين أتى هذا السائل الغريب ولماذا هذه الرائحة، وحين أتمت المهمة رجعت إلى الطفل حيث وسدته على الأريكة، ففزعت من لونه الشاحب، وانتبهت إلى أن صدره لا يرتفع ولا ينخفض، توجست شرا واقتربت من وجهه تبحث عن أنفاسه فلم يصلها شىء، رفعته إليها وهى تصرخ فى لوعة “إبنى ضناى”.

دخلت ابنتها الصغيرة فجأة على صراخها وسألتها بلهفة: “أمى أمى! فيه ماذا”؟

انتبهت إلى فزع ابنتها، والوديعه مازالت ملتصقة بصدرها وقالت: “أولاد الكلب”.

قالت البنت: ما لهم؟

قالت الأم: السفلة

قالت البنت: (وهى تنظر إلى لون أخيها): وأخى؟ ماله؟

قالت الأم: مات، قتلوه.

قالت البنت: مات يعنى ماذا؟ من هم؟

صمتت الأم فجأة: وهى تدمدم وتقرض على اسنانها فتخرج من بينها كلمات غير مفهومة

قالت البنت: ماذا تقولين يا أمى.

لم ترد الأم.

وضعت الوديعة بجوارها، غطت وجههه، دفنت وجهها بين كفيها، هزت البنت أمها وراحت تناديها مرارا فلم ترد، فانصرفت خائفة تعدو خارج الحجرة دون أن تنبس.

لم تعرف الأم كم مضى من الوقت وهى متجمدة هكذا حتى سمعت صوت كابح (فرملة) سيارة فى الشارع، فقفزت تنظر من النافذة، ورأت ابنتها تعدو سليمه بين العربات، ثم رأتها وهى تلجأ إلى شرطى المرور باكية، ووصلها صوتها بوضوح وهى تسأل الشرطى متشبثه بردائه:

– “أين أمى؟”

انقطع تيار الكهرباء فلم تسمع الأم جرس الباب وابنتها تدقه، لكنها ذهبت وفتحت الباب ولم تجد أحدا، فعادت لتجد البنت فى الصالة، فراحت تدمدم وهى تحتضنها وتبكى:

– “وقال الإنسان مالها”، أين كنتِ؟

قالت البنت: الإنسان؟ مالها؟!! مالى؟! أنا بخير يا أمى، أنا لم أغادر الصالة منذ تركتك فى الحجرة معه، مالك أنت؟

عاد تيار الكهرباء، فملأ الضوء الصالة من جديد، وسمعت الأم بكاء الطفل من وراء الباب، فاندفعت هى وابنتها إلى الحجرة وهى لا تكاد تصدق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *