الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الوفد / ابْتََدَا”الدرس يا”ذكى” !!!

ابْتََدَا”الدرس يا”ذكى” !!!

الوفد: 13/12/2001

ابْتََدَا “الدرس” يا ذكى” !!!

يبدو أن التغيير الذى تحدَّث عنه الجميع بعد الثلاثاء إياه، هو أبعد غورا، وأخطر أثرا من كل تصوّر. يتأكد ذلك ويتنوع بالنظر إلى ما حدث فى أفغانستان، وبمعايشة ما يحدث فى فلسطين كل يوم، وكل ليلة ، وكل ساعة. لكن يبدو فى نفس الوقت أننا لم نأخذ به خبرا. نحن ما زلنا كما نحن، جدا وتماما “إللى تؤمر بيه سعادتك”، “الباشا قال” “توجيهات سيادتك قوانين”، نحن أهل الثبات على المبدأ، حتى ولو لم يكن هناك مبدأ أصلا، مقولات الاستقرار، والسلام الاستراتيجى، تعددت مراحل المبادئ إلى أن كادت تصبح أصناما نعبدها، حتى لو ضيّعت كرامتنا، وأهانت وجودنا، وشوّهت كياننا. ليس معنى حسابات الحرب، هو التسليم للذل.

لو حاولنا أن نستعيد خطابنا، وكتاباتنا منذ الثلاثاء إياه (وليس الأسود فثم ما هو أشد سواد لوجدنا كثيرا منه تكرارا فاترا ، أو صراخا غاضبا. نتناول بهما قضايا قديمة مستهلكة ، ودمتم.

ألتمس العذر لمن يدعونا أن نكبّر عقلنا ونمشى مع الموجة العالية (أمريكا: المال والسلاح وما فوقهما)، إن من ينادى بمثل ذلك إنما يفعل هذا من باب الوعى بواقعنا الذى يقول: إننا قوم غير منتجين، غير مبدعين، لا نغيّر ولا نتغيّر، إننا نكتفى بترديد أمجاد ماضٍ ليس من صنعنا نحن، وكأننا بذلك نقر ونعترف أنهم أسياد الحاضر، وكل ما نطلبه هو أن يذكروا محاسن موتانا. يمكن تلخيص هذا الموقف قياسا على مثلنا المشهوربمثل جديد يقول”إيش رماك على الحضارة الغربية، قال خيبتنا القوية “.

مع كل ذلك، لا مفر من رفض الاستسلام لهذه الهزيمة الداخلية، إنهم لن يتوقفوا إذا نحن استسلمنا، إذ هم سيتمادون إلى إبادتنا بمجرد أن يستغنوا عن خدمات العبيد (نحن) بتكنولوجيتهم الجديدة، ثم إن رفضنا الاستسلام هذا ليس فقط من أجل صالحنا القومى، ولكنه أيضا، وقبلا، من أجل مستقبل البشرية.

تعرية، وتعرية.

إن ما حدث، بصراحة، ومهما بلغت جسامته، ليس فيه جديد، إنه تعرية مفاجئة وصارخة لوضع كان قائما من قبل، إنه إعلان لخطأ تطوّرى كان يجرّ البشرية بواسطة أمريكا (المال والسلاح) إلى مآل انقراضىّ بالضرورة. إنهم قد بالغوا فى استعمال أعظم ما حقق الإنسان من علم وفن وتكنولوجيا فى أسوأ ما لا يتصف به حتى الحيوان من افتراس، وصراع وحشى للتفوق، والتهام الأقوى للأضعف حتى وهو شبعان.

إن مظاهر اضطراب هذه الحضارة ظهرت فى صورة عَرَضين دالين، واحد مزمنٌ مستمر، والآخر حادٌّ حديث. العرض الأول (الذى أزمن) هو زرع دولة إسرائيل تحت زعم دينى أسطورى، وإذا بها تـُجسّد هذه الحضارة بكل إيجابياتها وسلبياتها، أما العرض الثانى (الحاد) فهو ما جرى يوم الثلاثاء إياه بدلالاته الحقيقية، وليس بالتوقف عند مسألة الإرهاب وقتل الأبرياء، وانتهاز الفرصة لاقتناص المكاسب وتصفية الحسابات.

منذ حوالى عشرين عاما، تعرّى الاتحاد السوفيتى وتوابعه فجأة، تعلّمنا مما جرى أن ما حدث ليس انهيارا، لكنّه تعرية لما كان يجرى هناك وتراكـَمَ فشله بفعل الحسابات الخاطئة. كانت خسارتنا فى الاتحاد السوفيتى بموت الحلم أهم بكثير من الخسارة من فقد نصير للشعوب المقهورة. وهكذا وقعنا فى أيدى الشامتين الذين سرعان ما استولوا على التاريخ وهم يعلنون نهايته، وذلك بعد إعلان أن حضارتهم هى الوحيدة التى هى، وأنها آخر الحضارات، وأن من يصطدم بها ، عليه أن يستسلم قبل أن تمحوه آلتهم الحربية من على ظهر البسيطة . هذه الحضارة الأخيرة، والوحيدة هى هى الحضارة التى تقتل الأبرياء، وهى التى تغتال محررى أوطانهم دون تحقيق، ثم ينبرى إعلامها يتهم القتيل بإزعاج القاتل لأنه اضطره لقتله، وهى هى الحضارة التى تمسخ وتشكل الآخرين وتبيد المختلفين بدون أدنى شعور بالذنب، ثم إنها هى الأقدر على تصحيح أخطائها، وعلى الوسطاء أن يمتنعوا(هذا البند الأخير حقيقى، لكن النقد الذاتى وحده لا يكفى مهما كان)

نحو عالم أفضل

فى الندوة الشهرية التى تعقدها جمعية الطب النفسى التطورى كان موضوع ندوة 9 ديسمبر 2001 قراءة نقدية فى كتاب كارل بوبر “نحو عالم أفضل”، وهو عبارة عن مجموعة أحاديث ، ومحاضرات، ومقالات، كتبها هذا الفيلسوف الغربى الأمين المتفائل . فماذا ذكر عن حضارة العرب ؟ ثلاثة أسطر مما يقرب من ثلاثمائة، قال (معتذرا) ص 143  :”… أهملتٌ فى كل هذا، وعلى نحو مخجل، إسهام العرب الذين جلبوا نظام الأرقام الهندى إلى البحر المتوسط، لقد أعطوا الكثير، لكنهم تلقوا بقدر ما منحوا، إن لم يكن أكثر، عندما وصلوا البحر المتوسط ” ،انتهى المقتطف !!، وانتهى معه ما اعتذر به عن إهماله. لم يذكر للعرب إلا أنهم نقلوا نظام الأرقام الهندى إلى البحر المتوسط، وحتى هذا النقل استخسر أن يترك لهم فضله،لأنهم أخذوا مقابله أكثر مما أعطوا بمجرد وصولهم إلى البحرالمتوسط.” أنا لا أذكر هذا لألوم هذا الرجل العظيم المخلص لحضارته المتحيز لقومه، ولكننى أذكّر نفسى وقومى أن الرد عليه لا يكون بأن نذكره وأمثاله بأفضال العرب، إن المطلوب هو إظهار ما نمثله الآن، ما نفعله الآن. إننا نودع أموالنا عندهم ليستعملوها فى الحفاظ على حضارتهم التى نستورد فتاتها أولا بأول !! فلماذا الهجوم ونحن الممولون؟

سألت نفسى ونحن نناقش الكتاب : ماذا لو عاش بوبر(هو مات سنة 1994) حتى رأى أحداث سبتمبر 2001 ثم ما تلاها، هل كان سيكتب نفس الكلام، أم أن ما حدث من تعرٍّ للحضارة التى يمجّدها كان سيفيقه ناقدا أمينا فيقول لنا كلاما آخر. تعالوا نقرأ بعض أبيات من قصيدة المدح الذى كالها للحضارة الغربية ، ثم نراجعها على ما يجرى الان من ناسه المتحضرين الأفاضل:

يقول (ص 151) “..لكن حضارتنا الغربية وحدها (لاحظ وحدها!!) هى التى اعترفت على نحو واسع بـ (1) المطلب الأخلاقى للحرية الشخصية و … (2) المساواة أمام القانون، و (3) مطلب الحرية، و(4) مطلب ألا تستخدم القوة إلا فى أضيق نطاق. (ألقى هذا الكلام فى محاضرة بمناسبة العيد الفضى لمعاهدة الدولة النمساوية، ثم نشر سنة 1981) . لو كان بوبر قد عاش حتى أيامنا هذه، وبعد أن تعرّت هذه الحضارة بما تمثله إسرائىل من ناحية، وما وصلت إليه حكومات ومؤسسات أمريكا من جهة أخرى، فهل كان يستطيع بما وهب من قدرة على النقد الذاتى الأمين أن يقول نفس الكلام. (1) هل تأييد بلير والسيد دبليو لاغتيال الفلسطينيين فى بيوتهم مع سبق الإصرار والتوجيه الصاروخى هو من باب مطلب الحرية ؟ (2) هل محاكمة جارودى وإدانته لمجرد أنه نشر بالوثائق ما يحدد حجم مزاعم الهولوكست ، دون إنكاره جميعه ؟ هو من باب المطلب الأخلاقى للحرية الشخصية؟ (3) هل القوانين الجديدة التى تسن الآن فى أمريكا وإنجلترا وهى تفرق بين المواطن الأصلى والمواطن القادم من بلاد الله لخلق الله هى من باب المساواة أمام القانون؟ وأخيرا(4) : هل ما تفعله أمريكا فى أفغانستان، وما تفعله إسرائىل (وليس فقط شارون، فآخر استطلاع يقول إن74 % من الإسرائيليين يقرونه فيما يفعل) هو من قبيل “استعمال القوة فى أضيق نطاق؟

ملكيون أكثر من الملك

المصيبة هو أنه بعد كل هذا التعرّى لخدعة الحضارة الواحدة ، والحل الأوحد، والحرية الدائمة (ولا مؤاخذة) ، وبعد أن تمادت الحرب فى أفغانستان بعيدا عن سببها المزعوم (لاحظ أنه لم يعد أحد يتكلم أو حتى يطلب دليلا على إدانة بن لادن !!) وبعد ما يجرى فى فلسطين بكل بجاحة ووقاحة ، نجد أن بعضنا قد بهره النصرالمزعوم، وخاصة بعد أن تخلص من هذه الوصمة المسماة طالبان، فراح يصفق لكل ما تعنيه أمريكا دون وعى كاف إلى أين يسوقنا هذا التصفيق. إن ما وصل إلى وعينا (ربما ووعى العالم أجمع) هو أن أمريكا أصبحت قوة لا تقاوَم، إن هذا الأمر قد تخطى موقف الحكومات إلى موقف التأثير على الوعى الشعبى فى كل العالم ليتحيز للقوة لا للقانون.

إن معظم حكوماتنا السنية تحب أمريكا، وأمريكا تحب منْ؟ (كلنا نحب القمر، والقمربيحب مين ؟) ،أمريكا تحب إسرائيل، لأن إسرائيل- بمشيئة البيت الأبيض واليوم الأسود – سوف تحضّرنا وتـُمَـدِقْرِطُـنَا (= تجعلنا ديمقراطيين)، وتعلمنا لغة العصر ولا مؤاخذة.

الإرهاب (الجنسى) التكاثرى

بعد الأحداث الأخيرة فى فلسطين، صرّح السيد دبليو بوش أنه على يقين من أن شعب إسرائيل يريد السلام، وأن كل الحكاية أن هناك عناصر إرهابية (وحشة خالص) فى الشرق الأوسط لا تريد للشعب الإسرائيلى المسكين أن يحقق ما يريد، وأنه واثق من أن حلفاءه مصممون على اجتثاث جذور الإرهاب من كل مكان فى العالم، وأول هذه الأماكن هى تلك الأرض التى تبتلعها إسرائيل بالاستطيان السرطانى”، وبناء عليه، فإنه – بوش – يطالب عرفات بتنفيذ أوامر شارون ، وإعلانها حربا أهلية .

رحت أترجم كلام العزيز دبليو كما وصلنى فقرأته على الوجه التالى:

 “…إننى(بوش يعنى) على يقين أن شعب إسرائيل مصمم على استعادة هذه الأرض المقدسة بالذات، وذاك بالأصالة عن نفسه، والنيابة عنا- نحن الأصوليين الغربيين المتخفين فى ثوب حضارة برّاقة، السلام ليس إلا الاعتراف بملكية هذه الأرض ومن عليها للأقوى والأكثر بجاحة . إن ما يجعل من هذه البديهية السلامية إشكالا بلا مبرر هم بعض من تصادف وجودهم خطأ على هذه الأرض، والخطيئة الأكبر أنهم ما زالوا يقيمون عليها، وأنهم ما زالوا على قيد الحياة.  نحن، للأسف ، لم ننجح-بعد- أن نطرد من تبقى منهم، كما لم نتمكن من إبادتهم عرقيا، ولا من فرض التسليم النهائى الذليل ليكتفوا بدور العبيد فى جمهوريتنا الفاضلة، ثم إن الجريمة الأكبر من كل هذا هى أنهم لا يتوقفون عن الإنجاب، إنهم يمارسون هذا الإرهاب الجنسى التكاثرى، كل ليلة ، حتى تحت وابل القنابل، إن كل طفل يولد نتيجة هذا الإرهاب هو قنبلة موقوتة، إنهم يعوّضون ليلا، أولا بأول، كل من نتخلص منهم نهارا،كل هذه عقبات فى سبيل السلام.”

حين قرأت تصريحات السيد دبليو هكذا، فهمتُ ما يطلبه من عرفات، إنها دعوة صريحة لإعلان الحرب الأهلية، أتصوّر أنه أدرك من خلال هذه الخبرة الأحدث فى أفغانستان أنه ما نجح هناك إلا باستعمال سلاح الحرب الأهلية (تحالف الشمال)، وبالتالى ، فهو يركز بكل ما يملك من ضعوط على إشعال مثلها فى فلسطين، حتى إذا انقض بوابل قنابله وصواريخه، وجد على الأرض من أهلها ما يحقق له نجاحاته.

هذا ما استفاده بوش من دروس تلك التجريدة التكنولوجية على أرض أفغانستان.

أين نحن ، وأين التغيير؟

لقد اكتفينا إزاء كل هذا أن نتكلم ، ونصرّح، ونتفاءل، ونعِد، ونؤيد، ونشترط، ونتراجع، وننتظر، وخلاص. نحن ننسى أو نتناسى أن موقفنا فى كل هذه المراحل هو مرتبط تماما، ودائما، بمصائبنا الداخلية: بأزمة السيولة ، و بأزمة الدولار، و بفساد التعليم، و بغياب الديمقراطية ، وبضرورة التغيير. إن التغيير الوزارى الأخير هو خير دليل عن اتباعنا الحرفى للأغنية المشهورة “أنا زى ما انا، وانت بتتغيّر”. إن كل الأحداث التى حدثت وتحدث فى العالم لم تنجح أن تجعلنا نفيق ونعدل عن التمادى فيما نفعل هو هو. إن العالم كله يتغيّر ويراجع لكن الحزب الوطنى يظل صامدا كما هو، وهو ليس بشىء أصلاً، إن شعبنا الصبور ينتظر التغيير مثل “نشرة الأحوال الجوية”، أو “حظك هذا الأسبوع”. أصبح البقاء فى الوزارة ، أو التعيين فيها يرجع إلى عوامل مجهولة لعامة الناس، ربما ترجع للبخت، أو ميلة البخت، وربما لدعاء الوالدين، وربما لكلمة عابرة تخرج فى تصريح وزير أو وزيرة فتذهب به أو بها بعيدا عن الوزارة بأربعين فرسخا. مازال الناس يمدحون الدكتور جويلى، ثم الدكتورة نادية مكرم عبيد، وقبلهم المهندسين حسب الله الكفراوى، وماهر أباظة، إننا نتمتع بحرّية مديح من خـَرَجْ، لكننا لا نملك الحق فى التعرف حتى على أسماء أو خلفية من دَخـَلْ. نحن نلزم حدودنا بالأدب حتى بعد أحداث سبتمبر، ويونيو، وكل الشهور. فهل نلوم بعد ذلك من يقول ، رغم كل سلبياتهم “إن أمريكا- وحضارتها -هى الحل”؟

من أهم مميزات هذه الحضارة الغربية أنهم يراجعون كل مناحى حياتهم ، ليس فقط بعد ما حدث، ولكن من قديم : لعل بعضنا يذكر نقد برنادشو اللاذع (دع جانبا تنظير شبنجلر) وهو يقول “..إن عصرنا وحضارتنا بهما من التعصب مثلما بكل الحضارات الأخرى، …..”، لكننا نجد من بيننا الآن، وبعد كل هذه التعرية لهذه الحضارة من خلال قيام إسرائيل، ومحاكمة جارودى، وقتل الأطفال، واغتيال النشطاء محررى أوطانهم دون محاكمة (ومع سبق الإصرار) . نجد بعد كل هذا الإعلام الملوِّث لوعى البشر، والخافى للحقائق على مستوى العالم. نجد مع كل هذه الحروب من جانب واحد بلا فروسية، نجد أنه بعد كل هذا يعلن مفكر فاضل منّا أنه لا يوجد إلا هذا الحل جدا ( المصور العدد 4026 -7 ديسمبر2001)، كتب أستاذنا مراد وهبة يقول مقتطفا ومضيفا إلى رأى هنتجتون (صدام الحضارات) “…الحضارات يمكن أن تتصادم، ويمكن ألا تتصادم، فإذا أردناها غير متصادمة فعلينا تأسيس نظام دولى، “ثم يضيف “…النظام العالمى الجديد ينفى تصادم الحاضرات، ولكى يتم النفى فمن اللازم للحضارات أن تمتنع عن التصادم، وحيث إن الحضارة الغربية ليست معرضة للتآكل مثل باقى الحضارات، فإن انتشارها من شأنه أن يقضى على ما عداها من حضارات، وهذا هو رأى الغربيين، وأغلب الظن أنهم على حق فى رأى هنتنجتون، وأنا (مراد وهبة ) أضيف متسائلا : هل الحضارة الغربية هى الحضارة الإنسانية . جوابى بالإيجاب.

إذا جمعت رأى هذا المفكر الرائد،إلى تعليق إبنى عن سر تفاؤل بوبر فى كتابه السالف الذكر وهو يبحث عن عالم أفضل، بقوله “أنا مع أمريكا”، (ما دمنا مـُصـِرِّين على الكسل الآسن، ومكتفيين باجترار ماضينا الراحل) إذا جمعت هذا ومثله إلى بعضه البعض، فأنت (أنا) لا أملك إلا التسليم لأمريكا وربيبتها تحت أى عنوان، والعناوين كثيرة من أول استراتيجية السلام، حتى زعم قبول الآخر (نفاقا، وتلفيقا).

الأنبياءالزائفون

نحن لا نتعلّم حتى من نقدهم لأنفسهم إنهم يعترفون بأن عندهم من الأنبياء الزائفين ما لا حصر له، حتى كارل”بوبر” وفى الكتاب السالف الذكر راح يعدد أنبياءهم الزائفين ضمن نقده الأمين لحضارته. يقول بالنص ( 257 ) “لدينا هنا فى الغرب أنبياء زائفون كثيرون، وآلهة زائفة عديدة، هناك من يؤمن بالقوة وباستعباد الآخرين، هناك أنبياء للتقدم، وأنبياء للرجعية،…، هناك أنبياء لألهة النجاح، وهناك آلهة الكفاءة، وهناك بخاصة مؤمنون بنمو الإنتاج أيا كان الثمن،..إلخ .

هل يستطيع ناقد أمين إلا أن يحترم هذاالرجل وأمثاله، وأن يأمل خيرا فى احتمال نقدهم لأنفسهم، لكن لو أن بوبرعاش إلى أيامنا هذه، ورأى كيف وصلت هذه النبوات إلى الألوهية والتوحيد، حيث لا إله إلا السلطة المنفصلة فعلا عن الناس.(فى صورة سلطة الإعلام، وسلطة المال، وسلطة السلاح) فهل كان سيظل محتفظا بتفاؤله، رغم كل نقده لديمقراطيتهم، ولأسطورة الرأى العام، وتقديس أسطورة “رجل الشارع”واستعمالها من الظاهر؟

فهرس الكتاب الجديد

بالرغم من كل ذلك، فما زلت أشعر أن أخطر ما يمكن أن نتعرض له (هنا، وفى كل العالم) هو أن يستسلم داخلنا إلى الهزيمة فى مواجهة جبروت مؤسسات حضارة، تعرْت بهذه الصورة (من أول انهيارالاتحاد السوفيتى، إلى جرائم شارون، وشعبه، مرورا بنيويورك وواشنطون وكابول وكندهار والقدس وغزة ورام الله.

ذكرت سابقا، وكررت ، فى هذه الصحيفة الغراء أن المعركة الآن ليست بين بن لادن وبوش، ولا بين شارون وعرفات، وإن كانت هذه من أظهر أعراضها، وإنما هى معركة بين الناس (كافة الناس)، والقوة العمياء ( فى الشركات العملاقة ، والشعارات الكاذبة، والإعلام المغير(.

ظهر الإعلان عن هذا الدرس الذى أعنيه بصرخات الناس وتجمعهم من أول سياتل حتى جنوة ودربان، وأخيرا فى جنيف. إن المطلوب منا هو أن نواصل الوعى والألم، دون استسهال الاستسلام والرضوخ، حتى ولم يكن البديل جاهزا، علينا أن نصيح صيحة جديدة “أيها الناس، اتحدوا وانتبهو لما يحاق بكم، “واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة”.

فهرس هذا الكتاب (الدرس) الجديد يحوى من العناوين ما يحافظ على الأمل رغم كل شىء. ومن ذلك “:

إن الثورة المنتظرة ثورة معرفية خطيرة، لا تسمح بوصاية مستوى واحد من العقل على بقية عقولنا الكامنة، وهى ثورة إيمانية شاملة، لا تسمح بتعصب دين واحد ليشجب كل ما عداه، وهى ثورة منهجية ممتدة، لا تسمح بعبادة الأرقام وألاعيب الإحصاء على حساب الحقائق المباشرة، وهى ثورة العدل الحقيقى التى لا يستعمل لإجهاضه حق الفيتوا لأى سبب من الأسباب.

ابتدا الدرس أيها الأذكياء، وعلينا أن نحسن القراءة، ونحن نبحث عن وسائل التطبيق.

 ومن يتخلّف، فقد ندفع جميعا ثمن تخلفه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *