الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الوفد / “التّسيير الذاتى”، والنظام “الهُلامِى” الجديد!

“التّسيير الذاتى”، والنظام “الهُلامِى” الجديد!

نشرت فى الوفد

14-4-2010

 تعتعة الوفد

“التّسيير الذاتى”، والنظام “الهُلامِى” الجديد!

لا تستهينوا بما وصلنا إليه،  لو سمحتم: نحن نلعب أدوارنا من خارجنا كيفما اتفق، لم يعد لنا طعم مميز ولا نكهه،  لم يعد لنا شكل إلا ما تبقى فينا من التاريخ وبعض نبض جهودنا الذاتية، مما لم يعد له اسم.  الدنيا حولنا تضرب تقلب، الحروب تقوم وتضع أوزارها، النظم تتغير، والانتخابات الحقيقية تتلاحق، والمصانع تنشأ، والعلوم تتقافز، والعالم يتحرك، والمناهج تتطور والجيوش تتشكل أو تسرَّح،  والإبداع يتجلى…الخ

كل هذا يحدث فى نظم مختلفة أشد الاختلاف، عبر العالم ، خذ مثلا :

  • تردد اسم “تركيا” فى الآونة الأخيرة حتى أصبحنا نتكلم عن النموذج التركى، والإسلام التركى، والاقتصاد التركى، والدبلوماسية التركية، والسياسة الخارجية التركية، والعلمانية التركية،

علما بأن تركيا يحكمها حزب إسلامى علمانى (آخر تحديث)

  • قبل ذلك، ومنذ عقود،نحن نعيش عصر الإغراق الصينى، والنجاح الصينى، والاقتصاد الصيني، والتحديات الصينية، والصناعة الصينية، والألعاب الصينية، والجراحات الصينية، والإبر الصينية، ما معنى هذا؟

علما بأن الصين يحكمها حزب شيوعى جدا، والضبط والربط على أشده، والديمقراطية “خفيف خفيف”، والدين مهمش، أو خصوصى،

  • وقبل هذا وذاك خذ عندك أمريكا سيدة العالم الغبى الغنى، تأملها وهى تعيش أزهى حالات الأمْركة، وتطلق عليها اسم العوْلمة، وتطيح قتلاً فى كل من يتجرأ أن يفكر أن يمس مصادر طاقتها، وتتصنع كل الألعاب والأكاذيب والمؤامرات، لتحتل الأراضى وتبرمج الشعوب، بعد أن تبيد منها ما تيسر من بشر وبنية أساسية، وفى نفس الوقت : هات يا إنتاج ويا بورصة، ويا نقد عام، ويا نقد ذاتى، ويا إبداع،

علما بأن أمريكا يحكمها ظاهرا نظام ديمقراطى جدا تُتداول فيه السلطة ، ولو شكليا، بالإضافة إلى الحاكم الحقيقى من المؤسسات المالية فوق وتحت الأرض. 

  • ثم خذ عندك إيران، بكل ما نشيعه عنها، وحقيقة ما يحدث فيها، دع جانبا الاختلافات الداخلية والمظاهرات الملونة، ثم ارصد إنجازاتها النووية، وإنجازاتها العلمية التى فاقت مؤخرا أوربا، ثم تأمل إنجازاتها فى السينما، وفى الفن التشكيلى، وفى الطاقة، وفى التعليم

علما بأنها تعيش تحت حكم الملالى – كما ندعى – والشيعة كما لا نعرفها، ، وحرس الثورة، وهى  تمارس “قلة حقوق الإنسان” فى أقسى صورها حتى إعدام المعارضين، ومع ذلك هى تواصل نجاحاتها ، وتتحدى العالم أجمع ليس فقط بالتمسك بحقها النووى، وإنما بإنجازاتها الإبداعية فى الفن والسياسة والعلوم.

  • خذ مثلا أمريكاالجنوبية – على اختلاف نظمها – بكل ما يصلنا منها من حركية حيوية من رقص، وتشكيل، ورواية، ونقد، وموسيقى، وأغان، مع مواصلة التقدم نحو مزيد من الاستقلال الاقتصادى، والتطور السياسى، والإنتاج العلمى. هذه الحيوية الشعبية تحفز كل ذلك لا تحول دونه.

علما بأن ما يحكم هذه القارة هو خليط من نظم مختلفة، متحركة، متغيرة، تترجح من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ، لكن التيار العام يعلن حيوية خاصة ، وآمالا متحركة على أرض الواقع.

وبعد

أين نحن من كل هذا ؟

وهل ثمَّ مجال للمقارنة ؟ 

لكل نظام مما ذكرنا شكل يميزه، شىء يجمعه، رابط يضمه، هدف يوحده، تحد يحفزه، وكل ذلك لا يمكن أن يأتى فقط من سلطة أعلى تفرض هذا النظام أو ذاك، صحيح أن السلطة الأعلى قد تسرع بتحقيق ما تراءى لها من نظام ترى أنه الأصلح لناسها،  لكنها لا تنجح فى ذلك إلا إذا استلهمت ما تفرضه من جُماع وعى شعوبها وتوجههم الذى يمكن أن يستمد من تاريخ، أو من زعيم، أو حكيم، أو من دين، أو من أسلوب حياة بغض النظر عن من هو هذا الرمز: (ماوتسى تونج، أو كونفوشيوس، آية الله الخمينى أو أحمدى نجاد؟ أبراهام لنكولن أو أوباما، كمال أتاتورك أو أردوغان) وأيضا بغض النظر عن تفاصيل المحتوى الأيديولوجى (نظام سياسى مازال شيوعيا برغم رأسمالية إنتاجه، أم نظام إسلامى يبدو قهريا ومع ذلك يواصل تحدياته وإنجازاته، أم نظام ليبرالى يدعى الحرية ويواصل استغلالاته واحتلالاته ..إلخ)

تعالى الآن ننظر فى نظامنا نحن المصريين (دع مؤقتا : نحن العرب) لنحاول أن نتعرف على النظام الذى يشكلنا، ويجمعنا، ويحفزنا، لكى يجعلنا ننتج ونستمر، وسوف نكتشف معا  أننا نعيش بلا شكل، وبلا نظام بكل عشوائية وهدوء وحسرة،

إبحث معى – سيدى–  عن اسم للنظام الذى نعيشه، نظام الاقتصاد، نظام السياسة، نظام التربية والتعليم، نظام البحث العلمى، نظام السوق، نظام المعارضة، نظام الانتخابات، نظام العلاج، نظام الثانوية العامة، نظام المرور، إبحث يا سيدى معى، وبأكبر قدر من الجدية والطيبة والتسامح، فإن وجدت أن هناك شكل لأى نظام يمكن الإمساك به، أو تسميته، أو أن تحسب خطواتك، خطواتنا، على أساسه، فأخبرنى من فضلك (“يا صديقى: كل شىءٍ مَاعَ منا” = مَاعَ من الميوعة).

المعجزة التى أنجزها الشعب المصرى، أنه ما زال يعيش، ويركب المواصلات، ويبنى العشوائيات، ويعمل العُمْرات، ويتظاهر أحيانا، ومازالت السيارات، ملاكى ونصف نقل، ونقل، وأتوبيسات، وميكروباسات،  تسير، وتقف، وتقل ركابا، والمدارس تفتح أحيانا، وقد ينتظم فيها بعض الطلبة، لكن الامتحانات تعقد دائما، والنجاح تعلن نسبه بشكل يسر الوالدين عادة، ثم إن الجامعات تخرج الجامعيين، فتغرى القادرين على فتح الجامعات  الخاصة جدا، فتسير الأمور إلى ما تسير إليه جدا جدا.

شىء يسمى الحزب الوطنى هو أعظم نموذج لهذا اللاشكل الهلامى المائع، أنا لا أعتقد فى وجوده بمعنى الحزب أصلا ، وربما هذا هو السبب فى ضعف المعارضة كما يدعون، فعادة يقوى الخصم بقدر قوة من ينازله، وبما أن الحزب الذى يتولى كل الأمور كل الوقت هو بلا نظام محدد، هو كيان هلامى دون بركة الله، فإن المعارضة لا تجد معالم محددة تقف فى مواجهتها لتقول “لا”  لهذا، و”ليس هكذا” لذاك، إذ أنه ليس هناك “هكذا” أصلا.

الست كوندا ليزا رايس حاولت أن تسوِّق لنا قبل أن تتوكل وتذهب مع سيدها بوش، ما يسمى “الفوضى الخلاقة”، فى محاولة إعادة تشكيل الشرق الأوسط بالذات، لكن يبدو أننا قبلنا أن نستورد “الفوضى” دون “الخلاقة”، لكننا قمنا بتعديلها لتناسب حالتنا فأصبحت الفوضى الهلامية ، أو “النظام الهلامى الجديد”.

ما رأيكم؟

أليس هذا نظام عبقرى جدير بالبحث الجاد، وربما لو عرف سره سوف تقتدى به تلك الدول التى أهلكت ناسها بالعمل والإنتاج والإبداع والإنجاز المستمر؟

والله أنا لا أهزل، بل أتألم حتى أننى أريد أن أمزق هذا المقال،

لكن ليس عندى وقت لكتابة غيره، والإبن سليمان جودة قد يهاتفنى بعد قليل

فبالتالى أنصحك ألا تقرأه !!

هذا التحذير جاء متأخرا كشاهد على النظام الذى نتميز به، إذ لو كان تحذيرا جادا ومقصودا لكان ينبغى أن يأتى فى أول المقال، وليس فى آخره، أليس كذلك

هل رأيت كيف؟

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *