الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الوفد / هل ثَمَّ شبهٌٌ بين: “الهابط بالباراشوت”، و”النازل من الهليكوبتر”!!

هل ثَمَّ شبهٌٌ بين: “الهابط بالباراشوت”، و”النازل من الهليكوبتر”!!

نشرت فى الوفد

28-4-2010

تعتعة الوفد

هل ثَمَّ شبهٌٌ بين: “الهابط بالباراشوت”، و”النازل من الهليكوبتر”!!

…ها هو بديل ماثل، من خارج المنهج المقرر، بديل من لحم ودم، له حضوره، وتاريخه، وهيبته، وسمعته، وعلمه، وما دام هناك بديل، فثم اختيار بين بدائل، بدت الفروق شديدة الوضوح بالمقارنة بين البديلين الجالسين على قائمة الاحتمالات، من حيث السن، والحكمة، والخبرة، والتاريخ العلمى، والذكاء. الفروق واضحة، فتراجعت صورة السيد الشاب جمال محمد حسنى حتى فى وسائل الإعلام الرسمية، ربما تجنبا للمقارنة المتعجلة بالصفات الظاهرة، التى تبدو نتائجها لأول وهلة لصالح البرادعى، أضف إلى ذلك مصادفة غير مقصودة وهى انشغال الشاب بصحة والده الرئيس – أتم الله شفاءه – واصطحابه له إبنا بارا، راعيا قريبا.

 مع عودة الرئيس بالسلامة، ملأت صورته وسائل الإعلام كما ملأت ظاهر فكر وإدراك الناس، رضينا أم لم نرض، كما انطلقت دعوات الناس الطيبيين من هذا الشعب الجميل المنْهَك بتمام الشفاء، وقد بدأ أن ظهوره هذا قد أعفى الناس من المضى فى المقارنة المضنية بين البديلين المطروحين حالا، وهكذا شدّت صورة الرئيس، أغلب الناس بعيدا عن مشهد المقارنات المباشرة وغير المباشرة.

لا ينبغى أن نستنتج من كل هذا أى استنتاج سطحى مباشر، مثلا: أنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان، أو أن “اللى تعرفه أحسن من اللى ما تعرفوش”، أو أن الناس راضية جدا جدا عن الوضع القائم جدا جدا، كل هذا تسرع لا يفيد أحدا ولا النظام القائم نفسه، لأن الوضع الذى وصلنا إليه ليس إلا نتاج هذا الذى لاح كمسكن هروبى مؤقت، لايفيد إلا لمن ينجح أن يتنكر لمرور الزمن ورأى القدر.

 المتابع لتلميحات أو تصريحات بعض المسئولين القريبين من السلطة، أو المستنتج من خطاب الرئيس الأخير فى عيد سيناء، أو القادر على استيعاب توجه عامة الناس، لابد أن يخلص إلى أن ما يدور فى فكر كثير من الناس: كسلا، أو خوفا، أو رضا، أو تواكلا، هو أمنية أن يـُـنعم الله على الرئيس بمزيد من الصحة وطول العمر، فيرحمنا من الاضطرار إلى مواجهة هذا الاختيار الغريب بين مرشحين يقعون – مع كل الاحترام والشكر- على مسافة كبيرة من جماعة الناس الحقيقين، مرشحين لم يخرجوا من رحم وعى الناس، ولا كان أى منهما مقرر علينا فى الستين سنة الأخيرة، هذا الاختيار المطروح من أعلى إنما يخاطب ظاهر رأى الناس وهو لا يضع فى الاعتبار بدرجة كافية ما آل إليه وعى الناس الأعمق من ضمور وتهميش، ومن ثَمَّ رفض وحذر.

الأرجح عندى أن الدكتور البرادعى قد أدرك هذه الحقيقة بأمانته وبعد نظره، فراح يتحسس طريقه بين الناس إلى الناس، لا ليتلمس الاقتراب منهم كسبا لأصواتهم كما يبدو لأول وهلة، ولكن ما وصلنى هو أنه يحاول أن يتعرف عليهم فعلا، يتعرف على الناس الآن من جديد، من هم؟ كيف هم؟ هل هم كما هم أم أنهم غيرهم؟ هذا التعرف الجاد يفيد أيضا من يصدق فى ممارسته، أن يعيد التعرف على نفسه شخصيا من جديد، خصوصا إذا كان الموقف يتطلب منه أن يقوم بدور جديد، وحين أتمادى فى التقمص أستطيع أن أقول إننى أتصور أن د. البرادعى يسأل نفسه بعد كل لقاء: يا ترى هل أنا الشخص الصالح فعلا لتمثيل هؤلاء الناس ، وهل هؤلاء الناس الذين ألتقيهم هم  هم الناس الذين قد أتولى قيادتهم؟ وربما لو أنه سمح لبصيرته أن تحتد أكثر لتساءل أيضا: يا ترى هل أقدر أن أخدمهم وأحقق أملهم فى شخصى وأنا بهذه الإمكانيات التى أعرفها عن نفسى، أو حتى بتلك التى قد تتفجر منى ؟ أظن أن الإجابة الصادقة سوف تبين له أنه بعيد عن وعى عامة الناس حتى لو كسب موافقة رأى الصفوة المميزة أو الشباب الآمل أو المنتظرين الفرج.

على الجانب الآخر، أتصور أن هذا الشاب المتورط بغير ذنب فى مثل ما وجد البرادعى نفسه فيه، كان يمكن أن يقوم بنفس الدور لو أنه تُرِكَ لتلقائيته، وكان يمكن أن يتبين كم هو بعيد، أو حتى ضار لنفسه ولناسه لو تمادى فى تورطه، إلا أن المحيطين به، الراسمين للاستفادة من توريطه، راحوا يخططون له ما تصوروا أنه لصالحهم شخصيا قبل صالحه وصالح الناس، وقد وصلنى أنهم فعلوا ذلك بطريقة خاطئة تماما، وقد يتبينون إن آجلا أو عاجلا أنها جاءت بعكس ما يرجون. تحدث د. سامى عبد العزيز فى مقالة بالـ “المصرى اليوم بتاريخ 17/4/2010 عن “الأخطاء التسويقية لدعاة التغيير” تعجبت أنه نقد تسويق دعاة التغيير (بما أختلف معه فيه جملة وتفصيلا وقد أعود إليه) دون أن ينقد ويدعو إلى تصحيح الاخطاء التسويقية لدعاة الاستمرار أو الاستقرار، وعلى رأسهم هذا الشاب المتورط (أقول دعاة الاستمرار والاستقرار، ولا اقول التوريث، فانا لا أحب ان أعنون القضية بهذا العنوان)، نعم تصورت أنه كان أقدر أن يرصد الأخطاء التسويقية لتقديم هذا الشاب إلى وعى الناس الحقيقيين على هذه الأرض الطيبة، وهى أخطاء جسيمة أضرت به وسوف تبعده أكثر فأكثر عن وعى الناس الحقيقيين، وقد تضر بالناس بشكل لا يمكن تصوره.

المهم: انتبه رأى الناس ظاهرا إلى أن المطروح أمامهم (دون إعلان رسمى) هما شخصان بعيدان عن وعيهم، وإن اقترب أحدهما من بعض آمالهم، وداعب الآخر أوهام استرخائهم، فاستغاثوا بالثالث دون انتباه إلى أن نظامه هو الذى أفرز هذين البديلين اللذان لم يخرج أى منهما من رحم الوعى الجماعى الحقيقى، بعد حمل طبيعى، وولادة غير قيصرية:

واحد “محاسب” جدا هبط عليهم من بنك فى لندن، وهو ليس له ذنب فى ذلك، وقد تعاطفتُ معه حتى أعلنت شفقتى عليه مما تورط فيه، هبط عليهم بالباراشوط فوجد نفسه وسط ناس طيبين، ليس عندهم مانع من استضافته والترحيب به مثل أى “ابن سبيل” عابر حتى يعرفون هويته، وسبب هبوطه وحقيقة عنوانه، وطبيعة مهمته، لكن يبدو أنه قد حال دون أى من ذلك من أحاطوا به، وخططوا له (ولهذا حديث آخر)

الثانى شيخ هبط عليهم بطائرة هليكوبتر قادما من إحدى منظمات الأمم المتحدة فى سويسرا (أو لست أدرى أين)، فوجد نفسه بين شباب طيبيين متحمسين، ومثقفين آملين ضجِرين، وناس متعطشين مستعدين، لكنه اكتشف أيضا – برغم الكرم والترحيب – أنه هبط بين ناس يحتاج أن يعيد التعرف عليهم من جديد، فى ظروف جديدة، بشروط جديدة.

الذى زاد الناس حيرة، حتى كادوا يفضلون أن يبقى الحال على ما هو عليه، برغم كل ما فيه، وما يمكن أن يتدهور إليه، هو أن وجوه الشبه بين البديلين، فى نهاية النهاية، قد تكون أكثر من وجوه الاختلاف، (خذ مثلا: مزاعم أو حقائق: الليبرالية، والرأسمالية، والعلمانية، والإنجليزية، والأمْركة، وحقوق الإنسان اياها، والرشاقة، والديمقراطية – إياها- وثقافة السلام …إلخ )

يا خبر!! وهل احتمال التشابه تحت هذه العناوين يستبعد وجود نفس الشبه فى النظام القائم؟

آمل أن أجيب فى مقال قادم.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *