الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الوفد / من يقتل المليون ؟

من يقتل المليون ؟

الوفد: 8/11/2001

من يقتل المليون؟

اعتدنا أن ننتظر الحلول كاملة سابقة التجهيز، سواء كان التجهيز قد تم من السابقين الراحلين المجتهدين لزمان غير الزمان، أم كان من المتقدمين الركب بما أنجزوا من مبان وطرق وفن وعلم وسلاح وسائر أدوات تسهيل الحياة لأغراضهم (التى هى ليست بالضرورة أغراضنا). يتعارض ذلك مع ما يكتبه أمثالى من دعوة لحوح للمشاركة فى البحث عن مخرج، وعن سبيل، وعن بدايات أصيلة، فى مواجهة المأزق الحالى

إننا فى مصر خاصة، قد سلّمنا عقولنا لمن لا يحرص على الاستفادة منها، فأصبحت أجهزة للتلقى، أو شرائح لحفظ المعلومات المشتتة دون رابط، بغض النظر عن صدق المعلومة أو صوابها، سألتنى ابنتى عن معضلة واجهت ابنتها (حفيدتى- رَنَا) من مُدرسة اللغة العربية (سنة ثانية ابتدائى) ، كان السؤال هو أن تختار” رَنَا” عكس فعل “يفتح”، من بين ثلاثة أفعال “يغلق”، “يسد”، و”يقفل”، احتارت “رنا” وسألت أمها، فاحتارت أمها وسألتنى بدورها، فاحترتُ أيضا فالأفعال الثلاثة تصلح عكس “يفتح”، اللهم إلا إذا وضعت كل منها فى سياق معيّن، ذهبت ابنتى بعد حيرتنا نحن الثلاثة تسأل المدرّسة عن “الحل” ، فأجابت المدرسة أن الكلمة الصحيحة هى “يغلق” دون يسد ، أو يقفل، وحين استوضحت ابنتى الأمر أوضحت المدرسة فخورة أنها هى التى “قررت” ذلك، وأنها أخبرت التليمذات أن الحل الصحيح هو “يغلق” فقط، دون “يسد” أو “يقفل”. وأن على التلميذات أن يرددن ما قالته دون سواه، ثم بررت موقفها بأنها لا تريدهم أن يستعملوا إلا اللغة الفصحى، (التى عيّنت نفسها وصية عليها . حين أخرجت فعلى “يسد” ويقفل” منها).

“أبلة” الناظرة

إن السلطات، المحلية والعالمية تعاملنا بنفس الطريقة، . إننا أصبحنا جميعا ننتظر ما تقرره أبلة ناظرة العولمة فنردده كما هو. إن استمرار تأييد 90 % من الشعب الأمريكى لما يحدث فى أفغانستان هو أكبر دليل على أن من يدعى التقدم والحضارة والريادة ، لا يفعل إلا ما تردده”الأبلة” بكل أدوات إعلامها المغرض.

يطلب السيد بوش وبطانته من كل العالم أن يحددوا من هو الذى يقف ضد حضارة سيادته “التى هى”، هل هو التخلف المتدين بغير دين سيادته (يعنى المسلمين كما يصنفهم) ، أم بن لادن، (الذى يمثل المسلمين كما يصنفهم) أم الفلسطينيين وحماس بوجه خاص (باعتبارهم من المسلمين كما يصنفهم)، وعلى كل تلاميذ العالم أن يرددوا ما حفَّظهم إياه، وأن يعلنوا أن العدو “الكخّة”، الذي يريد أن يفسد على السيد بوش رفاهية حضارته، يسمّى “الإرهاب”، وهو الاسم الحركى للمسلمين كما يصنفهم، على شرط أن يخفى الجميع كلمة المسلمين وراء اعتذارات مثل “مش قصدى”، “عيّل وغلط”،”دا انتو أجدع ناس”، “طيب خد شوية معونة زيادة واسكت “، وهات يا ضرب وإبادة وإهانة وتشويه. مادامت الأبلة “بوش” (تاء مربوطة وربما هاء أيضا) قد قررت، وحددت، وعلّمت الآخرين من هو عدو الحضارة، وعدو التقدم، وعدو الحياة،

العالم كله ، أو أغلبه – حتى أنت يا بوتن – قد أقرّ السيد بوش على أن الإرهاب هو أى شخص يقرر السيد دبليو أن يحاربه، آسف لا توجد حرب، يقرر أن يقتله عن بعد. كان صلاح جاهين رحمه الله يقول “إفعل أى شىء تقرره وستجد مثلا يبرره”، وقياسا على ذلك، فإن السيد دبليو له أن يقتل أى عدو “يفبركه”، وسيجد شعوبا وحكومات تباركه”، ولكن من يكسب المليون ما دام كل العالم قد أجاب الإجابة الصحيحة ؟ الإجابة التى تقول: “إن العدو هو الإرهاب، وإن تعريف الإرهاب – حتى لا تشغل بالك – هو كل من يعادى السيد دبليو ، وخلاص، وبما أنه من غير المعقول أن يكسب الجميع المليون، لأن الجميع أجابوا الإجابة الصحيحة، فإن البديل هو السماح بقتل مليون برئ (على الأقل)، ولا يوجد إشكال فى تحديد “من يقتل المليون ” فالسيد بوش قد أعفى معظم المتسابقين من المشاركة الفعالة مكتفيا بنجاحهم جميعا في المسابقة التى لا بد أن تنتهى بأن يقتسم المؤيدون الكبار الكعـكــة من بترول بحر قزوين، وبترول العرب، واتفاقيات الجات، أما المؤيدون الثانويون (الكومبارس) فسوف يتمتعون بفرص استهلاك غير محدودة ، وهى فرص بالـ” كيتشاب” واسمه الحركى: “حقوق الإنسان”.

ونحن ؟

بالنسبة لنا بوجه خاص، تصبح المسألة أخطر، بالرغم من اجتهاد المسئولين، وتحفظهم كثيرا أو قليلا، نحن اعتدنا – كما ذكرنا حالا- أن نستلم الحلول سابقة التجهيز، ما علينا إلا أن نضغط على الزر ، فيتم المراد، : “الاشتراكية هى الحل”، “الديمقراطية هى الحل”، “الإسلام -كما يتصوره البعض – هو الحل، تقرير ميتشيل هو الحل، ..إلخ. الناس عندنا اعتادت أن تستسلم لحلول جاهزة جدا ، تمادى هذا بوجه خاص بعد الحركة المباركة ، التى حىن تثوّرت، وجاء تثويرها من فوق أيضا، سمحت للقائد الملهَم أن يعد بكل حماس و إخلاص بأنه سوف يسكّن الشباب، ويوظفهم، ويُـفَهِّـمُـم، ويهديهم، وحين دخلنا الامتحان الذى يستلزم مشاركتنا فردا فردا، رسبنا كأبشع ما يكون الرسوب. أين ذلك مما يجرى الآن فى أفغانستان؟!

صمود

كلما تابعت كارثة وآلام وقتل أطفال ونساء ورجال أفغانستان الأبرياء، لا أملك وأنا أتأمل موقفهم إلا أن تعاودني آلامى القديمة التى لا أكاد أتصور أنها زالت حتى تعود فى أى مناسبة للمقارنة دون استئذان. مهما كان رأينا في طالبان، فلا أحد يستطيع أن يغفل الرمز الذي يشير إليه صمودهم حتى الآن. أتذكر انسحابنا وثمنه الباهظ في 1956 (فتح مضايق تيران والكذب على الشعب بادعاء النصر)، ثم انسحابنا المذل القبيح سنة 1967 (ثم الكذب على الشعب بتسميته النكسة) ،أتذكر ذلك وأنا أقارن ما يجرى الآن من أفقر أجوع شعب، فى مواجهة أقسى وأسفل قوة، وأقول : إن ثم خطأ خطيرا في موقفنا نحن من الحياة ، ومن الحرب، ومن الانتماء، ومن الإيمان. إن ما يجرى الآن – رغم كل ما يثيره من آلام، وما يترتب عليه من مآس- يذكرنا للأسف بمعان بهتت حتى تراجعت مثل الكرامة وحق الحياة وحق الموت جميعا. لولا ما يفعله أهل فلسطين وخاصة شبابها منذ أكثر من عام، ، وما كان من صحوة أكتوبر 1973، لكنت أحسب أننا لا نملك إلا الانسحاب بأسرع مما يحلم به العدو نفسه. لا أخفى أننى أخشى على هؤلاء الذين ردوا لنا بعض الكرامة من أن تصدر إليهم أوامر الانسحاب فى أى وقت، مع أنهم يفضلون الانسحاب من الحياة عن الانسحاب من حق العيش بكرامة.

إن عقيدة طالبان، وطبيعتهم القبلية، وجبالهم، وعنادهم، وفقرهم ، جديرة بأن نتذكر من خلالها أن الحياة بكرامة تستأهل أى تضحية حتى لو كان الذى يحافظ على كرامته مخطئا أبلغ الخطأ وأضلّه. لا أحد يعلم كم سيتبقى من الأفغان بعد أن يشبع هذا الوحش النـَّهِمْ من التهام لحومهم أحياء وأمواتا معا، ولا أحد يعرف ماذا سيتبقى لهم، ولكننا نتعلّم من الجارى ، ومما نتذكر ونقارن، أنه إذا تبقّى فرد واحد من شعب عنيد، وهو يحتفظ بكرامته كما خلقه الله، فكل ما عدا ذلك لا يعنى شيئا. هذا الفرد الواحد قادر على أن يبدأ عالما أفضل من كل ما يلوح به المنتصرون. لا أحد يريد مصيرا مثل الذى ينتظر طالبان، لكننا نتعلّم منهم أنه لا يوجد شىء اسمه “كيف نحارب أمريكا”، أو “كيف نواجه الأسلحة الحديثة حتى الذرية منها”.إن الحياة الكريمة أغلى مما يتصور كثير من القادة وأيضا كثير من الناس الذين عودهم قادتهم أن يفرطوا فيها.الحياة الكريمة هى الحياة البشرية، وبدونها يتنازل الإنسان عن إنسانيته، .

نحن ندعو الله ليل نهار أن يرحم الأبرياء ونحن نطالع آلامهم وتضحياتهم كل يوم، وكل أخبار، وكل “الجزيرة “، وكل”سى إن إن”، ولكن علينا أن نتعلم منهم أنه إذا كانت الكرامة هى الثمن، فكل شىء يهون.

توضيح .

أُشفق على المواطن المصرى العادى، وهو يطالع الصحف، ويسمع الأخبار، والدنيا ليس لها حديث إلا عن صراع الحضارات، وصدام الحضارات، وحوار الحضارات، وكأنه حين يعود إلى منزله آخر النهار سواء كان يعمل عملا عائده مثل قلـته، أو كان يبحث عن عمل طول النهار دون جدوى، سوف يرجع ومعه كيلو ونصف “صراع حضارات”، وخمس لفافات “صدام حضارات”، يضعها جميعا أمام أطفاله حتى يناموا ليستيقظوا وقد أفاقوا من الصراع والصدام ، ليفطروا على ما تيسر من حوار الحضارات. إن كل هذه الألفاظ تحتاج إلى تعريف وتصنيف يكون بمثابة دليل يترجم للشخص العادى ما يعنيه منها حالا جدا.

نبّهنى أحد الأصدقاء إلى أننى أكتب على محورين يتداخلان حتى يحدث الخلط بينهما فتضيع الفائدة، المحور الأول هو ما أركز عليه من دلالة ما حدث من تهديد للنوع البشرى بأكمله، وماذا ينبغى أن يترتب على هذا الخطر العام، والمحور الثانى هو موقفنا الخاص جدا، فى مصر أفرادا وجماعات. قال صديقى : إن علىك أن توضح الفرق بين هذين المستويين، أن تفصل بينهما وأنت تشرح كلا منهما، ثم تبين لنا العلاقة بين الفعل الفردى، فالجماعى، في بلدنا هذه ، فى وقتنا هذا، بشكل يسمح للمواطن بالمشاركة. وكان قد وصلنى مثل هذا الاعتراض من غيره، فلزم التوضيح :

إن القوانين الأساسية التي تحفظ بقاء واستمرار أى نوع من الأحياء هى قوانين طبيعية تسرى على كل فرد من النوع مثلما تسرى على مجموع النوع، وما يهم فى هذا السياق هو التفرقة بين الخطأ الفردى العادى، والخطأ الفردى المتكرر، والدال على انحراف ما فى مسيرة التطور. إن الخطأ التطورى حتى لو أتاه فرد واحد لا تقتصر مضاعفاته على الفرد أو على مكان محدود. ثم إنه يغذى بعضه بعضا، ويفسر بعضه بعضا، رغم بعد المسافة واختلاف مرتكبيه.

نأخذ مثالا لذلك : إننا يمكن أن نقرأ نفس الدلالة فيما يقوم به شارون وناسه في فلسطين، وفىما حدث فى نيويورك وواشنطون (أيا كان فاعله) ، وفى هذه الإبادة العبثية المجرمة التي تجرى فى أفغانستان، كما نجد نفس الدلالة فى التمادى فى الكذب الذى يكذبه علينا أولو الأمر طول الوقت، وفى الغش الفردى والجماعى، وفى غسيل المخ الذي تقوم به شركات الدواء للأطباء. إن كل ذلك يتفاعل مع بعضه البعض ليشعل حريقا فى وعى الناس، وإما أن ننتبه جميعا لإطفاء هذا الحريق دون إطفاء الوعى معه، وإما الضياع الشامل.

من هنا وجب أن نهتم بوضوح اللغة من ناحية، وبالعمل على تسليك وإنارة قنوات التوصيل بين مستويات الخطاب، وأدوار البشر والمؤسسات من ناحية أخرى، لم يعد ينفع أن يكون البحث العلمى فى معمل أو برج علاجى، وصاحب المصلحة ينتظر نتائجه فاغراً فاه دون مشاركة. البحث العلمى الذى يخدم السلاح، وثراء وتعملق واندماج شركات الأدوية والسيارات هو أخطر على الإنسان المعاصر من الأعاصير والزلازل.

السياسة التى تفسد القوانين ، وتتجاوز العدل، وتستعمل الفيتو للتمادى فى القتل الرسمى، هى مسئولة عن الكوارث المتنامية من أول تعاطى المخدرات ودعارة الأطفال حتى مجزرة الأبرياء فى أفغانستان مرورا بالثلاثاء ، والأربعاء والخميس الأسود (فكل الأيام أصبحت أكثر سوادا)

تحريك

إن وظيفة من يكتب ، ومن يجتهد هي أن يحرك وعى الناس إلى قراءة ما يدور حولهم دون الاستسلام لتعليمات الأبلة ناظرة مدرسة العولمة . إن تحريك الوعى لمواجهة خطر الانقراض لا ينبغى أن يقتصر على لوم الحكومات، بل علينا أن نجد الوسيلة – إن عاجلا أو آجلا – لمواجهة غول الإعلام المغرض من ناحية، وخطيئة التسليم للحلول الجاهزة من ناحية أخرى.

الخطأ

إن الخطأ الذى وقع فيه أغلب الغرب ( أمريكا مثلا) والشمال (الروسي مثلا) والشرق (الصينى مثلا ) وكل من سار على شاكلتهم، هو أنه أغفل الإيمان إذ يتجلىّ فى سائر الأديان التى أثبتت نجاحها حضاريا وإنسانيا قبل أن يلى أمرها غيرُ أهلها. كل هؤلاء نفوا الدين من الحياة ردا على الذين أساؤوا استخدامه خصوصا في القرون الوسطى حين قهرت الكنيسة وما يعادلها فى سائر الأديان كل ما هو إبداع وحرية وتجربة، نتيجة لذلك انتقل البندول إلى أقصى الناحية الأخرى. بدلا من أن يحولوا دون استعمال الدين فى غير ما نزلت له الأديان. أصبح الدين فى هذه المجتمعات المدنية أشبه بالإضافات الاختيارية للوجود البشرى (شىء أشبه بما يسمّى الكماليات- Options- فى السيارات الفارهة). موقفهم من الدين يمكن ترجمته بلسان حال يقول : لا مانع أن تتدين، بعيدا عنــَّـا لو سمحت، أو : يمكنك أن تتسلى وتؤدى ما شئت من طقوس أيام الآحاد، أو قبل الأكل وبعده، أو : الدين ملطف لحرارة الجو والحكومة لا تمانع فى ذلك…إلخ. إن هذا الذى حدث له مبرر تاريخى وعملى، لكن استمراره هو ضد الطبيعة البشرية . إن التخلص من الدين تمّ وهم يتخلصون من رجاله ، فكان ذلك بمثابة من يرمى السلة بالطفل الذى بها، بدلا من أن ينقذ الطفل مما أصابه من أضرار ما بالسلة من بقايا الأمواس الحادة والآثار العفنة.

يقول مثلنا العامى: “إيش رماك على المر، قال الأمر منه”، وقياسا يمكن القول : إيش رماك على العلمانية قال سوء استعمال الدين ممن استولوا على حق تفسيره، واحتكار السلطة بواسطته”. العلمانية حين تمادت فى تهميش الدين والإيمان واكتفت باستعماله ديكورا للحياة كانت تقيم منظومة ضد طبيعة البشر، فصحّ أن نكمل القياس قائلين ” وإيش رماك على الإرهاب قال قهر العولمة و العلمانية” . إن الإرهاب الذى ينطلق من غضب متدين يائس لا يجد سبيلا سواه هو محاولة تشنجية لاستعادة الإنسان الحق فى الإيمان الذى هو من جذور طبيعة البشر، إنه أحد وجوه المحاولات الفاشلة لتعويض هذا الانحراف -بالعلمانية والمادية والعولمة – بعيدا عن الإيمان والفطرة. ثلاث محاولات لها نفس الدلالة في مواجهة هذا الانحراف عن الفطرة: الإرهاب ، والأديان الجديدة الشاذة، والإدمان (الذى هو بمثابة دين كيميائى يلوّث الوعى). وكلها سلبيات خطيرة مضاعفاتها بلا حدود ، لكن لها ما يبررها فى مواجهة قصور دين العلمانية واستعماله لصالح الاغتراب الكمّى، وتبرير الاستهلاك لتحقيق الرفاهية الرخوة.

دعوة

إن صحّت هذه الفروض، وثبت أن ما يحدث حاليا على مستوى العالم إنما يعلن فشل دين العلمانية الجديد، فليس معنى ذلك أن الإرهاب هو الحل، أو أن الرجوع إلى حرفية القديم هو الحل، إنها دعوة إلى النظر فى كيف ننطلق إلى هارمونية الإيمان لنكتمل به ونحن نستلهم النصوص الإلهية ونعيد قراءتها ،كما نعيد قراءة التاريخ ونحن نمارس الإبداع وندرب الوعى الناقد طول الوقت. إنها دعوة لتكامل الإنسان إذ يرجع إلى طبيعته كما خلقها الحق سبحانه وتعالى ، لا كما تولى الوصاة على الأديان في القرون الوسطى تشويهها، ولا كما تقزمت على أيدى العلمانيين على الجانب الآخر حين خافوا – بحق – من قهر رجال الدين فتنازلوا عنه كلية . أما كيف تتحقق هذه الدعوة فهذه مسئولية كل الناس طول الوقت ، ولسوف ننجح.

شكر

على الرغم من تصورى وضوح موقفى هذا كما أعلنتُه حالا ، وكما أُعلنُـه كلما أتيحت الفرصة، فإن الأخ الفاضل محمد إسماعيل يتهمنى بالعلمانية (الوفد، الجمعة 2 نوفمبر)، وإنى إذ أشكر له دعاءه الكريم لكلينا – فى ختام كلمته – أن يهدينا الله، أرجو أن يجد فيما سبق ما ينفى عنى اتهامه لى بالعلمانية. لكننى لا أستطيع – ولا أريد – أن أنفى عن نفسى فضيلة الجهل. ذلك أننى حين تحدثت عن عدم وجود حد الردة فى الإسلام لم أدّع أن هذا رأىى، وإنما أشرت إلى أن هذا هو الرأى الذي اقتنعت به من اجتهاد “رهط من الفقهاء المجتهدين كما اقتطفَ سيادته، وهم كثير من أول على عزت بيجوفتشى حتى أحمد كمال أبوالمجد،

أما عن العنوان المتسائل أننى أفهم الإسلام أكثر من أبى بكر الصديق رضى الله عنه ،فإننى أستسمحه أن يعيد النظر فى هذا التساؤل ، وبالذات مع هذا السلف العظيم الذى أحبه بقدر ما أحبّ هو رسول الله صلّى الله عليه وسلم. إننى أقرأ ما فعله أبو بكر فى موقف الحرب من خلال حبى له ، فأفهم أنه أقام حد الردة حين تساوى المرتد أيام الحرب مع ما نسميه الآن “الخيانة العظمى” حتى لا يذهب المسلمون إذْ يرتدوا بأسرار جيشهم للعدو، ولم أتصور- مهما روى الرواة -أن أبا بكر بالذات، ذلك الصدّيق الرقيق، يمكن أن يقتل إنسانا لمجرد أنه غيّر رأىه. وأخيرا فإننى أستسمح أخى الكريم محمد إسماعيل أن نعدل معا عن مثل هذا النقاش فى وقت نحتاج أن نُظهر للعالم كم أن ديننا أقوى من كل هذا، وهو أقدر على احتواء من ينتمى إليه، ومن لم يقتنع به بعد، ومن يراجع نفسه فيه، ثم يعود إليه، أو لا يعود، كلٌّ بطريقته. وحسابه على الله. إننا نحتاج أن يفهم العالَــم أننا لن نقتل جارودى الذى رحّبنا به في ديننا السمح إذا هو عدل عن رأيه ولو مؤقتا، ما دام ذلك لم يصل إلى ما يعادل الخيانة العظمى. إن ديننا الأقوى من كل من يتركه ، والأقدر على الاستمرار لصالح البشر بعد كل من يتركه، لا يضيره أن يغيّر أحد معتنقيه رأيه ما دام ليس خائنا.

دعاء

هدانى مجتهد لا أذكر اسمه إلى ما فى الإسلام من حقوق أشمل من حقوق الإنسان الشائعة حاليا مثل “حق الدعاء؛، و”حق الاستجابة”، (تطبيقا لمعنى : ذلك الأشعث الأغبر، الذى لو أقسم على الله لأبرّه، وأنه “فإنى قريب أجيب دعوة الداعى إذا دعانى” ) ، بهذا الحق، موقنا من الاستجابة، أدعو الله لى، ولأخي محمد إسماعيل، ولكل من ألقى السمع وهو شهيد أن نكون من الذين نستمع القول فنتبع أحسنه ، لنجعل من كل قول حسن فعلا حضاريا إبداعيا آنيّا، يُظهر للعالم كيف أننا إذا صرنا مسلمين بحق، فهم الكاسبون معنا. إن الإيمان الصحيح بمختلف تجليّاته الإبداعية المتجددة ، هو المكسب الباقى للبشرية كافّة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *