الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الوفد / عن “التصوف”، والسياسة (2 من3)

عن “التصوف”، والسياسة (2 من3)

نشرت فى الوفد

30-6-2010

 تعتعة الوفد

عن “التصوف”، والسياسة (2 من3)

جاءت نهاية المقال السابق هكذا “اكتفى بهذا القدر لأعود غاضبا لمناقشة مقال الشاعر الجميل فاروق جويدة” فى الشروق بتاريخ ( 23/5/2010) بعنوان: “لماذا خلطت الدولة بين الإخوان والطرق الصوفية؟”، وهأنذا أعود فأبدأ بالاعتراف بفضله إذ كان أول من رحب بقلمى فى الأهرام فى “دنيا الثقافة” التى كان يشرف عليها فى الثمانينات، ومازلت أعتز بنشره مقالا لى بعنوان: “بين التطرف والتعصب” (الأهرام 14/2/1980)، حيث كنت أدافع فيه عن معنى آخر للتطرف، وهو وضوح موقف صاحب الرأى أو العقيدة أوالأيديولوجى بشكل يحدد معالمه تماماً، وبينت فيه أن هذا الوضوح هو الذى يسمح لصاحبه أن يعلن موقفه، وفى نفس الوقت أن يراجعه، وينقده، وقد ينتقل منه إلى الطرف الآخر إن رأى ذلك بعد أن يمتلىء بموقفه الأول حتى تظهر له معالمه،  فالتطرف هو فضيلة على ذلك ضد الميوعة وفى مقابل ذلك فإن ما يسمى التطرف آنذاك (وحتى الآن) هو تعصب وجمود بلا حراك إلا التفجر، لم يتردد فاروق جويدة فى نشر المقال دون أى تحفظ أو تدخل، ثم تابعته شاعرا جميلا، وناقدا لاذعا وسياسيا موضوعياً، كل ذلك وغيره يسمح لى أن أقول ما سوف أقوله.

بدأ فاروق مقاله عن التصوف والاخوان بداية جميلة عن علاقته طفلا بحضْرات المتصوفة، وباستذكار دروسه طفلا فى المساجد، كما حكى عن حفظه أوراد الصوفية وتعلّمه أوزان الشعر منها…. الخ، فرحت بهذه البداية، وإن كنت افتقدت الربط بينها وبين العنوان، ما علينا فوجئت بعد ذلك بتعامل الكاتب مع التصوف الشعبى وكأنه تسكين دينى طيب مشروع ليس له علاقة بالسياسة، وبالتالى لا يصح أن تخاف منه السلطات، كما تخاف من الإخوان والإرهاب.. الخ .

وبرغم هذه البداية الشاعرية الصادقة، فإن ما وصلنى بعد ذلك من عموم المقال هو تأكيده على ما يلى:

(1) أن أغلب المتصوفين عندنا هم مجموعة من الناس الطيبين، المسالمين، الذين يمارسون التصوف كنوع من التسكين المشروع، يستبدلون بشقائهم الدنيوى، أفراح الروح، وأحلام الوصل.

(2) أنهم بذلك ليس لهم علاقة بالسياسة.

(3) أنهم من هذا المنطلق لا يوجد أى شبه بينهم وبين “الإخوان” الراغبين فى الحكم علنا، والخطرين على الأمن أحيانا، وهذا عكس ما يتصف به المتصوفة من رحمة ومسالمة (وسمعان كلام).

(4) أنهم مهما بلغ حبهم لآل البيت وتشفعهم بأولياءه، ليسوا من الشيعة وكأنه كان ينفى عنهم خطر التحيز إلى إيران أو حزب الله.

(5) أن منع الحضرات والموالد (بأى حجة ولو الوقاية من أنفلونزا الخنازير )، هو جزء من مخطط “أمريكى غربى لطمس هويتنا، بدعم قطيعة مغرضة مع الدين، ومنها حذف مادة الدين فى المدارس لتحل محلها مادة الأخلاق.

(6) أن هذا المنع لتدريس الدين، والحضرات فى المساجد، والموالد، لا يقابله منع لتجمعات اعتبرها جويدة دليلا مباشر على الانحلال والشذوذ، وقد أدرج معها تدريس الثقافة الجنسية بالمدارس.

هذه هى مجرد الخطوط العامة، وقد يتفرع منها المزيد وفيما يلى بعض المقتطفات والتعقيب:

المقتطف (1): “الطرق الصوفيه تضم أناسا تعلو بهم أرواحهم إلى سماء أخرى غير التى نعرفها”

التعقيب: هذا غير صحيح بهذا الاطلاق إلا لمن أساء فهم التصوف، فالتصوف الحقيقى هو ممارسة مجاهدة للغوص إلى عمق الوعى البشرى الجمعى على أرض الله التى نعرفها وليس إلى سماء أخرى.

المقتطف (2): فلماذا نحرم الناس من أشياء تمنحهم قدرا من الراحة واليقين فى هذا الزمان الصعب.

التعقيب: المسألة ليست حرمان الناس من قدر من الراحة واليقين وإنما هى الخوف الكامن فى منظومة أداء الحكومة خوف من حركيه الناس نحو وعيهم الجمعى بأجسادهم وأنفاسهم وتسبيحهم وذكرهم إلى وجه الحق على الأرض، والحق المطلق إلى وجه الله.

المقتطف (3): ليس للمتصوفين دور فى السياسة (ثم) ………

التعقيب: تعريف السياسة بعيدا عن الوعى الجمعى (الإيمانى عندنا خاصة) هو أمر يحتاج إلى مراجعة وسوف أعود له فى المقال الثالث الاخير. والتصوف الشعبى هو أحد تجليات الوعى الجمعى الذى هو البنية الأساسية للسياسة.

المقتطف (4): وهذا يعنى أنه لا خوف على الأمن من حلقات الذكر ولا خوف على الاستقرار من مريدى الطرق الصوفية.

التعقيب: وصلتنى محاولة ساخرة لطمأنه السلطة (الأمن) من سلامة نوايا هؤلاء السذج المسالمين الباحثين عن الراحة فى السماء دون الأرض، فهل يقصد الكاتب طمأنة السلطة أم طلب السماح

المقتطف (5): … فهم لا يعرفون العنف ولا يؤمنون بالسيرك السياسى وليست لهم مطامع فى سلطة …… إنهم هاربون من عبث الدنيا إلى راحة البدن والضمير.

التعقيب: هذا النص بالذات هو تأكيد لما وصلنى من اختزال التصوف إلى هذا الوجه السلبى الهروبى حتى لو كان هذا الهروب من عبث الدنيا إلى راحة البدن والضمير.

المقتطف (6): هل استطاعت الدولة أن تمنع حفلات الزار وحفلات الرقص وما يحدث فى النوادى من حفلات صاخبة & شئ غريب أن تغلق الحكومة المساجد امام شباب فقير يريد أن يذاكر فيها وتنفتح آلاف الأبواب لأغانى العرى والشذوذ فى النوادى والملاهى لهم.

التعقيب: تعجبت من شاعر ناقد سياسى تنقلب المسألة عنده مهما كانت الاسباب والمبررات إلى دعوة إلى امتداد المنع إلى ما هو أحق بالمنع، فالأصل هو السماح فى حدود حركية الإبداع وطلاقة الوعى، الحل يا فاروق ليس فى أن تمتد مظلة المنع إلى ما تراه فسادًا وشذوذا، وهو غالبا كذلك، لكن شاعرا مثلك لابد أن يثق أن المجتمع الصحيح قادر أن يضع بنفسه الحدود لما يمارس علانية، وما يسمح به سرا، ولابد أنك تعرف جيدا أن ما يمارس فى الخفاء هو أضعَاف ما تسمح به الحكومة. ثم إنك تضيف “إنه لا مانع (لدى الحكومة) من أن يقام حقل ساهر لمطرب انجليزى شاذ ولا تقام أمسية لأحد رجال الدين الأجلاء” وليس إلى علمى أن الحكومة يا فاروق منعت أحد رجال الدين الأجلاء أن يقيم أمسية، خصوصا إذا كانت هذه الأمسية توصية بطاعة أولى الأمر وتحذيرا من أى اجتهاد يجدد الدين.

المقتطف (7): لم يكن تاريخ التصوف فى كل مراحله فى الاسلام دعوة للعنف لقد كان دائما دعوه للتسامح والمحبة.

التعقيب: إن تاريخ التصوف ملئ بالثوار المبدعين الشجعان، الذين واجهوا السلطات الدينيه والسلطات السياسية بل والاستعماريه بكل بسالة حتى الموت، جويده وهو الشاعر القوى الجميل يعلم أن الحلاج لم يُعْدَم لأنه “باح” بتفاصيل رحلته ومعايشه مناجاته لربه بداخله وخارجه، وإنما أعدم لأنه أثار العامة ليأخذوا حقوقهم من السلطان،

المقتطف (8): “وقرارات بتدريس التربية الجنسية”

التعقيب: أنا معك يا فاروق فى التحذير من تدريس التربية الجنسية، ليس لأن فى ذلك إباحية أو تعريه وإنما لأن الذين سوف يدرسونها لا يعرفون الجنسُ البشرى أو التواصلى أصلا، حتى لو أنجب الواحد منهم عشرة أطفال، الجنس يا فاروق شعر آخر، صلاة أخرى، فمن أين لمن يُدرس التربية الجنسية بذلك إلا من معرفة صوفية أرقى.

وبعد

أكتفى بهذا القدر لأختم المقال بعيدا عن جويده وغضبى وحبى وكل ذلك، بأن أعدد بعض تشكيلات التصوف.

آملا أن أنجح فى عرض بعض ملامح أخرى لتشكيلات التصوف مثل الشعبى الراقص والتصوف المعرفة والتصوف الجهاد الأكبر والتصوف الكدح إليه والتصوف الثورة والتصوف الشعر

وأنا أرى أن كل هذه الأنواع هى فى بؤرة السياسة.

وإلى المقال القادم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *