الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الوفد / أمة مهددة بالجهل والجمود: “التعليم هو الحل!!” (1 من ؟)

أمة مهددة بالجهل والجمود: “التعليم هو الحل!!” (1 من ؟)

نشرت فى الوفد

29-9-2010

  أمة مهددة بالجهل والجمود: “التعليم هو الحل!!” (1 من ؟)

ليس صحيحا أن: الديمقراطية هى الحل (بأمارة العراق)، أو أن الإسلام هو الحل (أى إسلام؟ بولاية من؟) أو أن الاستقرار بقيادة الرئيس – أطال الله عمره– هو الحل (بدءا بالتوجيهات وليس منتهيا بالتدخل الحاسم فى آخر لحظة، وأيضا فى آخر فرصة، من أول مشكلة القضاء مع المحامين حتى موقع المفاعل النووى فى الضبعة،أو أن  التوريث هو الحل، (حتى لو لم نسمه توريثا حسب نص الدستور) …إلخ

كل هذا ليس حلا  على ما يبدو، الحل الحقيقى الذى ظهر فى الساحة مؤخرا يقول: “التعليم هو الحل”!!!

“الله نوّر!!!”،

 قيل وكيف كان ذلك؟

ولكن دعونا نتساءل ابتداء :

  • هل الحال التى آل إليها التعليم هى السبب في ما آل إليه حال شبابنا أولا، وأمتنا ثانيا،  بما يشمل المدرس والمهنى، والسياسى، والعالِم العلامة، والأسرة، والثقافة، والإبداع؟ أم أنها نتيجة لمنهج عام فاشل يحتاج مراجعة فورية،  وحل جذرى ربما يصل إلى مغامرة الثورة؟
  • نصيغ السؤال بشكل آخر: هل يمكن أن يفرز حال البلد، دولةً، ونظاماً، ومسئولين، وحواراً، وزراعةً، وصناعةْ، إلا هذا النوع من النشء، الذى يتعاطى هذا النوع من التعليم ؟
  • هل لو أننا حللنا  مشاكل التربية والتعليم بأية طريقة سلطوية،  حماسية، إسعافية، سريعة، حسنة النية، سوف نصحح ما آل إليه الحال بدءا من التجهيل المنظم، حتى الغش المشروع، مرورا، بالامتحانات الميسرة، والدموع الجاهزة فى مواسم الامتحانات؟
  • هل لو استنسخنا أسلوب التربية والتعليم من بلد متقدم جدا، مثل أمريكا، أو بلد منضبط جدا مثل الصين، سوف نحقق نتائج تربوية، وسياسية، وإنسانية، وإنتاجية، وإبداعية مثلما حققوا؟ مع أننا نختلف عنهما فى كل شىء؟
  • هل توجد علاقة خاصة بين ما آل إليه حال التعليم وما آلت إليه حالة الأخلاق بوجه خاص؟
  • هل توجد علاقة بين جمود التعليم وبين تجميد الدين  تحت وصاية من احتكروا تفسيره وجمّدوا الاجتهاد فيه، واستعملوه إما للتسكين، وإما للوصول إلى الحكم، وإما لقهر التفكير، وإما للترويح بعض الوقت؟ (ناهيك عن استعماله للقتل أو للتجارة)؟
  • ثم ما هى مسئولية  المعارضة فيما وصلنا إليه؟ وبما أننا ليس عندنا معارضة تهدد الحكام  بتداول السلطة، ومن ثم لها “وزارة ظل”، فنقصر السؤال على : ما هى مسئولية صحف المعارضة على الأقل فيما آل إليه حال التعليم هكذا؟
  • ثم ما هى المحكات التى نقيس بها نجاح عملية التعليم؟ سهولة الامتحانات على الطلبة والطالبات، ومن ثَــَـمَّ: رضى أولياء الأمر عن أسئلة حساب المثلثات والكيمياء الحيوية؟ أم ابتسامات وتصريحات وزراء التربية والتعليم ووعودهم؟ أم أعداد المقبولين بالجامعات؟ أم انتشار الجامعات الخاصة والأكاديميات الملتبسة والمعاهد العليا التجارية؟ أم استمرار طلب المعرفة مثل الإقبال على القراءة بعد التخرج من أية مرحلة؟ أم المشاركة فى الانتخابات؟ أم أن كل هذا ليس له علاقة بكل ذلك؟
  • ما هى علاقة اقتراحات تقويم التعليم بلجان وآليات خارج الامتحانات الرسمية بالجارى الآن؟
  • ما هو الاسم الحقيقى لمراكز الدروس الخصوصية؟ (حتى لو أغلقت واكتفت بالاسم الحركى: “المدارس الأهلية فى المنازل السرية”؟)
  • هل الكادر الخاص للمدرسين بما ثار حوله من حوار وإجراءات وامتحانات وتمويل أرهق خزينة الدولة دون أن يغنى المدرسين، هل هذا الكادر قد أنقص فعلا من حجم الدروس الخصوصية ؟
  • أليس الأجدر أن ننتبه إلى جذور المشكلة، وأنها سياسية فى المقام الأول،  لها تجليات فى التربية والتعليم والاقتصاد وجمع القمامة وفقر الإبداع؟

سوف أتوقف عند هذه الأسئلة الآن، مع أنه ما زال عندى الكثير، لأننى شعرت فجأة أن الإجابة على كل سؤال من هذه الأسئلة تحتاج مقالا مستقلا بأكمله، إن لم تحتج إلى كتاب أو كتب، ثم إنها إجابات مضرة بالصحة التفاؤلية التى أصر على التمسك بها برغم أن زملائى واصدقائى يعتبرونها مرضا عضالا.

أتصور أن كل ما أستطيع أن أقدمه فى هذه المقدمة، مع تقديرى لنشاط وحماس وحركية وتصريحات ونوايا السيد الفاضل وزير التعليم هو عناوين لانطباعات وتوصيات قد أعود إليها أو لا أعود حسب تصورى للفائدة المرجوة منها بعد الغم الواجب، ومن ذلك:

أولا : إن كل ما يقوم به السيد الوزير هو نشاط جيد جدا من فرد متحمس جدا، فشكرا

ثانيا: إن كل ما يقوم به السيد الوزير، كما وصلنى حتى الآن، لا جدوى منه، فى واقع الحال، وفى نهاية الأمر، بل إن ما وصلنى من كل هذه الأنشطة والإجراءات والجزاءات، والخط الساخن، والتهديدات، والوعيد، والوعود، قد يترتب عليه عكس المراد منه تماما، تماما،   لا قدر الله.

ثالثا: عملا بتوصية السيد الوزير، بأنه من رأى منكم منكرا فليتصل بالرقم الفلانى، هأنذا أبرئ ذمتى، (مع احتمال خطئى) فأعلن أننى باستعمالى المنهج الفقهى الأوسع أنه “لا ضرر ولا ضرار”، أرى فى كل ما يحدث ضررا بالغا على الجميع، فهو – ولا مؤاخذة – منكر أبلغ عنه ربنا، ثم الوزير، وأستغفر الله العظيم.

وبعد

انتهى المقال منى أو كاد، وأنا لم أقترح اقتراحا واحدا بديلا، ولم أحدد أى ضرر تفصيلا، ولم أتناول أى إجراء ناقدا، وحقيقة الأمر أنه ليس عندى أى شىء جاهز من هذا كله، مع أنه ضرورى، لذلك أتعهد إن وجدت أية بارقة أمل فى إنصات مسئول، أتعهد بصفتى مجرد مواطن يصر على التمسك بتفاؤله تبريرا لاستمراره حيا، أتعهد أن أرجع بالتفصيل إلى أغلب ما طرحت من تساؤلات، وأكتفى الآن بطرح التوصيات التالية :

  1. أوقفوا جريمة تدخل الإعلام (معارضة ومؤايدة) فى تقييم الامتحانات صعوبة وسهولة، من واقع دموع الأمهات، وصور مراسلى الصحف، فالمسألة هى امتحانات، وليست رشاوى انتخابات
  2. أوقفوا ترديد التصريحات المعيبة:  أن الامتحانات من المقرر جدا، لأن الامتحانات، أساسا، أو أيضا، هى لتقييم حركية التفكير والقدرة على حل المشاكل، (وهذا خارج مقرر البلد كلها) وليست لمجرد اختبار متانة مخزن تكديس المعلومات، والقدرة على استرجاعها لتصحح “بالشفافة”
  3. أوقفوا إعلان النتائج بالنسب المئوية (كذا %) فكل النتائج فى العالم هى “تنافسية”، (أى مجرد إعلان ترتيب المتقدم بين أقرانه من المنافسين، لو حتى حصل الأول ترتيبا على 60 %)
  4. احترموا قانون السوق ما دمنا اخترنا اتباعه مضطرين (مع أنه  سوف يخرب اقتصاد العالم بإذن الشيطان المالى السرى الحالى) : وتذكروا أهم آلياته مثل : العرض والطلب، وأن البضاعة الجيدة تطرد البضاعة الرديئة، وأن الزبون دائما على حق، وأنه “اللى تغلب به إلعب به ” ، وأن البقاء للأكثر شطارة باللغة السائدة، وذلك  قبل هجوم الضبط والربط والترهيب والإرهاب.
  5. فسروا انتشار الكتب الخارجية، ومراكز الدروس الخصوصية، (المدارس البديلة) ، بما جاء فى البند “3” لو سمحتم ، إفعلوا ذلك أولاَ لتفهموا سر رواج ما تحاربونه تحت شعارات أخلاقية خائبة، وسوف تتضح لكم حقيقة المعركة التى أشعلتموها مع نشاط المراكز، والكتب الخارجية، والغش، والتسرب،…إلخ
  6. إعلموا أن ما نفعله اليوم – فى مجال التعليم بوجه خاص – لن نعرف حقيقة نتائجه الكارثية (أو الإبداعية !!!) إلا بعد عشرات السنين، وساعتها قد لا تكون هناك فرصة لا للتربية، ولا للتعليم، وربما، ولا للحياة بشرا لنا كرامة ، نمارس  الإنتاج لتعمير الأرض، والإبداع لتحقيق ما خلقنا الله به، وله.

ولنا عودة. (غالبا) وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *