الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الوفد / والديناصور يقرئكم السلام

والديناصور يقرئكم السلام

الوفد:3/9/2001

(والديناصور يقرئكم السلام)

..وتعـلّم كيف تكره ..!

من لا يعرف كيف يكره، لا يعرف كيف يحب. الكراهية مسئولية وحصافة. لا بد أن نعرف من نكرهه، وكيف نكرهه. من السهل أن تكره هذا الوغد شارون، لكن الكراهية الأذكى هى التى تفقس لزوجة وكذب شيمون بيريز فتكرهه أكثر فأكثر. من الطبيعى أن تكره إسرائيل، لكن الأوْلى والأنفع للبشر كافة أن تكره أمريكا، والأهم أن تكره ما  تمثّله، وأهم الأهم، أن تستطيع فى نفس الوقت أن تشفق على ناس أمريكا، وبعض ناس إسرائيل.  يقول المثل المصرى “أحب الناس، وأكره طبعهم”، ونقترح -بالقياس- مثلا سياسيا يقول، “أحب الناس وأكره ظلم دولهم، وغباء ساستهم، وسفالة قتلتهم”.

انتهى منى المقال السابق وأنا أحمّـل القارئ ونفسى – كلا على حدة – مسئولية مواجهة ما وضعتنا  الانتفاضة أمامه، وتساءلتُ هل نستمر نلعن الحكومات، ونستنفرالشارع، وننتظر بيانات وتوصيات وتصريحات أهل القمّة، سواء صدرت من مؤتمر القمّة أم من أى قمّة عربية أو غير عربية، أم سيبدأ كل منا من موقعه حالا، يعيد حساباته، وينظر فى نظام حياته اليومية، وفى وقته، بل وفى عواطفه، ليتبين: أين هو، وماذا يمكن أن يغيّره فى نفسه الآن وليس بعد. حتى لا يكون شريكا في هذه الجرائم؟

إن  ما أطالب به نفسى والقارئ  من دعوة للجهاد الأكبر هو فرض عين لا فرض كفاية، وفرض العين هو ما يتحتم فعله على كل فرد دون استثناء من أول رئيس الجمهورية حتى خفير فى عزبة المظاطلي مركز طامية/الفيوم، فرض العين إذا قام به البعض لم يسقط عن الباقين. فلينظر كل منا فيما يفرّط ، وفيما يستسهل، وكيف يستهبل. فإن لم يستطع فعل شئ محدد، أو اكتفى بالسخرية، وربما بالشفقة متهما إياى  بالمثالية أو الخطابة، فعليه أن يغيّر المنكر الجارى  بأضعف الإيمان. يغيّره بقلبه.

قيل:وكيف كان  ذلك؟

مادمنا أنت وأنا ليس فى  أيدينا حجر الآن، ولا حول وسطنا حزام ديناميت؟ ولا نشرُف بقيادة سيارة ملغومة؟ ماذانفعل؟ أقول فورا: نكره ، ونغضب، ونرعى كراهيتنا وغضبنا حتى يولّدا فعلا داخلنا، فخارجنا، فلَـنَا، فلَـهٌم، مهما طال الزمن.

حين قال شعبان عبد الرحيم قولته الشهيرة “أنا باكره إسرائيل”، لم يكن يغنى طبعا، لكنه التقط  أن هذا هو أضعف الإيمان، وأن الشعب لا يملك إلا أن يمارس أضعف الإيمان. فقالها شعبان نيابة عنا، وصفق الناس، واحتجّت إسرائيل، ورحل عمرو موسى إلى الأمانة الظليلة بعيدا عن الحب والكراهية جميعا، وخلاص.  إن التوقف عند حشرجة شعبان عبد الرحيم، أو حتى عند تصريحات الأمين العام، وله عذره،  أنه “جدا جدا”، وأننا “فعلا قطعاً”، وأنهم “طبعاً قمْعا”، هو إجهاض للكراهية وليس إضراما لنارها.

لا يكفى أن تعرف من تكره، ولكن عليك أن تعرف كيف تكره،  الكراهية ليست فقط رغبة فى الانتقام أو حفزا للقتل، إن مِن صدق كراهيتك أن تشحذ حسك الرافض، فتستطيع أن تحسن قراءة التصريحات، وأن تتفهّم سائر المناورات ..إلخ.

قراءة كارهة لتصريحات باوتشر

خذ عندك قراءة كاره لأمريكا- مثلى – وربيبتها إسرائيل، وبالعكس، وقارنها بالتهليل الذى هللته الصحف لتصريحات ريتشارد باوتشر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية بعد اغتيال الشهيد أبو علي مصطفى. ماذا قال باوتشر حتى نفرح كل هذا الفرح؟ قال إن إسرآئيل تذل الفلسطينين، هل هذا تأنيب لإسرائيل أم معايرة لنا  بأننا  أذلاء لا حول لنا ولا قوة. ثم إنه راح ينفى أن أمريكا قد أعطت الضوء الأخضر لاغتيال القيادات الفلسطينية، وكأن الأضواء الخضراء للقتل تُعطى فى أروقة الأمم المتحدة أو عبر مواقع المتعة على شبكات الإنترنت. إن مثل هذه الأضواء الخضراء إنما تُرسل بالأشعة تحت الحمراء عبر أجهزة المخابرات. ثم إن باوتشر- بعد طول تفكير -عاد يطالب الجانب الفلسطينى والإسرائيلى (لاحظ ذكر الفلسطينى أولا) ببذل قصارى جهدهم (لا مجرد جهدهم، ولامؤاخذة)  لتجنّب الأعمال التى من شأنها زيادة الوضع سوءا، لماذا لم  تركّز  وسائل إعلامنا  على فضح هذا اللعب بالألفاظ؟ هذا التكرار القبيح لنفس الكلام؟ لأننا لا نكره بالدرجة الكافية، ولا بالحذق المناسب.

 الخطير فى الأمر أننا بعد  أن نقرأ كل ذلك، ليس فقط منذ عشر شهور، ولكن منذ نصف قرن، بل يزيد. نمارس حكومات وشعبا كل ما يدل على الود والتفهّم والتفاؤل الحذر من أمريكا ومعها، نحن نستعبط حين  نفرق بين أمريكا وإسرائىل. إن العرب بعد كل هذا، وعلى الرغم من الزعيم شعبان عبد الرحيم، يستوردون السلاح منهم، وينتظرون رضاهم، ويتمنون مباركتهم خطواتهم واحدة واحدة، كله بالحساب، نحن  نتبع  قيمهم، ونستلهم ديمقراطيتهم باعتبارها المثل الأعلى للإنسان المعاصر، ثم  ننتظر  تقاريرهم لنعرف هل  أخذنا  ثمانية على عشرة فى مادة حقوق الإنسان، و لماذا أخذنا سبعة على عشرة فى عدم اضطهاد الأقليات…إلخ

وتعلّم كيف تكره

دعونا نقولها صريحة: نحن نحب الأمريكان، ونأكل الماكدونالد، ونشرب الكوكاكولا، وندخن الكِنت، وغاية أمل أبنائنا هو الجامعة الأمريكية. حتى السيد شعبان أخرج شريطا مؤخرا يدعو فيه للسلام، يبدو أنه شريط خرج بوصاية الراعي الأوحد لمسيرة السلام. يردد الزعيم  شعبان  فى هذا الشريط كلاما خائبا مثل كلام الساسة عن استراتيجية السلام، وآخر الحروب. يقول شعبان فى شريطه :إم إم إم إم أمريكا أنه “.. مشغول بالناس تملّى، وقضية السلام..” ، سلام  ماذا يابو عبد الرحيم؟ خيبك الله، و هدانا وإياك إلى الكراهية الكرامة. ألم تسمع عن واحد اسمه “محمد عبد الوهاب” كان يقول لنا”كنت فى صمتك مكره”….إلى أن قال : “وتعلّم كيف تكره” ؟

قاومهم بقلبك بدءا من الآن

إننى أحمّل كل واحد منّا لا يعيد النظر فيما فى قلبه من عواطف (وهو أضعف الإيمان) تجاه هذا الكيان المتوحش المسمى أمريكا، أحمّله مسئولية قتل الأطفال فى فلسطين، ومسئولية تدنيس المسجد الأقصى (واحتمال هدمه) ، ومسئولية إذلال الفلسطينيين، بل إذلال وإهانة كل العرب، والمسلمين (دِرْ  باَلَــكْ). إن إعادة النظر  فىما هو أمريكا هو ضرورة لا مفر من مواجهتها، نحن نحتاج أن نعيد النظر لا لنكتب المقالات، ولكن لنشتعل غيظاً فعلاً مغيّراً،  لم يعد المطلوب هو إعادة النظر حتى نكتشف أن أمريكا  متحيزة جدا، فنطالبها – بكل صداقة – أن تتحيز نصف نصف، .المطلوب هو إعادة النظر منا فردا فردا، دون انتظار قرارات الحكومات. لنكره كل ما تمثله أمريكا وإسرائيل مما يهدد النوع البشرى.

إن الزعم أن ديمقراطية أمريكا هى غاية المراد، وأن نظام السوق الذى تمثله هو حل لمشاكل  اقتصاد العالم، وأن مواثيق حقوق الإنسان التى تزعم تبنّيها هى العدل الممكن على هذه الأرض بغض النظر عن الذى ينفذها، والذى يحددها، والذى يقيّمها.  إن كل هذه المزاعم  لا بد أن  توضع فى بؤرة وعى كل منّا لكى نفيق من وهم ما يشاع عنها، فنقبل ما نختار، ونجتهد فيما عدا ذلك، ، وإلا فلا جدوى من أى شىء.

حقيقة أمريكا (إسرائيل).

ربما يكتب التاريخ – إن لم ينقرض الإنسان نتيجة لتراكم حساباتهم الخاطئة – أن هذا الكيان الكمّى المتعملق المسمّى أمريكا، وهو الذى أفرز إسرائيل وبالعكس، هو أكبر خطأ تطورى ظهر فى تاريخ  البشر. إن أمريكا تمثل (1) حضارة الجزء اللامع من العقل البشرى دون الوعى البشرى (2) ومواثيق حقوق الإنسان المكتوبة دون حقوق الإنسان الحقيقية (3) كما تزعم  قبول الاختلاف (تفويتا) دون جدل الحوار الحقيقى (4) وهى عنوان غطرسة القوة دون زهو الفروسية (5) وهى رمز شفافية المعلومات دون مصداقية المعرفة.

كل هذا لا بد أن يتمثله كل واحد منّا كاحتمال قائم، يقبله أو يرفضه كما يشاء، لكن على كل متحيز لأى أمريكا، مخدوع بها، مقتدٍ بِــُمثلها، أن يراجعَ نفسه مع كل رصاصة تسكن فى قلب طفل، مع كل بيت يهدم، مع كل زعيم يغتال، مع كل بيارة تنزع أشجارها.  إنها أمريكا التى تفعل كل هذا وليس فقط إسرائيل، ليست أمريكا بمعنى الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، ولكنها أمريكا فى أى مكان تحت أى مسمّى، أمريكا هى اللعب فى  بورصات العالم، وهى  الشركات المتعددة الجنسيات، بل إننى أحيانا أذهب-ربما مخطئا –  إلى أن أمريكا هى الصين من حيث ما تمثله الأخيرة من تعملق مادى يتدرب للإغارة على الوعى البشرى بفيض من المنتجات الاستهلاكية الهشة على حساب القيم، وقد يفسّر لى هذا الخطأ لماذا  هى الدولة “الأولى بالرعاية”

حتم الإبداع للبحث عن بديل

إن تغيير المنكر بقلبك لا يعنى التوقف عند مرحلة الرفض (والزعل جدا)، إن مشاعر الرفض والغيظ والتمزق هى الأرض التى سوف يترعرع فيها الغضب، والتحدى، فالإنجاز، والإبداع.

 إننا حين نرفض ديقراطية أمريكا لا بد أن نبحث عن سبيل آخر لتحقيق الحرية، وحين نرفض مواثيق حقوق الإنسان المكتوبة لا بد أن ندرس كيف يمكن أن نحافظ على العقد الاجتماعى الأخلاقى الذى ما زال – رغم كل ما ينشر مؤخرا عن جرائم جديدة علينا – سائدا في شوارعنا وفى بيوتنا.

إننا انطلاقا من هذه الكراهية البناءة قد نصل إلى نماذج  أفضل للحياة، لا يمكن أن يقتصر عائدها علينا وحدنا، إن أول من يمكن أن يستفيد من إبداعنا هم هؤلاء الذين نكرههم. أليسوا بشرا ورّطتهم أنظمتهم، وجشع حكامهم، وغباء أثريائهم فيما يهدد نوع وجودنا برمّته.

الديناصور يقرؤكم السلام

إن أزمة الإنسان المعاصر تحتاج من كل عقل ووعى بشرى أن يجتهد دون توقف. إن مصير نوعنا هومسئولية كل واحد منا. هذا شأن لا تحله الأمم المتحدة، ولا البيت الأبيض، ولكن سيحلّه الناس حين يفيقون، وينتقدون، ويبحثون عن بدائل، ويبدعون حلولا غير أمريكية.ليس معنى انهيار الاتحاد السوفيتى (الوجه الآخر لأمريكا، وإسرائيل) أن تستفرد أمريكا بالعالم ليكون  الحل هو هذا القتل الجارى بالجملة  فى فلسطين، تحت مظلة المخدرات الإعلامية والإعلانية ، السياسية والتجارية، التى توزع عبر شبكات غسيل المخ،  ومؤسسات غسيل الأموال فى آن واحد.

هذه الأرض لنا جميعا، ونحن لنا عقول مثل عقولهم، وضمائر مثل ضمائرهم (وربما أفضل). إن الإنسان يحتاج إلى إفاقة تعيد النظر فى كل ما جعل إسرائيل، أقبح إفرازات التطور البشرى، تتطاول كل هذا التطاول، وتظلم كل هذا الظلم، تحت رعاية أغبى ما حقق الإنسان من قوة السلاح الأعمى ، والحسابات الأغشم (أمريكا)

الكراهية تولد التحدى، والتحدى حفز الإبداع.

نحن مسئولون معهم، عنهم، وعنا، على الرغم من ضعفنا وتخلّفنا .

إما أن نتحمّل مسئوليتنا معا، أو نستسلم للانقراض.

والديناصور يقرؤكم السلام.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *