الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الوفد / أكلة لحوم البشر “الكانيباليون” فى بورسعيد

أكلة لحوم البشر “الكانيباليون” فى بورسعيد

الوفد

08-02-2012

أكلة لحوم البشر “الكانيباليون” فى بورسعيد

أصبحت صفة الكانيبالية صفة عالمية فى دنيا الاقتصاد عبر العالم، وهى كلمة معربة عن “cannibalism”، وتعنى أكلة لحوم البشر وهى تستعمل فى دنيا الاقتصاد العالمى الأحدث، تشير إلى تلك المجموعة الظاهرة والتحتية التى تدير العالم لحساب المال ومزيد من المال ولا شئ غير المال، ومن ثَمَّ السيطرة على العالم وتقسيم البشر إلى سادة يحكمون ويتحكمون ويلتذون ويركبُون، وعبيد يتبعون ويخدمون ويُستعملون ويُسَخَّرون، ويستهلكون (إن أمكنهم)، وعلى من يريد أن يتعرف على مزيد من أبعاد المصطلح فى مجال الاقتصاد العالمى أن يدخل إلى “جوجل” ويكتب “الكانيبالية المالية” وسيجد ما يفيده أن يكمل هذا المقال، وعلى من ليس عنده هذه الأداة أن يسأل من عنده، أو ليقرأ ما يلى كعينة من مقال من 78 صفحة كتبه جورج حداد سنة 2007 بعنوان “الكانيبالية الامبريالية العالمية وعملية افتراس الشرق الأوسط الكبير”:

“…في الازمنة الحديثة، اصبحت الحكومات الرأسمالية، وبرغم كل التبجحات “الدمقراطية”، لا اكثر من “واجهات” للكتل المالية الكبرى، التي تدير العملية السياسية برمتها. والكتل المالية الدولية هي اقوى من الدول الكبرى ذاتها، بل هي التي تحرك الدول الكبرى، ناهيك عن الوسطى والصغرى”.

………..

“ولهذا فإن الشرط الاول لتحقيق “المنطقة المالية ـ التجارية المفتوحة” في الشرق الاوسط هو: تفتيت المنطقة تفتيتا تاما، التدمير والقضاء التام على المجتمع العربي بمعناه الحضاري والتاريخي والسياسي، والمسخ التام لمفهومالمواطنة بمعناه الوطني والدولوي والحقوقي؛ وتحويل بقايا المواطنين الى “سكان” “مقيمين” (لا أكثر)

……….

……….

وهكذا نجد أنفسنا، (الشباب والشعوب الجائعة للحرية والكرامة)، امام خيارين كتبهما الكاتب فى آخر المقال منذ سنوات:

  • إما الزوال من الوجود تماما، بواسطة الاحتلال الخارجي، والاقتتال الداخلي، واستيلاء “شعب الله المختار” على الأرض العربية بعد تفريغها من سكانها الاصليين.
  • وإما التحول الى مجموعات من العبيد في خدمة الامبريالية الاميركية والصهيونية العالمية تحت شعار “السلام” مع اسرائيل.

كُتِبَ هذا المقال، ومثله كثير قبله وبعده، مدعما بالأرقام والأسانيد والشواهد التاريخية والحالية، وكلما ألمح إليه معلق أو محلل سياسى اتُّهِمَ بالتفكير التآمرى، وبأنه يريد أن يحرم الشباب والشعوب من شرف الثورة، مع أن الوعى بهذا الوضع العالمى الواقعى هو الذى يمكن أن يسمح للثوار والشعوب أن يقتنصوا المكسب ويحولوه إلى حساباتهم التطورية، والحضارية، حتى لو كان المحرك الأول هو من أكلة لحوم البشر، أما الاكتفاء بالفرحة بالقشرة دون الوعى بما تحتها فهو الخطر الأكبر:

ننتقل الآن إلى بورسعيد،

تم الاتفاق على استدراج شباب الألتراس، لوفرة نشاطهم وسهولة اصطيادهم وكونهم رمزا جيدا لشباب الثورة، استدراجهم بخطة جهنمية إلى فخ نصبه الكانيباليون المقيمون فى طره (غالبا) بالاتفاق مع الكانيباليين العالميين، (غالبا) (ضمن تفكيك وإفقار الشرق الأوسط واستغلال موارده لضمان عدم استقلاله الاقتصادى) هذا الفخ هو تحويل نشاطهم وغضبهم إلى مزيد من التوقف عن إكمال أهداف الثوره عند مرحلة الشماته والتخوين والمآتم والانتقام والتعويض والطبطبة والوعود، ومن هذا المنطلق نستطيع أن نقرأ أن ما حدث فى بورسعيد لم يكن احتجاجا، ولا فرحة بالنصر ولا شماته لثأر قديم ولا مجرد إثارة الشغب، كما لم تكن له علاقة بكرة القدم أصلا وإنما كان مخططا مدبرا تدبيرا سافلا محكما لا يخرج إلا من عقول مجرمى أهل طره، ولم أكن أحسب أنهم بهذا الذكاء المفترس، إلا أننى بعد حيرة أربعة أيام وصلت إلى الفرض التالى تفسيرا لما حدث:

لاحظ هؤلاء المجرمون فى سجنهم وخارجه أن هدفهم راح يتحقق خلال العشرة أشهر الماضية من حيث لا يحسبون، فقد توقفت الحركات الشعبية الثورية طوال العالم منذ موقعة الجمل على الدوران فى دورات مغلقه من الثأر والانتقام والمطالبة بالإعدام (وليس حتى القصاص) والإسراع بكل ذلك على حساب مسيرة الثورة بالإضافة إلى التركيز على أولويات المطالب الفئوية والشكلية والتشكيلية…الخ

نتيجه لكل ذلك ومع تعثر تكوين ما يسمى “دولة”، تركز العمل على إحباط أو تعطيل أو تشويه كل المؤسسات اللازمة لتكوين دولة، سواء فى ذلك المؤسسات المؤقتة مثل المجلس العسكرى أو المؤسسات الراسخة مثل مؤسسة القضاء، أو المؤسسات الجريحة مثل مؤسسة الشرطة، ليكن لكل ذلك مبرراته الموضوعية والعاطفية والوطنية، لكن أن يتوقف كل نشاط الناس (والثوار) عند هذا المستوى فنحن نحقق أغراض الأعداء حرفيا، هكذا رحنا، بغباء أو عمى أو جهل نخدم كل أهداف الخونة والمجرمين السابقين واللاحقين طوال العام،

وصل ذلك إلى الكانابليين فى الداخل (عصابة طره) والكانابليين فى الخارج (الشركات العابرة والمالية العالمية المفترسة وأمريكا واسرائيل ومن إليهم) واكتشفوا حجم المساحة من الوقت والجهد والعواطف والمال التى يستولى عليها منا “شهيد واحد”، وكلما زاد عدد الشهداء واختلفت الآراء فى تحديد القاتل وتأخرت المحاكمات زاد الحقد، والنعيب، والصراخ، والوعيد، فيا فرحة الخونة والمدبرين، ونسينا أن الشهيد يرصدنا الآن عند ربه، وأنه ما استشهد ليُستعمل اسمه وصورته زينه فى الشوارع، وإنما لنكمل مشوار فى حين أننا لا نفعل إلا أن نتمادى فى تحقيق أهداف من قتله، دون وعى أو مسئولية، ناسيين أن الشهيد فى الجنة يذكرنا بقول أبى العتاهيه “وكانت في حياتك لي عظات:: وانت اليوم أوعظ منك حيا”، ونحن ولا هنا، نسينا أن إكرام الشهيد هو إكمال رسالته بإحياء مصر، وإفشال الساعين لخرابها.

حين التقط هذا المفتاح أكلة لحوم البشر، المفتاح الذى يقول إن إفشال الثورة هو فى العمل على مزيد من التوقف عند هذا المستوى حول كل شهيد وكل منحنى هكذا. قرروا أن يزيدو عدد الشهداء، ومن أكثر الشباب حماسا وقوة وحركة وحيويه (الألتراس)، وذلك بعد أن اطمأنوا إلى تجنيب الأمن والجيش من أن يحولوا دون مخططهم، وذلك بعد مواصله اتهامهم للجيش والأمن بأنهم هم القتله من ماسبيرو إلى مجلس الوزراء مرورا بمحمد محمود والاسكندرية، فتنحى الأمن والجيش غباء أو خوفا أو حساباتٍ، حتى لا تتحول المعركة إلى المزيد من اتهامهم باعتبار أن أى قتيل، حتى من الجانب الآخر، هو فى رقبتهم ما داموا حضورا.

إذن لم يكن الهدف هو التخلص من مائة من الشباب وإصابة ألف فالقتلة يعلمون أن وراءهم الملايين من الشباب أيضا، كان الأمر المدبر هو زيادة عدد “الشهداء” لزيادة مساحة النعابة والنحيب، والحقد والغل والانتقام والوعيد، ومن ثم التوقف

هم يعلمون جيدا أن هذه المذبحة لن تخيف بقية الشباب، ولن تثنيهم عن مواصلة طريقهم، والإصرار على مطالبهم، بل بالعكس قد تثيرهم أكثر، وقد يواصلون مسيرتهم أقوى وأوعى، لكن المدبرون التقطوا أن هذا هو الاحتمال الأبعد، وأن الأرجح أنهم سيتوجهون إلى السلطات المهزوزة أصلا يهزونها أكثر، وهذا ما حدث تماما.

الفرض الذى أقدمه هو أنهم قاموا بهذه المذبحة ليوقفوا المسيرة عند جنازات الشهداء وشواهد قبورهم، مع أنهم ليسوا فى قبورهم بل أحياء عند ربهم يرزقون.

وهكذا: وبحسبة شيطانية يتحقق لهم هدفان

الأول: إثبات أن هذا الحكم الحالى، مثل أى بديل محتمل، هو فاشل فاشل فاشل، وأنه أفشل وأضعف من حكم أسيادهم المحرضين المحليين أكلة لحوم البشر.

الثانى: الإسراع بخراب البلد، وتفكيك الدولة ، وإذلال مصر بالإفلاس والتبعية، لتحقيق هدف المدبرين الأبعد.

وبعد:

إذا صح هذا الفرض أو بعضه، فعلى الشباب خاصة والناس عامة، أن يُفشلوا كل ذلك بالتحول بعيدا عن الهدف الأعظم لأكلة لحوم البشر العالميين، على الشباب وكل الناس تفويت الفرصة على هذا المخطط كله وذلك كما يلى:

أولا: بالتوجه فورا إلى مجلس الشعب ليتحمل مسئوليته، لأن الشعب اختاره ليتحمل مسئوليته لا أكثر ولا أقل، حتى لو وصل الأمر إلى مطالبة المجلس، أن يصدر غدا قانونا بإنشاء “محكمة الثورة” أو”محكمة الشعب”، ليُحاكم خلال اسبوعين أو شهر على الأكثر عشرة أو خمسة آلاف، ولتحكم المحكمة المستعجلة بالإعدام على ألف، أو ما تشاء، وليكن منهم ثلاثمائه أبرياء، فهم سيفوزون بالشهادة عند رب عدل رحمان رحيم، ولا يظلم ربك أحدا ” وبالتالى وفورا ننصرف كلنا إلى بناء مصر، وحساب الظالمين على الله، وتفشل لعبة الكانابيليون.

ثانيا: أن نتذكر أن اكرام شهدائنا الأصليين يكون بالدعاء لنا بأن نلحقهم حيث يكرمون، ونحن نفرح بمقعدهم عند ربهم العدل الجبار العليم، ثم نروح نحن نواصل إتمام رسالتهم لبناء مصر دون التوقف عند الانتقام من قاتليهم الذين قد تم إعدامهم غالبا بمحكمة الثورة إياها، أو حتى، إن لم تتكون هذه المحكمة، الذين تجرى محاكمتهم بمحكمة العدل الدستورية الشريفه أو محكمة العدل الأعظم!! كل ذلك مع كل الاحترام لكل دمعة غالية من أم ثكلى أو والد مكلوم

إن الثورات لا تنجح بعدد الضحايا الأبرياء الذين استشهدوا، وإنما بحجم العمران والتحضر الذى تحققه لمن تبقى بعد الشهادة، “…. فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ …”

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *