الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الوفد / سنة أولى فى المعهد العالى للدفاع التآمرى

سنة أولى فى المعهد العالى للدفاع التآمرى

نشرت فى الوفد

13-4-2011

سنة أولى فى المعهد العالى للدفاع التآمرى

قال شيخى: والآن؟ ماذا بعد أن حولت مسارك من روضة أطفال الديمقراطية إلى هذا المعهد العالى؟ ولكن قل لى أليس هذا فى حد ذاته دليل على أن هذا المعهد “أى كلام”؟؟!، كيف يقبل أوراقك من روضة أطفال إلى معهد عالى هكذا مرة واحدة؟، قبـّلت يده فرَأسه، ودعوت له، قلت: إن الدراسة فى هذا المعهد لا تحتاج حتى إلى فك الخط، برامج التآمر الحيوى هى التى حفظت الأحياء التى نجحت فى البقاء حتى الآن، وهى لا تحتاج حتى إلى الكلام أو التخطيط المسبق، ولا إلى وصاية حسابات العقل البشرى الحديث لكنها تحتاج إلى استيعاب كل مستويات الوعى الحيوى عبر التاريخ. إن كل ما علينا أن ندرسه فى هذا المعهد هو كيف حافظت هذه الأحياء على البقاء دون صناديق انتخابات، ودون تقديم فروض الولاء والطاعة للنظام العالمى الديمقراطى الجديد،….، قاطعنى شيخى قائلا: مجتمع الأحياء الذى تتحدث عنه أدنى وأقدم، وهو لا يحتاج إلى رئيس جمهورية أو مجلس شعب أو خطط خمسية، قلت له: هذا صحيح، ومع ذلك نجح أن يبقى وأن تتعاون أفراد نفس النوع مع بعضهم، وأن تتكامل مع أنواع أخرى أفضل مما يجرى الآن بين البشر، كان المفروض أن الانسان بعد ما تفوق عليها أن يضيف إلى ذلك لا أن يغتر بعقله الأحدث وينفصل عن تاريخه فينتكس إلى ما دون ذلك، قال لى: إن دور الديمقراطية هو أن تنظم المجتمع ولم يزعم أحد أنها للحفاظ على النوع، قلت: ما دام هذا هو الواقع، فأنا راض مؤقتا بهذه الديمقراطية الممكنة مع الاحتفاظ بكل اعتراضاتى، وتكرار إعلانها، لعلنا نستطيع معا أن نواجه قوى عمياء تستعمل اسم الديمقراطية اللامع، ضد عموم النوع فى اتجاه هلاكنا جميعا، إذا كانت الديمقراطية أحسن الأسوأ كما علمتنى حضرتك فعلينا أن نتعامل مع سوئها مثلما نتعامل مع حسنها دون تقديس، حتى نجد حلا “معا”، عبر العالم، أنا لا أطلب من الفلاح المصرى أن يذهب إلى صندوق الانتخاب ليحول دون انقراضى أنا أو حضرتك أو تشومسكى أو شافيز، أو شباب التحرير؟ أنا أنبه حتى لا تصبح الديمقراطية الملوثة صنما جديدا يستعمله كهنتها لاستغفالنا: إن واجبنا الآن، وربما قبل الآن بقليل: هو ألا نتوقف فى ميدان التحرير، المسألة ينبغى ألا تتوقف عند الأخذ بالثأر عينا بعين، ورأسا برأس، المسألة هى فى التقدم نحو الأرقى بخطى مناسبة تقاس بمقاييس الحركة المنتجة حتى نستعيد الوقوف على أرجلنا من جديد، لنندفع إلى التعاون مع من يقف مثلنا بوعيه كله لصالح نفسه ثم كل الناس، وهذا يبدأ بإعادة النظر فيما جرى ويجرى بشكل آخر، على مستوى آخر

قال لى: وهل يدرس كل هذا فى معهدك الجديد؟

قلت له: مع كل هذه الفرحة بالانتفاضات المتلاحقة، ومع كل الحمد والشكر والاحترام لمن قاموا بها أو أشعلوها، علينا أن نحسن النظر فى دفاترنا كلها خاصة دفاترنا الاقتصادية، وأن نتعلم من تجارب الدنيا بأسرها ولا نكتفى بالرضا بالتصفيق لشبابنا فى منتديات الديمقراطية السلطوية الإعلامية الغربية التى تتعرى بكل قبحها وتحيزها كلما اقتربنا من إسرائيل أو من مصالح القوى المالية التحتية، وهى تستعمل كل التحيزات وتقيس بأكثر من مقياس حسب مستوى ذكاء ويقظة الزبون، ومستوى وعيه ومدى حرصه على صالحه، علينا أن ندقق النظر  بمجهر النقد ودروس التاريخ بدلا من الانبهار بالبضاعات الفكرية السابقة التجهيز، علينا أن نتذكر أن الصين تغزو العالم بنموذج آخر غير ديمقراطية هايد بارك أو ديمقراطية مانهاتن، وأن الأصولية الجديدة أصبحت تختفى وراء انتخابات أعضاء الكونجرس فى أمريكا تماما كما تتلفع بها انتخابات مجلس الشعب المصرى خاصة بالنظام الفردى والاستعمال المغرض بدغدغة الوعى الجمعى بالشعارات الدينية المفرغة من الإيمان. إن غسيل المخ يجرى على قدم وساق تحت اسم الديمقراطية، حتى نشرت صحف اليوم تصريحا أمريكيا يقول: “إن ما تحقق فى العراق بفضل الغزو الأمريكى هو أعظم نموذج للديمقراطية التى يمكن تطبيقها فى العالم العربى”!!! إن استسلامنا للتفسيرات الغربية والتصفيق الغربى، دون فحص ومراجعة هو أخطر على انتفاضة الشباب فالشعب من الثورة المضادة.

ثم أضفت: إن برامج هذا المعهد تشمل دراسة تاريخ الحياة بقدر ما تشمل إنجازات العقل الأحدث فى كل مكان، وهى لا تسمح لإحداها أن تحل محل الأخرى، فهى تدرِّس كيفية استعمال تكنولوجيا التواصل لتخليق الوعى العولمى الشعبى الجديد، حتى يستطيع مواجهة تسطيحات النظام العالمى الديمقراطى الخبيث. التفكير الدفاعى التآمرى ينبهنا ألا نتوقف عند تقديم الشكر لهؤلاء “الخواجات” الإنسانيين الطيبين جدا، لمجرد أنهم صفقوا لشبابنا، فى مقابل الاستيلاء على موادنا الخام جنبا إلى جنب مع الاستيلاء على حرية منهج تفكيرنا ومخزون أموالنا، واستقلال قرارنا، علينا أن نتساءل بكل الحذر: هل نحن خرجنا فى الشوارع والميادين لنستبدل بحكامنا الدكتاتوريين مجرمين وقتلة من قادة الغرب ومَنْ وراءهم وما وراءهم من قوى استغلالية مالية كانيبالية؟ لماذا وقفت الجامعة العربية، حتى قبل الحرب الأهلية الليبية موقف المتفرج، أو الغافل، أو المبارك لما يحدث عبر طول العالم العربى وعرضه، وحين نطقت ركزت على إضاءة النور الأخضر لقوى خارجية لتتدخل وبالقوة فى مسيرة الصراع بين شعوب مظلومة وحكام ظلمه؟ لماذا تشارك قطر والإمارات فى الحظر الجوى على ليبيا ولم يخطر على بالها حتى أن تقترح لتشارك فى حظر جوى على إسرائيل وهى تقتل شعبا بأكلمه بالتجويع والإغارة على حد سواء، (لغاية اليوم: الأهرام الصفحة الأولى: -10 إبريل- “اسرائيل تقصف غزة لليوم الثالث والحصيلة 19 شهيدا و62 جريحا”).

قال شيخى: وهل ستجد إجابات على كل هذه الأسئلة فى معهدك الجديد؟

قلت له: إن هذا المعهد يتميز بأنه يطرح الأسئلة أكثر من أنه يعطى إجابات، وفيه نتعلم ألا نرضى بالإجابات التى تظهر لنا على السطح، ولا بالإجابات التى تسرّبها إلينا أجهزة مخابراتهم جاهزة لنغش منها تحت تأثير غسيل المخ والتلويث من المصادر الأخبث والأنذل،

قال شيخى: وهب أنك وجدت إجابات تبرر تخوفاتك هذه كلها، فهل بقية مقررات المعهد تبحث فى كيف تتغلب عليها؟

قلت هذه هى البداية: إننا حين نعترف بدور عقولنا الأخرى معا سوف نتمكن أن نمتنع عن أن نستسلم لتخليق غرائز استهلاكية جديدة ليس لها وظيفة إلا تسويق ما يصدرون إلينا جاهزا بعد الاستيلاء على موادنا الخام، وايدينا العاملة، وعقولنا المبدعة، لصالح أغراضهم، مستغلين ظلم حكامنا وغبائهم من ناحية، ثم فرط حماسنا واستعجالنا من ناحية أخرى.

قال: هل لدى معهدك هذا تفسير لما حدث ويحدث عندنا الآن؟

قلت: يبدو أن النظام الاستغلالى الاستعمارى الجديد قد ضاق بحكامنا العرب، وأنه اعتبر أن أغلبهم قد انتهى عمره الافتراضى، فسارع بالإسهام فى التخطيط للتخلص منهم قبل أن تتخلص شعوبهم منهم، وتستقل عن التبعية لهم، وأيضا عن التبعية لأسيادهم فى الغرب، فراح ينتهز فرصة انتفاضة الشباب، أو هو ساعد فيها، وها هو يسارع كى يقطف ثمارها دونهم غالبا

قال شيخى: وكيف نحول دون ذلك لا قدر الله؟

قلت: لابد من احترام حركية الشعوب، ثم الحيلولة دون الاستسلام للصوص الذين يرتبون الأوراق لصالحهم، علينا أن نعيد قراءة الجارى ونحن فرحون بكل هذه الانتفاضات الرائعة، فخورون بشبابنا، مع الحيلولة دون أن يستعملونا لصالح أغراضهم ونحن فى غمرة الحماس للأخذ بالثأر تباعا.

إن أمريكا تمر بحالة اقتصادية تنافسية على مستوى العالم، وهى تدعم نفسها بأموال وخامات وناس الشرق الأوسط وغيره بأسرع ما تستطيع، فهى تحاول الخروج من ورطتها الاقتصادية والعودة إلى رأس قائمة لوحة التنافس باستعمال ثروات هذه المجموعة العربية الظالم حكامها والمقهورة شعوبها.

قال شيخى: كل هذا سوف تدرسه فى المعهد الجديد؟

قلت: إن محور مقررات هذا المعهد هو إنه “لا يفل التآمر إلا تآمر أذكى”، فيه نتعلم كيف نكسب نحن الجولة حتى لو كانوا هم قد بدأوا اللعبة، نستطيع أن نقلب نهاية الدور لصالحنا ” كش مات”، مهما كانت نقلات الخصم طول دور الشطرنج هى الأذكى، فإن المهم “من يقتل الملك” أولا، وذلك بدءا بفهم أشمل لقواعد اللعبة العالمية، ثم محاولة “الاستعانة بصديق”!! (اليابان أو الصين أو البرازيل أو روسيا أو إيران كأمثلة)، إنها تعلمنا أن نقيس حركتنا ليس بسرعة النقلات وصوت “البياذق” اللامعة على “الدسوت” المعدنية (العساكر على اللوحة) وإنما بحجم الإنتاج، وأصالة الإبداع، وحركية التصدير، وتعميق الثقافة الأرقى طول الوقت.

حتى لو كان الدافع من الخارج، فإن ذلك لا يحرم شعوبنا من فضل التلقائية والاستجابة الرائعة لما تحرك بداخلنا من كرامة وإبداع وأصالة ومثابرة، ولا هو ينقص من حق شهدائنا فى التقديس وعهدنا لهم بالاستمرار نحو عدل حقيقى يحفظ للجنس البشرى تفوقه على سائر الأحياء.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *