الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الوفد / حيرة الشباب بين: ديمقراطية الميادين، وديمقراطية “القاعدين”

حيرة الشباب بين: ديمقراطية الميادين، وديمقراطية “القاعدين”

نشرت فى الوفد

28-09-2011

حيرة الشباب بين: ديمقراطية الميادين، وديمقراطية “القاعدين”

 (ملحوظة: ديمقراطية القاعدين نسبة إلى الجلوس على “مقاعد” مجلس الشعب والشورى وقد تكون مقاعد الكتاب أو المثقفين، ربما  مثلى، الذين يتصورون أن مهمتهم تنتهى عند كتابة ما يكتبون من الوضع “جالسا”!!)

قالت البنت لأخيها: الآن فهمتك، برغم أننى ما زلت أرفض آراءك

قال أخوها: أخيرا !؟! وماذ يفيدنى فهمك مع استمرار رفضك؟ تصورت أننى أخيرا سوف أأتنس بأختى بعد أن خشيت أن أجن من فرط وحدتى

قالت البنت: أنت؟!! أنت تجنِّن بلدا، تقول كلاما مقنعا ومنطقيا، ثم توافق على عكسه وأنت تبتسم.

قال: هل غرتك ابتساماتى، إنها تغطية لخيبتى، أنا فى حيرة مؤلمة، أنا أكاد أجن فعلا

قالت : والله فكرة!! “الجنون هو الحل

قال: وأين هو؟ حتى الجنون الآن، يلاحقه الأطباء بالكيمياء والتخميد، فتنقلب ناره رمادا هامدا لا يصلح حتى لضرب الطوب

قالت : أليس هذا أفضل من ترك النار تسرى فيما حولها، وتحرق من يقترب منها حتى تهلك الجميع

قال: والله ما انا عارف أيهما أفضل، تماما مثل حكاية الديمقراطية وبدائلها، كله زفت، ونحن نختار ألمع الزفت

قالت: ليس تماما، نحن نختار الزفت القابل للغسيل بدلا من أن يلطخونا بالزفت المستحيل إزالته

قال: لكن يظل كله زفتا. لكن قولى لى، تقولين فهمتك، فهمتِ ماذا وأنا شخصيا غير فاهم نفسى؟

قالت: خطر ببالى وأنا أتابع مليونيات الجمعة تلو الجمعة، والتنافس على إعداد كل منها،  ثم تقييم نجاحها بعدد المتوافدين عليها والمشاركين فيها: خطر ببالى أننا نمارس ديمقراطية جديدة، أحسن من ديمقراطية مقاعد مجلس الشعب بلا شعب، ومن ديمقراطية العمال والفلاحين بلا عمال ولا فلاحين

قال: أخيرا صدّقتِ أن المسألة ليست بعدد الأيادى المرفوعة فى المجالس المنتخبة، ولا بعدد الحائزين على مقاعد المجالس الوثيرة، التى تحقق لهم مطالبهم الخاصة جدا، مقابل الخدمات التى يقدمونها لأهالى دوائرهم لتشهيل أمور بعض المتميزين بينهم، المؤثرين فى أهلهم وذويهم:  استعدادا للانتخابات التالية، لا أكثر ولا أقل.

قالت: يبدو أنك على صواب، ولو جزئيا، حتى أننى حين تابعت تنافس مليونيات الجمَع مؤخرا، شعرت، برغم كل المخاطر والمضاعفات، أنها تعبـّر عن الفـِرق المختلفة بشكل أكثر أمانة وتمثيلا، فتصورت أنها نموذج آخر لديمقراطية أخرى

قال: يبدو ذك، الله  ينوّر، لكن عندك، أنا غير موافق

قالت: أنت غير موافق على العمال على البطال، دعنا نفكر يا أخى

قال: وماذا بعد أن نفكر، دعينا نتخيل

قالت: نتخيل ماذا؟

قال: نتخيل أننا رضينا بالأمر الواقع، وانتخبنا أعضاء المجلسين أولا، ثم جاء النواب الأفاضل جدا، يمثلون الفلول والثوار والعمال والفلاحين والإسلاميين والعلمانيين وكافة أمة كل المصريين، ثم دعينا نتخيل أنهم اتفقوا بأغلبية 57 %  مثلا على دستور آخر كله كلام جيد جدا، جاهز ومصمت، لا يخر المياه،

قالت البنت: ماذا تعنى بكلام مصمت لا يخر المياه

قال: يبدو أننا نسينا أن الدساتير لا تصنع الدول، ولا ترسى حضارات، وأن الأصل أن الناس يمارسون حياتهم بنجاح ومسئولية، فتتخلق الدساتير ويسجلهما التاريخ ثم يكتبها الكتبة والموثقون إن شاؤوا، أما الدساتير الكلمات المصقولة، فهى حبر على ورق، تنفع أولا، حتى لو رصت الكلمات بجوار بعضها حتى لا تخر المياه

قالت:  ماذا تريد أن تقول؟ كيف يمكن أن تكون الممارسة قبل الكتابة؟ وهل تغنى عن الكتابة؟

قال لها: كل الأحياء قبلنا حافظت على استمرارها بالممارسة، وعلى قدر علمى دستور انجلترا غير مكتوب غالبا

قالت: تقصد الممارسة أولا!!؟ يعنى ماذا؟

قلت لك: كفى إعملى معروفا، ما هذا؟ ما هى حكاية أولا وأخيرا التى طلعتم فيها هكذا؟ ياستى، مصر أولا والاقتصاد أولا، والابداع أولا

قالت: اسمح لى، لا تربكنى أكثر، كيف يتأتى أى من ذلك ونحن بدون دولة؟ ألست معى أننا بدون دولة؟

قال: والله ما أعرف، ولكن تخيلى معى أن الأمور سارت كما تسير الآن ونحن لا نفعل شيئا إلا أن نكتب ونتكلم ونهتف ونعتصم، وحين نختلف نضع خلافاتنا كلها على الورق، أو نبعبع حولها فى الفضائيات، دعينا نتصور بغض النظر أيهما أولا، أنه أصبح عندنا الدستور المكتوب جدا، المصقول جدا بأغبية منتخبة بصناديق زجاجية، ثم لنفرض أن هذا الدستور برغم حكمته ورشاقته لم يتفق مع رأى الأقلية التى تمثل الشعب الحقيقى برغم أن مقاعدها فى المجلس الذى أقر هذا الدستور لم تنجح إلا فى الحصول على 43% ، فقررت استعمال الديمقراطية الأخرى والنزول إلى الميادين لمنع الضرر والضرار ابتغاء مصلحة الأمة ونفع الناس، وهات يا “الشعب يريد الدستور المفيد” “الشعب يريد: كله جديد فى جديد “اإلخ”،  وهات يا اعتصام وهات يا حاجات من هذه، ماذا يكون العمل؟

قالت: هل تسخر من شعارات الثورة؟

قال: أبدا والله العظيم ثلاثا، أنا أسألك فعلا ماذا تنتظرين إذا تصادمت الديمقراطيتان؟

قالت: والله ما أنا عارفة، ربما تقوم حرب أهلية

قال: هكذا خبط لصق؟! ربما، يا ذى المصيبة، يا ترى مَن الفريقين مِنَ الفريقين سوف يطلب غطاء جويا، ومن يا ترى سوف يستجيب له الناتو

قالت: إلا قل لى: ناتو يعنى ماذا؟

قال: يعنى الناس “الكمَّلْ” الذين يملكون أسلحة آخر موضة ويعتبرون أنفسهم أصحاب المصلحة فى بترول وعقول الناس التابعين أمثالنا.

قالت: بصراحة أنا لست فاهمة أريد أن أقفل هذا النقاش، وأريد أن أعمل شيئا ينفع البلد، مثل الصين

قال: ولماذا الصين، قولى مثل الهند

قالت: ولماذا الهند؟

قال: لأنها أكثر ديمقراطية

قالت: أنا أعتقد أنهم لا فى الصين ولا فى الهند يضيعون وقتهم فى مثل ما نتحدث فيه، ولا حتى فى الكلام عن الدستور

قال: والله يا شيخة أنا أصبحت أغار من أى بلد تنتج بأى وسيلة فتستقل، وتبدع

قالت: وأنا أيضا

قال: ما رأيك نأخذ أى نموذج من هذه النماذج، نحذو حذوه بالحرف الواحد

قالت: ليس عندى ما نع

قال: هكذا يكون الكلام، إذهبى فقد  عينتـُك وزيرة للاقتصاد الواعى

قالت: شكرا، وأنا عينتك بالمقابل وزيرا للحلول المستحيلة

قال: وما رأيك لو عيـّنا أمى وزيرة للنوايا الحسنة

قالت: وأبى وزيرا للأمور “الأخرى”

قال: ولكن قولى لى: ما هى الأمور “الأولى” حتى نحدد لوالدنا مهام وزارته فى الأمور “الأخرى”؟ أنت تعرفين أبى!

قالت: وهل أنت تظن أن الوزراء الحاليون عندهم فكرة عن الأمور “الأولى”، ليتعرفوا منها على الأمور “الأخرى”؟ ومع ذلك فكله يسير ببركة دعاء الوالدين

قال: ما هذا؟ ماذا جرى لنا؟ ماذا تناولنا فى إفطار هذا الصباح، هل هذا وقت التخريف

قالت: أنت الذى تستهبل، وقد جرجرتنا إلى هذا العبث

قال: بالله عليك أليس هذا هو ما يجرى حولنا الآن

قالت: أنت لا يعجبك العجب

قال: وهل أنت يعجبك

قالت: ولا أنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *