الرئيسية / حوارات وأحاديث / حديث عن مسار فكر أ.د.يحيى الرخاوى

حديث عن مسار فكر أ.د.يحيى الرخاوى

نشر فى شبكة المحيط الأخبارية

بتاريخ  23- 8- 2007

حوار الأستاذ الدكتور: يحيى الرخاوى

مع الأستاذة: شيماء عيسى 

لعلك من الصعب أن تصادف طبيبا ذو خبرة طويلة بالنفس البشرية، وأديبا في الوقت ذاته يخط الشعر والقصة والرواية من واقع معايشاته اليومية ومعارفه الثرية، إضافة لكونه مهموماً بكل ما يشغل مواطنيه البسطاء، إنه د. يحيى الرخاوي الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية في الأدب عن رواية “المشي على الصراط” عام 1979، والمعروف بآرائه الجريئة في نقد واقعنا الاجتماعي والسياسي والثقافي، طبيب يقرأ الإنسان كنص ويتحاور معه حتى يعيد كل منهما تشكيل الآخر، وقد التقته شبكة الأخبار العربية “المحيط” في حوار شامل يجيب من خلاله على تساؤلاتنا بصراحته المعتادة .

المحيط: ماذا أضافت لك مهنة الطب النفسى؟

  د. يحيى: أضافت الكثير، فأنا أمارس مهنة الطب النفسي منذ عام 1957م، وأتذكر ذلك المريض الذي قتل محللا نفسيا كان يعالجه هو المرحوم الدكتور أبو مدين الشافعي، ودار حوار عبر الصحافة، حيث كتب كامل الشناوي بالأخبار أن غير الأطباء يعرضون أنفسهم لمخاطر جمة بالتعرض للمرضى مباشرة، ورد عليه د/ عمر شاهين وعرفه بماهية الطب النفسي وتأثرت كثيرا بمقالاتهما.

   بعد ذلك تخرجت من الكلية وكان تقديري متواضعا ولم يكن أمامي غير أقسام التخدير والطب النفسي، وحاولت الهرب من العمل الطبي التقليدى بالاتجاه للنفس الإنسانية، فإذا بى أجدنى فى “عز” الطب النفسى، حتى أصبحت رؤيتي الآن أصعب من احتمالي، وأذكر أنني قلت شعرا يصف ذلك فيه “ياليتني طفوت دون وزن، يا ليتني عبرت نهر الحزن من غير أن يبتل طرفي فَرَقاً” .

مهنة الطب النفسي علمتني الكثير، والمرضى النفسيون كانوا أول من علمني الحياة الحقيقية.

المحيط: بعد خبرتك الطويلة .. هل تستطيع قراءة الشخصيات فى الحياة العادية؟

د. يحيى: لو قمت بذلك لكنت في غاية الوقاحة، اعترف أنه رغما عني أحيانا أحكم على الشخصيات، لكن من الخطأ أن استخدم عيني المهنية لأرى بها الناس، فيصبح موقفي في الحياة حُكْمِىّ، فليس من حقي اقتحام الآخر وتحليله، والعلم الحقيقي هو العلم الموضوعي، الذي يضع كما من الاحتمالات توصل لنتائج منطقية، وليس تحليلا نفسيا.

المحيط: من بين الحالات النفسية التي عرضت عليك .. هل ثمة حالة تشبهها بالزلزال؟

د. يحيى: لقد أكرمني الله بأن عرضت على آلاف الحالات، ولأننى لم أغادر مصر إلا سنة واحدة، فالحالات أغلبها مصريين وعرب، ولا توجد حالة تشبه الأخرى، وأعتبر أن كل حالة هي زلزال لشخصي، لأنها تنقلني لرؤية أعمق، حتى الحالات التي نسميها نحن الأطباء ” مش عارفة مالي”، وأعنى بها تلك السيدة التى تجيء لعيادتك لمجرد مشاهدتك وهى لا تعاني من مشكلة حقيقية، إنها تزلزلني أيضاً لأني أكون مشفقا عليها .

المحيط: العصر الذي نحياه الآن يعترف بقوتين القوة العسكرية وقوة المعلومات .. كيف أثر ذلك على الإنسان؟

د. يحيى: لغة القوة موجودة منذ كانت الحياة، لكن كانت دائما توجد بجوارها لغة التكافل، وداروين لم يكن محقا حينما قال “البقاء للأقوى” لأن البقاء أيضا للأكثر تكيفا مع المحيط ومع الحياة، ليس تكيفا مع نوعي فقط، وإنما مع أنواع الكائنات الأخرى، فالأنواع تحافظ على بقاء بعضها البعض، وذلك من خلال شيوع صفات الغيرية والإيثار وحب النفس، لابد أن نعلم أنني لو أحببت غيري سأكون أنا أفضل، وأريد أن أقول أن قوة الإنسان الحالية ليست أبدية بل أنها تحمل بطياتها أسباب الانهيار له وللجميع، أعتقد أن ما يقوم به الرئيس الأمريكي جورج بوش هو “غباء” خطر، لماذا تقتل الآخرين .. وماذا تستفيد .. أنت تواجه سيلا من الانتقادات حول العالم وتشوه سمعة وصورة بلادك وأنت أول الهالكين؟ .

لو انتقلنا للصفة الثانية للعصر المتعلقة بالمعلومات، فهي قضية خطيرة، لأن المهم الآن ليس وجود المعلومة وإنما كيف نتعامل مع هذا الفيضان من المعلومات؟، وكيف نتواصل بها، ويدور الصراع الآن من يبقى صاحب القدرة على إبادة الآخرين هل هو الأقوى عسكريا أم صاحب الوعى الأشمل؟ أذكر أننا في الأربعينات كنا نطبع منشورات ضد الملك، وأيام الثورة كانت ضد الضباط، كنا نكتبها بيدنا وعلى ورق كاربون أحيانا ونطبعها كنوع من الواجب الوطني أو كما كنا نسميه كذلك، وكان كل منا ينسخ 7 ورقات مثلا، ولكن حاليا بضغطة زر أصل لمائة ألف واحد حول العالم .

لا أنكر أن ثورة المعلومات هذه لها سلبياتها، ولكن تظل إيجابيتها الأساسية في تحطيم نظرية الإعلام المركزي وإعلام الحكومة، أصبح من الممكن أن تعرف الحقيقة التي تبحث عنها مباشرة دون وصاية مركزية.

أنا متفائل بأننا سننتصر يوما ما، لأن القوة عمرها الافتراضي محكوم بغباء صاحبها، انظري للغباء حينما يجتمع مجلس الأمن الإسرائيلي ليقتل كهلا على كرسي متحرك هو الشيخ أحمد ياسين رحمه الله!

المحيط: هل يمكن أن تذكر لنا بعضا من صفات المتصالحين مع أنفسهم؟

د. يحيى: ولماذا نتصالح مع أنفسنا ؟، المطلوب أن نتفاهم معها ونتشاجر شجارا شريفا، ونتفاعل في الاتجاه الصحيح، هذا التفاعل مع النفس قد يؤدي لصراع وكوابيس في المنام وتفكير وإبداع في اليقظة، وهذه هي الحركة الحقيقية، وأنا لا أتفق مع الدعاوى التي يرفعها أحدهم  قائلاً “دع القلق .. وابدأ الحياة ” بل “عش القلق وواصل الحياة “، أنا أفضل حركية التواجد عن سكون التصالح.

المحيط: ارتفعت معدلات الطلاق بالأسرة العربية، هل ترى بذلك خللا بمفاهيم الحياة الزوجية؟

د. يحيى: أتذكر حينما تزوجت، كانت راتبي 19 جنيه، وراتب زوجتي 14 جنيه، وكنا أنا وهي نحترم الوضع الراهن ولا نبغض مستوانا. ارتفاع معدل الطلاق ليس دائما برأيي مؤشرا لشئ سلبى، لأن العلاقة الزوجية التي تشبه علاقة القفل بالمفتاح سيئة رغم أنها تبدو ساكنة، الإنسان بطبيعته يتغير، والزواج الحقيقي لابد أن يحوي حركية الانفصال للاتصال، بمعنى أننا فى كل يوم نواجه كزوجين اختلافات بين رؤانا، وبعد نجاحنا في التعاطي مع الاختلاف وليس تجنبه، يكون نجاحنا فى كل مرة، وكأننا نعيد علاقة الزواج من جديد بتعاقد جديد وننتقل في علاقتنا لمستوى أرقى، والطلاق يحدث حين يتمادى الزوجان في اختلافهما وعدم تقبلهما للتغيير أو فهم الآخر والوصول له وينتهي الأمر بإنهاء التعاقد من الأساس وهو فشل لا شك، لأننا فشلنا بتحمل طبيعة التغير عبر الزمن في علاقتنا الزوجية .

المحيط: المرأة العربية .. هل تظلم نفسها حينما تختار أن يكون لها دور بسوق العمل بجانب دورها كأم وزوجة ؟

د. يحيى: حتى لو كانت المرأة مليونيرة، أنصحها أن تعمل، لأن حضور المرأة ببيتها ليس جسديا، المهم أن تكون في متناول الأولاد والزوج، وهي حينما تخرج ترجع أكبر وتضيف لأسرتها، ومن الممكن أن تكون موجودة ولا تستمع لمن حولها وتنتظر الزوج بابتسامة لا تضيف جديدا .

مشكلة المرأة العاملة أن زوجها يطالبها بنفس ما كانت تفعله قبل عملها، والعمل برأيي أساسي في نمو المرأة، لأن العمل لا يعني الراتب ولكنه “ساعة” أي التزام، و”مجتمع” لأنه تعامل مع الآخرين، وله ناتج وعائد، حينما تقصر المرأة العاملة في بيتها فذلك لأنها من الأساس لم تكن تعي مسئولياتها تجاه نفسها والآخرين، وحين قال أمير الشعراء شوقي .. الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق، لابد أن نفهم أنها لا تكون مدرسة، إذا لم يكن لها على الأقل اطلاع على ما يدور بالعالم.

المحيط: ما الذى دفعك إلى التحول باتجاه الكتابة الأدبية رغم أنك طبيب؟

د. يحيى: لا أراه تحولا، هو مجرد بحث عن وسيلة أخرج بها ما يتفجر دوما بوعيي، لدي رسائل تتفجر بعقلي ولابد أن تصل للآخرين، وأشعر أنها أمانة و لا يصح أن أحتفظ بها لنفسي، أردت بداية أن أوصل الرسالة المعرفية بالوسائل العلمية التى وصلتنى من مرضاى، فألفت العديد من الكتب العلمية في مجالات الطب النفسي، ووجدتها عاجزة عن توصيل كل ما لدى، فاتجهت للكتابة الروائية، وحينما كتبت “المشي على الصراط” حصلت على جائزة الدولة التشجيعية، الجزء الأول باسم “الواقعة”، والجزء الثاني منها باسم “مدرسة العراة”، بعد ربع قرن كتبت “ملحمة الرحيل والعودْ”، وهى الجزء الثالث من المشى على الصراط، وقد نشأت الفكرة حين تقمصت دور مريض نفسي وعلى لسانه انتقدت الأطباء فالحياة المغتربة، ثم وجدت أن الشعر به أدوات وتشكيل رحب فاستخدمته، وكتبت أشعار فصحى وعامية لأن الثانية أقرب لممارساتي اليومية .

أما النقد فأنا اعتبره أهم الأنشطة الإبداعية التي مارستها، وأنا أمارسه منذ 30 سنة، ولدي نقد  لروايات الآن كثيرة لادوارد الخراط و نجيب محفوظ وفتحي غانم وغيرهم، لقد أدركت أنني اتجهت للأدب لأنني كنت أعالج المرضى من الأساس كنص بشري، فممارسة الطب النفسي نقد للنص البشري، والنقد الآخر هو نقد للنص الأدبي، الفرق أنني في النقد الأدبي أعيد تركيب العمل الإبداعي من وجهة نظري، ولا أستطيع أن أفعل ذلك مع البشر فهم يشكلوني وأشكلهم فى نفس الوقت، وهذه هي قمة الروعة، أن يشارك النص الناقد في إعادة تشكيله، ولا أنجح دائما بالمناسبة، وبالمناسبة أيضا فبعض المرضى يأتون لعيادتي ولا مرضى يطلبون إلا أن يعودوا كما كانوا قبل المرض، وأنا أرفض، قائلا: إن ما كنتَ فيه هو الذي أوصلك لما أنت عليه الآن، وأعده بأن نبدأ في تشكيل إنسان جديد.

المحيط: ماذا  تقرأ ولمن؟

د. يحيى: أنا أقر كل شيء، أنا حاليا أقرأ عن العلاقة بين تصوف الشرق الأقصى عموما وجزء من التصوف الإسلامي وبين الطبيعة الحديثة والكيمياء الحديثة، ولا تتصورين كم هي علاقة رائعة، وهي تختلف عن التفسير العلمي للقرآن الذي يهينوا به العلم و لا يرقى للقرآن، والوعي البشري قوانينه ليست رياضية ولكنها احتمالات يدخل فيها عوامل الزمان والمكان، وهذه جميعا خبرة يعيشها المتصوف .

اقرأ كذلك ليمنى الخولي عن نقلة العلم من الحتمية إلى اللاحتمية، واقرأ التاريخ الصوفي الإسلامي لباحثة لم تسلم ولكن كتابها لم أعثر على نظير له بالمكتبة العربية، كما اقرأ السيرة الهلالية للأبنودي، وأقرأ للمرة الخامسة رواية “العطر” لباتريك زوسكند، والتي ترجمت لنحو 64 لغة، وأساء لها الفيلم السينمائي المأخوذ عنها ،هذا إضافة لقراءاتي العلمية .

المحيط: عرفت كواحد من عشاق الأديب الراحل نجيب محفوظ، ماذا تبقى من أدبه برأيك؟

د. يحيى: لقد كان محفوظ أستاذا لي، وكان رحبا جدا وكريما في منح صداقاته، وما يبقى منه أكبر من أن يقال فى إجابة موجزة، ومنذ أن حصل على نوبل وأنا أناشد الهيئات الرسمية بإصدار دورية باسمه متخصصة بنقد أعماله، فأنا حينما نقدت رواية “السراب” باكر، ثم تمر السنين وأصبحت لي رؤية أخرى عنها، وأعدت نقدها، وأنا نفس الشخص، فما بالنا بجميع الأقلام المهتمة بأدب محفوظ وكيف يمكن أن تتحاور فى هذه الدورية!!؟.

المحيط: بمنتهى الصراحة .. كيف تقيم أداء وزارة الثقافة والوزير؟

د. يحيى: أنا ليس لي علاقة بالمثقفين الرسميين، ولكنني أذكر أن رئيس هيئة قصور الثقافة الفنان أحمد نوار دعاني مؤخرا لرئاسة مؤتمر أدباء مصر، ومن قريب راقبت كم الجهد الذي لم أكن أتخيل أنه يجري على أرض مصر في قطاع الثقافة فهيئة القصور لا تنتظر إصدارات مكتبة الأسرة ولها إصداراتها الخاصة، ووزير الثقافة هو من اختار نوار لهذا المكان، فلابد أنه يحسن اختيار رجاله أحيانا.

بوجه عام هناك طفرتين ثقافيتين على أرض مصر، الأولى مكتبة الأسرة برعاية السيدة قرينة الرئيس سوزان مبارك، والثانية المشروع القومي للترجمة والذي يرأسه د. جابر عصفور الآن بعد أن أصبح مجلسا قوميا، ولا يمكن أن يحدث مشروعين عملاقين كهذين بدون جهد من وزارة الثقافة.

أعيب على وزير الثقافة ربما أنه ليس له موقفا محددا يتمسك به، فتارة يخاف من الأزهر وتارة يدافع عن حرية التعبير، وأعتقد أن اختيار الوزراء في مصر يحدث بطريقة ليس للشعب نصيب فيها.

يمكنني أن أقول أن التعليم كجزء من الثقافة تدهور للغاية، ما معنى أن أجد مئات الطلاب المصريين يحصلون على مجاميع 99%، العلم ليس به هذه الأرقام، وتجد الصحف تنشر “لا شكوى من الطبيعة في الثانوية ” أو العكس، وكلما حدثت معارضة للامتحانات تسهلها وزارة التربية والتعليم أكثر فأكثر، إلى أن وصلنا لأوضاع مزرية، لقد دخلت كلية الطب بمجموع 70% وكان أخي من المتفوقين وحصل على 74%، أضيفي لذلك أن الجامعة أصبحت تفتقد للبحث العلمي وهو أهم سمات التعليم بها.

المحيط: ما هى الأبيات التي كتبتها والتي نقرأك من بينها؟

د. يحيى: أكتب في صحيفة الدستور الآن أغانى للأولاد، وأطلع منها بقضايا كبيرة، ومن الأبيات العامية التي أذكرها وتعبر عني من ديوان “أغوار النفس”

‏(1)‏

قصيدة الدمعة الحيرانة”

والعين الواعية الصاحية المليانة حزن

عمركشي شفت بقرة واقفة لوحديها

مربوطة ف شجرة توت، جنب الساقية،

‏وعْنـِيهَـا‏ ‏الصاحية‏ ‏تحتيها‏ ‏دمعة‏ْْ،‏

‏ ‏لا‏ ‏بتنزلْ‏ ‏ولا‏ ‏بتجفْ‏‏؟

عمّالة‏ ‏تْبُصّ‏ ‏لزميلتْهَا‏ ‏المربوطةَْ‏ ‏فى ‏النـَّافْ‏،‏

والغُمَى ‏محبوك‏ْ ‏عالراسْ‏،‏

والحافِر‏ ‏يُحْفُرْ‏ ‏فى ‏الأرضِ ‏السكة‏ْ ‏اللِّى ‏مالهاش‏ْ ‏أوّل‏ ‏ولا‏ ‏آخـِرْ؟

‏(2)‏
والبقرة‏ ‏الواقفة‏ ‏تقول‏:‏

أنا‏ ‏كنت‏ ‏بالـِفْ‏ْ ‏ومشْ‏ ‏دَاريْـَةْ‏ ‏كان‏ ‏لازْمـِتُه‏ْ ‏إيه؟

بتشيلُوا‏ ‏الغُمَا‏ ‏من‏ ‏عَلََى ‏عينِى ‏وتْفكُّونىِ ‏ليهْ؟

عَلَشانْ‏ ‏أرْتَاحْ؟

هىَّ ‏دى ‏راحَـة‏ْْ ‏إنى ‏أشُـوفْ‏ ‏ده‏ ‏؟

لو‏ ‏حتى ‏لْبِسْت‏ ‏الغُمَى ‏تانى ‏مانـَا‏ ‏برضه‏ ‏حاشُوفْ‏.‏

وساعتها‏ ‏يا‏ ‏ناس‏:‏

مش‏ ‏حاقْـدر‏ ‏ألفّ‏.‏

‏…. ‏ما‏ ‏هو‏ ‏لازمِ ‏الواحدْ‏ ‏ما‏ ‏يشوفشِى،‏

لو‏ ‏كانْ‏ ‏حايلِفْ‏.‏ 

‏(3)‏
الله‏ ‏يسامحكم‏، ‏دلوقتى:‏

لا‏ ‏انا‏ ‏قادرة‏ْْ ‏ارتاحْ‏،‏

ولا‏ ‏قادرة‏ ‏ألفْ‏.‏

لا‏ ‏الدمعه‏ ‏بْتِـنْزلْ‏،‏

ولا‏ ‏راضيةْ‏ ‏تجفْ‏.‏

المحيط: مصر .. هل لازال لها دور عربى؟

د. يحيى: ولماذا يكون لها دور ؟ كلمة دور تاريخيا أصبحت “عيب”، وقصة القومية انتهت من العالم كله، ينبغي أن نهتم بأن ينصلح حال العرب وليس أن نبحث عن من له دور فى المقدمة أو فى المؤخرة، وأنت تجد مشادات خفية دائرة طول الوقت، هل مصر قائدة العالم العربي أم السعودية أم إيران قائدة المنطقة مع أن كل ذلك خرافة، حتى على مستوى الأدب فإن نظرية البطل انتهت وأصبحنا نتحدث عن إيجابية التشابك وإبداعية العلاقة .

المحيط: التيار الديني في مصر يشهد صحوة في السنوات الأخيرة، هل ترى ذلك ظاهرة صحية؟

د. يحيى: بالطبع هى ظاهرة لها دلالة، أخشى أن يكون الرجوع للدين مجرد انسحاب وليس تدينا حقيقيا، الدين برأيي يوصلنا للإيمان، أما أن يكون الدين مؤسسة سلطوية فهذا مرفوض، أما إذا كان رجوعنا للدين هو ممارسة لحرية توجهنا لله وبديل أعمق من نظرية تأليه الإنسان التي يعتقد بها الغرب وانتهت من العالم حتى من العلم فهذا هو التدين الحقيقي .

أكثر ما يثير العجب هو “الرجعية الدينية”، والتى تتجلى فى التفسير المعجمي للقرآن، والمعجم وسيلة لتثبيت اللغة وليس وصيا على كلام الله، لأن القرآن معجزة تتفجر معاني آياته في وعي الطفل الصغير قبل الكبير .

وأنا أحذر من سعي البعض لاستخراج الغريب والمريب من الفتاوى والأحكام مثل فتوى إرضاع الكبير، والتي تشتت المسلمين وتزعزع اليقين بأصول الدين.

المحيط: هل تؤيد حرية الإبداع المطلقة وهل توجد نماذج خرقت سقف الحرية؟

د. يحيى: كتبت في مقالتي بصحيفة الدستور مؤخرا مقالا بعنوان: ” أنا حر .. لا يا شيخ” وفيها تساءلت من أين لجائع أو مقهور أو .. من أين لمذهول أمام النت أو الدش .. من أين لمسجون داخل وطنه أو داخل نفسه أن يكون حرا؟ من أين لعبد لقرش يجمعه لا ينتفع به، ويقتل من أجل ذلك ملايين الضحايا أن يكون حرا ؟، فلا أحد يعرف معنى الحرية .

تتحدثين عن نماذج خرقت سقف الحرية بكتاباتها، وأنا أرى أن مبيعات هذه النوعية من الكتب تؤكد أن الناس بحاجة لإصلاح لأنها اختارت رواية فجة إباحية، أو كتاب يزدري الأديان، وفكرة المصادرة لن تجدي طويلا، والأجدى أن تتركي هذه الأعمال بالأسواق، وقال تعالى ” فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”.

كتابات د. نوال السعداوي على سبيل المثال، أحيانا تكون جيدة، ولكن حينما تكتب عن تحرير المرأة بالطريقة التي تتحدث بها، يجب أن تتحدث عن تحرير الرجل أيضا، بدت لى أحيانا وكأنها حينما تحارب فكرة العذرية لدى الفتيات تحارب الفطرة التي فطر الله الخلق عليها، وأشعر أنها توجه خطابها لجهة معينة بالخارج تصفق لهذه الكتابات، وأخيرا فالإبداع بوجه عام هو حركية متفجرة أنها أحيانا لا نحكم على مسارها ولكن على نتاجها .

المحيط: تنتشر فى وطننا العربي ثقافة العلاج بالقرآن أو بالرقية الشرعية، ويسري ذلك على الأمراض النفسية والبدنية .. ما تعليقك؟

د. يحيى: الأطباء مسئولون عن هذه المشكلة، فهم اختزلوا الطب لكيمياء وفيزياء، وشركات الأدوية صاحبة المصلحة الأولى فى ذلك، وعلى هذا هرب المرضى للدجالين أو بعض المشايخ الذين ادعوا العلاج، وكلام الله لا يستعمل للعلاج، وإنما هو للتدبر، أنا شخصيا أنصح مرضاي بقراءة صفحتين من القرآن يوم بعد يوما حتى لو لم يفهم المريض ما يقرأه، وذلك لأن بعض المرضى يقسم لي أن موجة إذاعة القرآن الكريم لا تتوقف ليل ونهار بمنزله، أقول له القرآن لا يمكننا أن نستمع له 24 ساعة، فلا هو زن، ولا زنبة نزلت لتعليقه بلوحات على الحائط وفي السيارات، قال تعالى “لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله .. ” فهو كلام ثقيل ويحتاج لتدبر، وأنا كذلك ضد من يختار من القرآن آيات معينة لشفاء داء بذاته، القرآن كله وحدة واحدة فيها شفاء للصدور .

المحيط: ما هى أحكم الشعوب التى رأيتها؟

د. يحيى: جميع الشعوب لديها حكمة في لحظة تاريخية معينة، أستطيع أن أتحدث عن شعب أثار حنقي، وهو الشعب الصيني، لأنه يعمل ولا يهدأ، مثل الماكينات، وبالطبع كنت أتمنى لو أنتجنا نحن ربع ما ينتج هذا الشعب الميكى، أما الشعب الأمريكي فهو مثل خلطة الكشري، من كافة الأعراق والجنسيات والمشارب ولا يجمعه شيء.

المحيط: حكمة تؤمن بها في الحياة؟

د. يحيى: أد الواجب ودع ما يكون، وتحمل الاختلاف ولا تسارع في الإجابة على أسئلة ليس لها إجابة .

المحيط: آية قرآنية تتذكرها دوما؟

د. يحيى: قال تعالى ” وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يُرى .. “، تأمل صيغة الاستثناء والمبني للمجهول، عملك يرى بك وبغيرك وبالتاريخ .

آية قرآنية وصلني معنى جديد لها قدرا، فقد كنت انتظر موعد اجتماع، وفتحت المصحف وقرأت “قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ (72) وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ” (سورة القصص)، نلاحظ أن القرآن مع الحركية، فلا الدنيا كلها ليل فقط ولا نهار مطلق، وقد حدثنا الله جل وعلا عن الليل والنهار كشيئين منفصلين ثم قال ” لتسكنوا فيه ” أي الليل والنهار معا لأنهما أصبحا وحدة واحدة، كل مرة نقرأ كتاب الله تتفجر بوعينا معاني ودلالات جديدة لأنه كتاب معجز من قبل الخالق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *