الرئيسية / حوارات وأحاديث / د. يحيى الرخاوى: الشعب المصرى لا يعانى اكتئاب قوميا

د. يحيى الرخاوى: الشعب المصرى لا يعانى اكتئاب قوميا

مجلة نصف الدنيا

العدد: 1150

 24-2-2012

الشعب المصرى لا يعانى اكتئاب قوميا

د. يحيى الرخاوى

أجرى الحوار : سهير عبد الحميد

مدى شعور المصريين بالسعادة فى ظل الأجواء الحزينة والمتوترة التي تمر بها البلاد :

أنا لا أعتقد أن  البلاد تمر بأجواء حزينة بمعنى الغم واليأس والبؤس، بل هى أجواء التخبط والمحاولة، والخطأ، والتربص، والتحدى، والغباء، والمخاطرة،  والصبر، والتعلم، والاستمرار، لكن طبعا توجد  أجواء حزينة مع كل ذلك، وهى نتيجة أخطائنا وغفلتنا معا، فعلينا أن ندفع ثمنها، أعداؤنا الحقيقيون يتربصون بنا طول الوقت، نعرف بعضهم ولا نعرف أغلبهم، الذى يحزن ثم لا يبادر فيعمل ويتحمل المسئولية،يستحق أن ينغمس فى حزنه عقابا له، وعلينا أن ننتبه ألا يحملنا همه وغمه  وشلله وانفعالاته العشوائية.

ثم إننى لا أستعمل هذه الكلمة “السعادة”  إلا نادرا أو مضطرا، ولم يصالحنى عليها إلا كتاب كتبه الفيلسوف الرائع “برتراند رسل” عن السعادة، كتبه للشخص العادى بسلاسة ووضوح ، ومنذ قرأته بدأت أصالح لفظ السعادة، وأستعمله أحيانا ، أنا أستعمل كلمات أقرب إلىّ وإلى ناسى، مثل “الفرحة”،  وهى عندى أقرب إلى التعبير عن البهجة والانشراح والرضا من لفظ السعادة، بل إننى لاحظت أننى أفضل استعمال  لفظ “الفرْحَة” عن لفظ “الفرَحْ” ولا أدرى ما الفرق.

–        هل السعادة شعور جمعي أم أنها حالة فردية تختلف من شخص لآخر ؟

السعادة شعور فردى أساسا مثل كل المشاعر، لكنها تزدهر وتتضاعف بالمشاركة، وكلما زادت دائرة المشاركة زاد حقنا فى السعادة وزادت قدرتنا على الفرحة، والمشاركة لا ينبغى أن تقتصر على من هم مثلنا فى الدين أو فى الوطن، المشاركة الحقيقية هى مشاركة خلق الله حيثما كانوا، وكيفما هم.

–        هل السعادة استعداد نفسي بمعنى هل هناك اشخاص او شعوب تميل بطبعها للاكتئاب أو المرح ؟

هذا وارد،  لكن التعميم فيه تجاوز غير مفيد، لأنه حتى نوع الفرح أو نوع الاكتئاب يختلف من ثقافة لثقافة، ومن شعب لشعب، ومن فرد لفرد.

أما أنها استعداد نفسى، فهى مثل كل العواطف استعداد نفسى، علما بأنه لا توجد عواطف سلبية فى ذاتها، وأخرى إيجابية فى ذاتها، لأن السعادة نفسها إذا شعر بها جندى أمريكى لأنه اصطاد فقتل سبعة مجاهدين عراقيين بلا معركة، فهى سعادة دنيئة وسلبية، وإذا شعر بها ثرى كسب كذا مليون جنيه لأنه استغل جوع كذا مليون بنى آدم فهى سعادة حقيرة،

 أما السعادة لأننى أدخلت الفرحة على طفلى، أو على جارى، أو لأننى تخلصت من حاكم ظالم فهى سعادة شريفة يستحقها صاحبها وهكذا

–    هناك من يري أن كثرة الهموم التى مر بها الشعب المصري جعلته أكثر صلابة وبالتالي أكثر تحملا للهموم والمحن مما جعله أقل عرضة للأمراض النفسية… ما تعليقك ؟

أنا أثق فى ناس شعبى ثقة بالغة، صحيح أعرف أخطاءهم وعيوبهم، لكن الحصيلة غالبا هى لصالح ثقتى فيهم، لذلك فأنا ضد رأى زملائى الذين يصفون حال الشعب المصرى بأن عنده اكتئاب قومى، وأن نسبة الاكتئاب قد زادت ووصلت إلى أرقام تربو عن 20 % من أفراد الشعب، وكلام من هذا. هذا شعب قوى صبور، وهو صلب فعلا، وأعتقد أن علاقته بربنا وبالزمن باعتباره ابن حضارة تليدة جعلته أقدر على تحمل الصدمات والظلم أحيانا لفترات طويلة، دون استسلام دائم، وحين يحين الوقت، تتفجر فيه طاقة الغضب حتى الثورة، على شرط أن يتعهدها لتكون ثورة

بعد الأحداث التي مرت بها مصر عبر عام كامل هل تحول المصريون إلى مرضي نفسيين ؟

لا طبعا ، ما هذا؟ إن الذى ينهار أمام الأحداث هو كيان هش ، وشعبنا ليس هشا، صحيح أنه قد مر أكثر من عام دون أن ينجح فى  تشكيل كيان صلب لما هو دولة، مع زيادة عدم الانضباط نتيجة لتخلخل الجهاز الأمنى وما مر به من صعوبات وإهانات، وأيضا نتيجة لتذبذب الآراء، وكثرة التغيرات المفهومة والغامضة، وكان من نتيجة كل ذلك  أن سادت حالة من الحيرة التى صاحبها قلق موضوعى على مستقبل البلد، بالذات بالنسبة لاقتصاده، وأحيانا بالنسبة لأخلاق عامة الناس التى يمكن أن تخترق نتيجة لتمادى التسيب والبلطجة ، حتى أصبح عامة الناس يعيشون فى حالة من التوجس والكر والفر، لكن كل ذلك لا يعنى  أن يصل الأمر إلى أن يوصف شعب بأكمله بأنه أصبح  جماعة  من المرضى النفسيين.

فى اعتقادك هل سيعاني جيل الأطفال  الحالى  فى المستقبل من مشاكل نفسية مع كثرة أحداث العنف التي شاهدوها عبر عام كامل من الأحداث ؟

هذا احتمال وارد، وفى نفس الوقت علينا أن نأمل أنهم سيعيشون مستقبلا فيه احترام أكثر لإنسانيتهم، ولكرامة أهاليهم، وفيه عدل أشمل، وفيه فرص أوسع، لذلك لا ينبغى أن نركز على الحديث عن المشاكل النفسية دون الوجه الآخر للفرص الجديدة، علما بأن أكثر الدول  تحضرا وثراء فيها نفس المشاكل النفسية وربما بنفس التواتر، وذلك عند الصغار والكبار على حد سواء.

ما العوامل التي قد تساعد المصريين على تجاوز الصعوبات الحالية وتحقيق التوازن النفسي ؟

العمل، العمل، العمل،

ثم التوقف عن الحديث فى الماضى، وترك أخطاء الماضى للقضاء، واحترام بعضنا البعض بنفس قدر احترامنا للسلطة أيا كانت بعد أن عرفنا الطريق السلمى للتغيير،

وعلينا أن نحافظ على ما تعلمناه، لأنه لا يوجد بلد يمكن أن يبنى نفسه من خلال تواصل الاستجابة لقرارات الشارع خاصة بعد أن امتلأ الشارع بمن لا نعرف فى كثير من الأحيان،

أما حكاية التوازن النفسى فهذه كلمة عامة وغامضة، المهم هو العمل، والفرحة الدافعة للعمل، والحزن أيضا الدافع للعمل تحت مظلة من العدل والاحترام، يساهم كل منهما فى تحقيق التوازن النفسى الفعال (الصحة النفسيةالإيجابية)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *