الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة روز اليوسف / القتل بالإهانة: عن الوعى بالذات، فالكينونة،.. فالكرامة

القتل بالإهانة: عن الوعى بالذات، فالكينونة،.. فالكرامة

نشرت فى روز اليوسف

9 – 12 – 2005

سلسلة الإنسان

أ.د. يحيى الرخاوى

أما قبل

image002لا أظن أن أحدا منا لا يعرف الكرامة، مهما اختلفنا فى تحديد معناها، إنك إذا ذكرت كلمة كرامة انبرى معظم الناس للزعم بأنه: “كله إلا الكرامة”، الإنسان لا يكون إنسانا بدونها، ومع ذلك فالأمر ليس بهذه البساطة. حين بلغ الإنسان بعد رحلة تطور طويلة صعبة ما يعلن بزوغ الحياة البشرية، تم ذلك بإعلان أن الكائن الحى اكتسب الوعى بالوعى، بالذات، فاتيحت له فرصة الوعى بوجوده المتفرد، وحقه فيه، وأيضا بوجود آخرمثله، من نفس نوعه، ومن ثم “الكرامة” ، “ولقد كرمنا بنى آدم”. ينشأ ما هو كرامة حين يكون لك كيان حقيقى نامٍ فى مواجهة كيان بشرى مثله، وبقدر ما تعى الاثنين معا، تكتشف أن كرامتك مرهونة بكرامته، العلاقة بين الكرامة والاحترام والعدل علاقة وثيقة، الذى يمتهن كرامة الآخر، يتنازل عن كرامته (إنسانيته/وجوده) فى نفس اللحظة.  مع “حالة اليوم” (النص البشرى) نرى كيف تتماهى الكرامة مع “الوجود”، فإذا انجرحت الأولى اهتز الكيان الإنسانى برمته  حتى التفسخ. يستعيد الإنسان المجروحة كرامته، نفسه، حقه فى الوجود، من خلال إعادة تشكيل ذاته فى محيط من شوفان آخر، واحترام آخر، وعدل آخر، وليس بمجرد التفريغ كما يبدو من الدراما العلاجية لأول وهلة، هيا نرى:

القتل بالإهانة:

عن الوعى بالذات،  فالكينونة،.. فالكرامة

المتن: النص البشرى

image004هو رجل فى الثانية والثلاثين من عمره، من الصعيد، حاصل على بكالوريوس سياحة وفنادق، أعزب، يعمل مدرسا بعقد، توقف عن العمل مؤخرا، جاء مع أخيه (27 سنة مدرس لغة عربية) كانت شكواه تلقائيا: “..انا مضايق شويه، التعب زاد عندى بقاله سنه، قبل كده كنت تعبان من ساعة ما ضربونى فى القسم ورحلونى على بلدنا من حوالى 7 سنين. غيرت كذا شغلانه عشان مفيش شغلانه مناسبانى ،…. الناس فى الشارع بتبص لى بصّـه غريبة….، وممكن يتوشوشوا علىّ، كنت باسمع صوت راجل من غير ما شوفه يقول لى كلام غريب مش بافهمه، يكلمنى عن ست بتوشوش…

نلاحظ هنا أمرين: الأول أنه ذكر حادث الضرب فى القسم بشكل عابر هادئ، مختصر: أربعة ألفاظ وحرفىْ جر: “ضربونى فى القسم، ورحلونى على بلدنا”..،  نقارن ذلك بحكى أخيه الأصغر (المرافق) كالتالى:

حمدى (ليس اسمه الحقيقى)  تعبان من حوالى سبع سنين، فى الجيش حصلت له مشاكل وضربوه وحبسوه مش عارفين ليه، … .. يقعد زى النايم، تندهله ميردش عليك ،…، ولا حتى يكلم حد من زمايله، حتى كلامه فى البيت …، يدوبك يرد على أد السؤال.

image006“..بدا  تعبه لما كان قاعد مع عمال التراحيل مستنى شغل، البوليس أخده تحرى والضباط هناك ضربوه وبهدلوه جامد واترحل على بلدنا، والحكاية دى تعبته جامد وفضلت مؤثرة فيه لغاية دلوقت، بقى يقعد قاعدة واحده كذا ساعة
مايتحركش وجسمه يبقى مخشب، قعد 4 شهور بحالهم مايتكلمش ولا كلمة، منهم 4 أيام كان نايم فيهم على طول يادوبك يصحى يخش الحمام ويرجع ينام تانى، ولا ياكل ولا يشرب ،… خَدْ علاج لكن ما تْحسنش إلا لما خد جلسات كهربا،  …. ميدوّرش على شغل ولا يسأل على مستقبله ولا يفكر فى جواز ولا حاجة، كلامه ماعدش فيه هزار ولا ضحك زى زمان ماينزلش يروح لحد من قرايبنا ولا يتفسح ولا يتكلم معانا فى أمور البيت. بعد سنه رجع تانى للسكوت، واتحسن بالجلسات، والحكاية دى كانت ترد عليه مرتين ثلاثة كل سنة، أحيانا يقولنا إنه بيسمع أصوات تكلمه فى ودانه، فى الفترة الأخيرة بقى ياخذ العلاج، لكن مش بانتظام.

هذه الشكوى من الأخ أوضحت:(1) لم يحك حمدى تفاصيل الإهانةات فى الجيش” (2) حكى الأخ عن إهانة قسم البوليس أضعاف ما ذكر المريض (3) أعراض المرض تراوحت بين الانسحاب، والاكتئاب حتى التجمد، و الهلوسة السمعية وإرهاصات التفسخ(4)  مسار المرض “متفتر”: أى يتحسن، جزئيا، بعلاجات متنوعة، ثم يسوء.

أم حمدى كانت تصاب أحيانا بنوبات اكتئاب، تزول بالعلاج، حتى انقطعت وشفيت تماما، الوالد “بنّــا”، رجل  طيب، اجتماعى، راع لأسرته، متدين، ويشرب البيرة أحيانا مع أصدقائه، توفى من عشر سنوات وعمره 55 عاما، والأم –برغم مرضها أو بسببه_ حنون مطيعة قريبة لأولادها. لحمدى أخوان أكبر، وأخ أصغر (المرافق) وأخت، والجميع تعلموا وحصلوا على دبلومات أو بكالوريوس، والعلاقة بينهم  طيبة.  التاريخ الدراسى للمريض يشير إلى تفوق فى الابتدائى والإعدادى، ثم هبوط مفاجئ فى الثانوية العامة (54%) ، ثم معهد أربع سنوات، وبكالوريوس، أما عن الشخصية قبل المرض فقد كان انطوائيا، خجولا، بلا علاقات تقريبا، “كان يفضل فى الفسحة قاعد لوحده فى الفصل ماينزلش يلعب مع زمايله” عمل فى  أعمال متعددة، فى تخصصه، وغير تخصصه، أعمال يدوية (مثل السباكه..)، يعمل الآن “مدرسا” بعقد مؤقت،  يصف أخوه عمله الحالى: “يخش المدرسة مايسألش على حد ولا حتى على الناظر، يقعد فى الفصل مايتكلمش خالص لغاية ما خلوه يقعد فى حصص الالعاب، يفضل قاعد على الكرسى مايعملش حاجة، كان يروح المدرسة مايمضيش حتى.” ولم يمكن أخذ معلومات كافية عن التاريخ الجنسى، والعاطفى لا من حمدى، ولا من المرافق (الأخ)، وقد أظهر فحص الحالة الراهنة تماسك قواه المعرفية (التفكير- الذاكرة..إلخ)، وغلبة الاكتئاب على مزاجه، بالإضافة إلى الهلاوس (السمعية)، واحتفاظه بدرجة من البصيرة .

مقتطفات من النص البشرى (المقابلة):

الطبيب (كاتب هذه السطور، ويشار إليه فى الحوار بالعلامة “=”): 

“=”: الدكتور”م”، (…الطبيب: مقدم الحالة)  حكى لنا الحكاية من سبع سنين: الجيش وظروف العمل والوالد والعائلة، بس فيه معلومات مش كافية، تحب إنك تضيف حاجه ؟ ….، توضح أى حاجه ؟

حمدى: زى إيه مثلا؟

“=”: أى حاجة، أى شىء تتصور إنه يفيدك ويفيدنا، مثلا …. تاريخك العاطفى، الدكتور كتب فيه 3 سطور، حادث الإهانة سطرين.  ينفع كده؟  تحب تضيف حاجة؟

“=”……

–   ……

حمدى : الحادثة تركت أثر فى نفسى، يعنى الزعل

“=”: الزعل بس؟ دى الحكاية وصلت  لدرجة كبيرة قوى:  لخبطة شديدة أو فركشة

حمدى : صحيح

“=”: هوا إيه الفرق بين اللخبطة، والفركشة؟

حمدى: لخبطة يعمل حاجات مفروض ما تتعملش،  الفركشة ما فيش نظام أو فهم.

“=”: ياه !  بصراحة صح، دى ما كانتشى واضحة عندى قوى كده، ممكن تحكى اللى حصل بالتفصيل؟

………

حمدى:  من أول ما أخذونى فى البوكس بدون سبب ؟

“=”: أيوه : إنت كنت قاعد  مع العمال بتوع التراحيل، كنت قاعد فين؟

حمدى: قاعدين فى السجن

“=”: قبل ما ياخذوك السجن، كنت قاعد مستنى الشغل فين؟

حمدى: فى المعادى

image008“=” : فين

حمدى: ميدان العرب

……

…….

حمدى: “=”: إنت مدرس، إيه اللى وداك مع عمال التراحيل؟

حمدى: قبل ما ابقى مدرس، …أكل عيش.

“=”: مرتبك كام

حمدى: باخد 120 جنيها

……..

“=”: نحكى على الحادثة يوم ما كنتم جالسين فى عرب المعادى كنتم كام واحد؟ب

حمدى: كثير

“=”: كان إمتى (الصبح؟ الظهر؟  بالليل؟)

حمدى: كان داخل علينا الليل

“=”: معقول؟  حد يروح  بالليل يستنى شغل، كلهم بيروحوا  قبل الشمس

حمدى: إنت عارف إن مافيش شغل،  باضطر أجلس لحد بالليل

…..

“=”: حصل إيه؟

حمدى: فجأه وقف البوكس عندنا ونزل منه واحد، وقال لى تعالى إركب

“=”: كان فيه كام واحد فى البوكس مالأول؟

حمدى: حوالى عشرة

“=”: وإنتم كنتم كام؟

حمدى: حوالى اثنين، ….، فيه ناس جريت.

“=”: حصل إيه بقى؟

image010حمدى: اللى حصل إننا دخلنا السجن، لكن قبل ما ادخل حاولت انى أستفسر من الظابط  عن إنى   متاخد ليه، هوه سافل شوية

“=”: كان معاك بطاقة؟

حمدى: أيوه ، معايا كل الأوراق.

“=”: عرفت إنه سافل إزاى؟

حمدى: كان حايمد إيده ، قلتله تهمتى إيه؟  ما عمِلتشْ حاجة.

“=”: رده كان إيه؟

حمدى: مد إيده، فحُـشتها

“=”: بعدها  حصل إيه؟

حمدى: دخلنى السجن،  كان فيه حاجات مش كويسة.

“=”:  قال لهم وضبوه إضربوه ؟

حمدى: سفله شتيمه وإيدين، إللى حصل جوه السجن صعب، كانت  الناس تتبول مكانهم،  لحد  ما رحلونى ما وضّحليش ليه ، وبعد كده جاب عربية كبيرة ورحنا قسم الخليفة

“=”: إنت حكيت الثلات أيام كإنهم ثلات دقائق

…….

“=”: معلهش حاسألك سؤال، وتجاوب عليه زى ماتيجى

حمدى: سؤال إيه ده ؟

“=”: إنت اتكسرت إمتى؟  مع رَفعة الظابط إيده؟ ولا  مع دخولك مع الناس دول؟  ولا مع الترحيل؟

حمدى: إتكسرت إزاى يعنى ؟

“=”: يعنى اتكسرت.

حمدى: مش فاهم

“=”: ما تقعدشى تفسر، إنت اتكسرت إمتى؟ هىّ كده بس !!

حمدى: لحظة ما رفع إيده.

“=”: هو يعنى إيه اتكسرت؟

حمدى: يعنى كرامتى تتجرح

“=”: هو ده قصدى،…!  كتر خيرك،( إنت وصلت للى عايزينه من غير شرح)

image012………..

……….

“=”: لو قابلت الظابط ده  دلوقتى، تعمل إيه ؟

حمدى: دلوقتى؟

“=”: أيوه دلوقتى حالاً لو قابلته بعيد عن القسم، هاتعمل إيه؟

حمدى: إللى هوه مد إيده؟

“=”: …. آه. تحب تمثل إنك قابلته وتشوف هاتقولّـه ايه ؟ تصور إنه الدكتور “هـ “.

حمدى: دكهه كان لابس ميرى

“=”: ضباط المباحث بيلبسوا ملكى.

حمدى: أيوه.

“=”: إفرض الظابط اتنقل للمباحث ولبس ملكى وعرفته، واستفردت بيه “…..” بنمثل يعنى.

حمدى (يبدأ فى التمثيل مباشرة ويوجه الكلام للدكتور”هـ” باعتباره الضابط،): “ أنا حضرتك،  أنا موجود هنا ليه؟”

“=”: لا الكسرة حصلت، واللى كان كان، إحنا مش بنعيد اللى حصل:  إحنا عايزين نعرف هاتعمل إيه فيه لو قابلته بالصدفة دلوقتى حالا، والظروف سمحت تاخد حقك ؟

حمدى: (للدكتور”هـ” باعتباره الضابط”):

image014– هوه أنت ؟؟؟!!!

الدكتور”هـ”: أيوه أنا.

حمدى: عملت انا إيه؟

الدكتور”هـ”: مجرم لقيته فى الشارع

حمدى: هو أى حد بتاخده؟

الدكتور”هـ”: أيوه.

حمدى: طب مش تشوف بطاقته؟

الدكتور”هـ”: …  مجرم واقف فى الشارع مع ناس، وإيه اللى يوقفك فى نص الليل؟

حمدى: مافيش شغل .

الدكتور”هـ”: مافيش شغل؟؟ تقف فى نصف الليل تدور على شغل؟!

حمدى: فيه شغل بالليل آه ،عاجبك ولا مش عجبك.

الدكتور”هـ”: لأ مش عاجبنى.

حمدى: خلاص اتفلق.

(الدكتور”=”: إحنا حا نعيد السبع سنين تانى مش هاينفع يا حمدى، إنت تألمت بما فيه الكفاية لازم تاخد حقك منه دلوقتى)

حمدى للدكتور”هـ”: يابن  الوسخة بتعمل فىّ كده ليه ؟

(“=”: شوف يا حمدى،  هيه طلعت كلام وبس، عايزينها تطلعه بِغـِِـلّ، زى ما انت حاسسها..)

حمدى للدكتور”هـ”: يا ابن الأحبه يا علق

الدكتور”هـ”: إنت بتشتمنى انا؟

حمدى: ايوه، امال باشتم مين.

الدكتور”هـ”: والله العظيم لعلـّمك الأدب

حمدى: تعلم مين؟

(ثم رفع حمدى الكرسى وحاول أن يضرب بيه الظابط (الدكتور”هـ”)

الدكتور”هـ”: إنت رافع الكرسى؟ أنا  حاوديك فى داهيه انت وأهلك

حمدى: دا أنا اللى هاوديك فى داهيه.

الدكتور”هـ”: إنت عارف إنت بتضرب مين

حمدى: باضربك انت

……..

الدكتور”هـ”: هاحبسك وأوديك فى داهيه

حمدى: لا ، قبل كده دا انا اللى هاوديك فى داهيه،، أقتلك.

( …بعد ذلك عبر حمدى عن مزيد من التحدى وواصل محاولة الهجوم)………

“=”:  يا حمدى يابنى متهيألى إن الحادثة اللى من سبع  سنين …. موجودة زى ما هى

حمدى: آه …،  لأ..،  بس بمرور الوقت، وكده ممكن الواحد… (صمت)

“=”: ما حصلش …!!!

حمدى: سايبَهْ أثر يعنى؟

“=”: مش سايبه.  دى هىّ هىّّ، كإن ما مرش ولا ثانية

حمدى : بس،  بعد كده….

“=”: (مقاطعا) بس إيه؟  …

حمدى: همّا كده

“=”: نعم؟ نعم؟

حمدى: هما الشرطة كده.

“=”: احنا فيه حمدى وفيه الواد الظابط ده، ما هو الضابط  بتاع البساتين إللى رجعك بلدكو عما هو ابن حلال،…..، حانعمل إيه فى النصيبة المحددة دى دلوقتى؟

حمدى: أحسن حاجة : ماِنفْتِكِرْهاَش.

“=”: يا نهار اسود!!  إزاى؟ إذا  كانت موجودة بحجمها؟

حمدى: خلاص نفتكرها بأسلوب تانى؟

“=”: إزاى؟

حمدى: إزاى!!!؟  نقول إنه ماكانش قاصده مثلا

“=”: يا خبر إسود ومنيل، هوّا ده اللى انت قلت عليه ابن الأحبه، وابن الوسخة، وعلق، وكنت حاتقتله يبقى: ما كانشى قصده، إنت شايف إنت بتظلم نفسك ازاى؟

حمدى: هانعمل إيه يعنى؟ “…..” همّه كده.

“=”: نقوم نقول ماكانش قاصده !! أنا مش عايز اقلّّب عليك المواجع، لكن كسرة الكرامة ترتب عليها مصايب كثيرة،……،  إنت كنت بتسمع صوت ست بتوشوشك مش كده؟ إيه علاقة جرح الكرامة،  بالست اللى بتوشوشك ؟عايزين نربط بين “اللخطبة” و”الفركشة” و”الكسرة”، والست دى؟ ..مش يمكن الأصوات دى من جوه؟

حمدى: يعنى لو قالوا ست، تبقى بتطلع من جوانا …

“=”: مين اللى قالوا؟

حمدى: مش مصدق

“=”: إيش عرّفك؟

حمدى: ست بتطلع؟!!

“=”: يعنى،….، طيب بتوشوشك بتقولك إيه؟

حمدى: هما اللى بيقولوا

………..

“=”: سمعت إمتى الأصوات دى؟ بالليل ولا بالنهار، ولا إمتى؟

حمدى: بالليل

“=”: إزاى

حمدى: سمعت طشاش

“=”: عايزين نفسرها الأصوات دى،  ونربطها بالجرح والكرامة والإهانة،  ولاّ إيه؟

حمدى: هوه كل ده مترتب على بعضه؟؟

“=”:   أنا بافترض يعنى

حمدى: الواحد تفكيره ملخبط شوية”…”  نشوف حل تانى

“=”: هو مش كان فيه  معاملة فى الجيش برضه فيها إهانة؟

حمدى: نعم

“=”: زى إيه؟

حمدى: دخولى السجن

“=”: حصل إيه؟

حمدى:  كنت واخد أجازة  8 أيام، إتاخرت ساعة ونصف

“=”: حصل إيه”…..”  إهانة برضه؟

حمدى: إهانة طبعا

“=”: عبارة عن إيه

حمدى: تنظيف المكان ……. إهانات كتير

“=”:  إيه هىّ

حمدى: التكدير

“=”: يعنى إيه؟

حمدى: تقعد بالشورت بس، ويجيب جردل الميّه ويرميه عليك، وحاجات من دى.

“=”: هوا  اللى حصل فى الجيش وبعدين القسم والحبس، له علاقة بسيبانك الشغل باستمرار

حمدى: علاقة؟ طبعا “!! واحد  طول حياته مستقيم وبيفكر، وكويس وحافظ كرامته،  وتيجى حاجة زى كده، بتأثر طبعا

“=”: لدرجة اللى حصل؟؟  ؟؟

image016حمدى: ماعرفشى.

………..

“=”: هوه مين الى بيحبك، يا حمدى؟

حمدى: فى الأسرة يعنى؟

“=”: …. آه ، وغير الأسرة بس حب بحق وحقيق؟

(جرى بعد ذلك  كلام عن العلاقة العلاجية، وأن الضمان هو  أن تكون هناك مظلة رحمة من ثالث حاضر طول الوقت، الله سبحانه، لضمان استمرار العلاقة، علاقة تفيد أكثر من الكتاب الذى كان المريض ممسكا به ويقول إنه يقرأ فيه وعنوانه “علامات القيامة الصغرى”..إلخ)

“=”: …. أنا علشان أكمل معاك لى شروط واضحة

حمدى: موافق.

“=” :… العلاقة اللى بينا تبدأ  بالشغل، ما تسيبش شغله إلا لما تلاقى شغله غيرها، مفهوم؟ سبت الشغل يوم الثلاثاء تنزل شغل يوم الاربعاء، خليك ناصح، بتجيلك أصوات من قعدتك لوحدك فى الضلمة، بتطلع من جوه، نتفق إنك تشتغل حتى مع الأصوات وهى حاتخف، تختشى تطلع قدام الناس، وبالدوا، والاتصال ببعض، وشوية كلام من ده …..

حمدى (يضحك) : هو أنا كده ومش واخد بالى؟  هوّا شوية قلق بسيط

“=”: يا نهار اسود،  كل ده قلق بسيط، الله يخيبك، إنت عامل زى الدكاترة لما يحبوا يطمّنوا العيّانين بالعافية.

حمدى: ما قصدتش …

التعقيب العام:

أولا: نبدأ بالتحذير من الربط ربطا سببيا بسيطا بين هذه الإهانة وبين المرض، باعتبارها المسئول الأول والأخير عما أصاب حمدى. إن مثل هذا الاختزال هو أقرب إلى ما تقدمه أغلب  المسلسلات من تسطيح.

ثانيا: إن الاستهداف للتفاعل المرضى بهذه الصورة الجسيمة، نتيجة مثل هذا الجرح للكرامة، يكون مطروحا بشكل عنيف حين يستمد الشخص أغلب مقومات وجوده من خارجه، وليس بما امتلأ به من لبنات كينونته حتى وعى ذاته بما تستحق. إن تحقيق هذا الامتلاء هو مسؤولية التربية فالمجتمع، بكل مستوياتهما: من الأسرة حتى العدل فى دوائره الممتدة حتى آخر الدنيا.

ثالثا:  حتى لو زعمنا مثل المريض “أن كلهم كده”، فإن تواتر الظلم، لا يبرر قبول هذا القبح الإنسانى، ولا التهوين من خطورته.

رابعا: إن الذى يهين الآخر هكذا، إنما يتنازل عن إنسانيته وكرامته هو ابتداء، مهما بدا غير ذلك

خامسا: إنه ليس ضروريا أن يتناسب التفاعل المرضى، أو الألم الحادث، مع شدة الجرح تناسبا طرديا بسيطا، من هنا نؤكد على أن نوع استقبال المجروح هو مهم جدا أيضا، وهذا يتوقف ضمنا على تكرار الإهانات السابقة، ظاهرا أو باطنا، و تراكمها حتى دون وعى.

 سادسا: إن الجرح أمام آخرين،، هو أخطر كثيرا من الجرح  على انفراد .

image018سابعا: لا ينبغى التصفيق أكثر من اللازم لما حدث فى المقابلة الإكلينكية العلاجية ، ذلك أن مجرد التفريغ (التذكر والسيكودراما..إلخ) ليس هو الحل .

ثامنا: حتى على فرض أن المُهان أتيحت له فرصة انتقام حقيقية،  فإن جرح الكرامة الذى يصل إلى جرح الوجود حتى التفسخ هكذا، لا يصلحه إلا بناء إنسان من جديد، وبتخطيط مسؤول.

تاسعا: إن الارتباط الواضح بين الفقر (حامل بكالوريوس يجلس بين عمال التراحيل)، والقهر والطوارئ (سلطة البوليس الغشوم) ثم المرض، هو ارتباط هام وله دلالته القصوى، وبالتالى علينا أن نحول دونه، لكن هذا لا يعفينا من أن نبحث فى أعماق أبعاد المسألة المتشابكة المداخل.

 عاشرا: إن التشخيص الخطير الذى يصنف الحالة (لا داعى لذكره، لأن الاسم لا يقدم ولا يؤخر)، لم يمنع التواصل العلاجى كما لاحظنا، وكان منطق المريض وبصيرته من أكثر ما ساعد على إرساء العلاقة العلاجية التى تبينت معالمها فى هذه المقابلة .

حادى عشر: إن التأكيد على دور التربية لمثل هذا الضابط، ومثل ذاك المريض، معا، هو مسؤولية مشتملة، تحتاج ثورة حقيقية على جميع المستويات، تربويا، وسياسيا، وأخلاقيا ودينيا.

ثانى عشر: هل ما يسرى على الشعوب،  فى السلم  والحروب ، يسرى على الأفراد؟

الإجابة: نعم، طبعا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *