الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة روز اليوسف / حكايات الفطرة: للكبار من أغانى للأطفال (3): فماذا عن التقدير والتشجيع والجوائز؟

حكايات الفطرة: للكبار من أغانى للأطفال (3): فماذا عن التقدير والتشجيع والجوائز؟

نشرت فى روز اليوسف

 18 – 11 – 2005

سلسلة الإنسان

أ.د. يحيى الرخاوى

أما قبل

image002كان أول ما قدمنا فى هذا الباب هو تنبيه إلى حاجة أساسية فى الوجود البشرى، أسمياناها: الحاجة إلى الشوفان. أن يرانا آخر بما هو نحن، أن ترانى أنا بما هو “أنا” ابتداء، لا بما أعمل، ولا، فقط، حين أنجح، ولا على شرط أن أكون بالمواصفات التى تضعها لى، أو تتوقعها منى، ولا مقابل شرط مسبق. لكن كل هذا ليس سوى بداية، اعتراف كل منا بالآخر كيانا موجودا مستقلا متفاعلا معا هنا/”هناك”  هو بمثابة ما يقول التعبير الشائع “فتح كلام”، يليه بعد ذلك مثلا: أن يعود النجاح على من فعله  لا أن يستولى عليه من استثمره من الوالدين ، كما ذكرنا فى أطروحة سابقة. هناك تفاصيل كثيرة يعرفها الأطفال بالفطرة، وهم لا يستطيعون التعبير عنها بالكلمات.

أن ترى طفلك: هذا جيد(الشوفان) ، أن تهيئ له فرص النجاح دون أن تستولى عليه، هذا رائع، أن تحن عليه وتشعر بمشاعره وتشاركه، هذا ضرورى لكما معا. هذه ليست كل الحكاية : الحياة حلقات متنوعة من الإنجاز والإخفاق، لا تكتفى بالشوفان والاعتراف معلنا وخلاص، ولا تتوقف عند النجاح كما نعرفه أو نتصوره. الطفل – مثل الكبير – ينجز، ويعمل أشياء طيبة كثيرة، صغيرة وكبيرة،  وهو يريد منك ليس فقط أن تراه، ولكن أن ترى ما فعل، يريد منك أن  تقدره، ليس فقط بالمديح، وإنما بالرأى، بالنقد، بالتعديل، بالفرحة، بالحوار، بالتساؤل.

أغنية اليوم، والحكايات الشارحة حولها، هى عن التقدير وما حواليه

حكايات الفطرة: للكبار من أغانى للأطفال (3):

فماذا عن التقدير والتشجيع والجوائز؟

مهما بلغ النضج، أو العمر، أو الإنجاز، أو النجاح، فأيا ما كان ما تعمله، أنت تحتاج أن يراه أحد، ليس أن يراك أنت فقط، لكن يرى ما أنجزت، وأن يضعه فى مكانه، ثم يرى أن هذا الذى رآه هو من ناتج فعلك أنت ، وليس غيرك. لو أن نجيب محفوظ بعد أن أصبح نجيب محفوظ، وبعد نوبل، وبعد الحادث الأليم، وبعد كل التكريم والتعظيم، وبعد كل شىء، لو أنه كتب “أحلام فترة النقاهة” التى يكتبها الآن وهو فى الثالثة والتسعين من عمره – أطال الله بقاءه – ولم ينشرها، لأى سبب من الأسباب، أو أنه نشرها – فرضا – فلم يلتفت إليها أحد، لو حدث هذا قالأرجح عندى أنه سوف يحبط – من حيث المبدأ – مثله مثل أى طفل رسم وردة ولم ترها والدته وتصفق له، ثم لأنه نجيب محفوظ (للإيضاح لو سمحت)، سوف يتذكر أنه نجيب محفوظ فيتحدى، ويصبر، وقد يتعجب، ويتألم، ويواصل، ويحسّـن، ويواصل، ويبدع، ويبدع، ويبدع أجمل وأكثر اختراقا. فهو نجيب محفوظ، فإذا تكرر هذا – بفرض المستحيل مازلنا – فقد يتوقف، أو لست أدرى ماذا يحدث ….، كنت لا أريد أن أواصل ضرب هذا المثل الصعب المستحيل، حبا فى الرجل، وخوفا ألا يمكن تصور ذلك، لكننى لم أجد بديلا يوضح الأمر بهذا التحدي. فلنستمر فى المثلا : لو أن أحلام فترة النقاهة هذه نشرت – كما تنشر فعلا – وترجمت، وقرأها ناس كثر، ثم- ما زلنا نفرض المستحيل- ثم لم يعقب عليها أحد، وبالذات لم يتناولها النقاد بما ينبغى، ليس بالضرورة مدحا وتقريظا، فقط يتناولونها  بما ينبغى لها والسلام، إذن لظل احتياج نجيب محفوظ للتقدير (بالنقد والحوار، ونقد النقد وحوار الحوار فالنقد ..بغير نهاية…) هو احتياج إنسانى ضرورى لا تغنى عنه نوبل، ولا تاريخ سابق، ولا مال قارون، ولا خلود قرون.

لقد بدأنا حديثنا بضرب مثل من شخينا البالغ من العمر مائة إلا سبعة أعوام أطال الله عمره وأدام عطاءه . فماذا عن الطفل الصغير، وقد عمل الواجب، أو رسم وردة، أو استطاع ان يركب دراجة بعجليتن – وليس ثلاثة – دون أن يسنده أحد،، ماذا يريد هذا الطفل منا، وإلى أى مدى، وبأى شروط؟  تعالو نستمع إلى الأغنية أولا

الأغنية

أنا باعمل ، حاجة حلوة

       image004    نفسى تتفرج عليها

آه: تقوللى كام “برافوا”

أو تقولْ: “ألله ينوّر”

أو تقوللى نـُصْ نـُصْ ، تِقْدر اكْترْ،

أو تقوللى هيه وحشهْ ، بس كمّل  وانت تكبرْ.

أنا مطّمن لشوفك ليّا صح، دى حلاوتك

أنا مستنى اْلِتفَاتَّـكْ

المهم ما تنسانِيشْ

حتى لو إنِّى مافيشْ

 

قوللى رأيك كلّه يعنى

قوللى إنك: آه سامعنى

حتى لو رأيك بيوجع

أنا حاتعلم  وأطلع

 

 image006بس يعنى خلّى بالك

الحكاية مش كلام، أو  مشّى حالك

هيه مش لعبة مجاملة

إوعى تفهم إنى هابلة

 

إوعى تنفخنى زيادة

أو تقولها للجميع كده زى عادة

مش حابيع نفسى عشان أرضِى جنابك

مهما كنت جعان لِشُوفَكْ، أو حايوجعنى عتابكْ

 

لو تقولها “زى واجب”، مش عايزها

لو تقولها وانت مش شايف، أنا مستغنى عنها

لو تقولها وانت فاهم إيه حدودها

يبقى حاتجيلك ردودها

باللى يترعرع بنا،

واحنا بنعمّرها ناحية ربنا

القراءة : واحدة واحدة

أنا باعمل ،  حاجة حلوة

           نفسى تتفرج عليه

أول خطوة لما يسمى التقدير، هى أن ترى ما يفعله الآخر (خصوصا الطفل)، مجرد أن يبلغ وعيك أنه عمل كذا، هذا نوع من التقدير، ليس بالضرورة أن هذا الكذا يكون عملا كبيرا أو مجيدا أو جديدا أو لامعا، فقط أنه (الطفل، أو الشخص)  عمله وأنجزه، طبعا هناك أعمال لها وضع خاص تحتاج إلى هذا الاعتراف المبدئى بشكل خاص، لكن من حيث المبدأ ، فإن كل ما ينجزه الطفل بالذات (والكبير أيضا) يحتاج إلى وعى الآخر به، الفرجة هنا ليست من فوق أو بعيد، لكنها إقرار أشبه “بعلم الوصول” فى البريد الموصى عليه.

آه: تقوللى كام “برافوا”

أو تقولْ: “ألله ينوّر”

أو تقوللى نـُصْ نـُصْ ، تِقْدر اكْترْ،

أو تقوللى هيه وحشهْ، بس كمّل وانت تكبرْ.

بعد أن يصلك خبر ما أنجز طفلك (أو أنجز أى أحد يهمك أمره، أو يهمه أمرك) يمكن أن تكفى هذا التوقيع بعلم الوصول.  أحيانا يقوم الطفل بلعبة ما، أوينجح فى اجتياز حاجز عقبة ما،  فلو أنك أتقنت الملاحظة لرأيته ينظر بطرف عينه إلى أبيه يطمئن أنه يرى ما فعله، وهنا يمكن أن ننبه أن التعليق الفورى أو المباشر على هذا الإنجاز ليس ضرورة حتمية طول الوقت، بل إنه أحيانا يكون سلبيا. كثيرا ما يحتاج الطفل أن يطمئن أن من حقه أن ينسب ما أنجز إلى نفسه فقط، ويكون التعليق المتسرع من الآخر، أو المبالغ فيه (حتى التصفيق) هو بمثابة سرقة ما أنجز بشكل ما.  ذكرنا ذلك فى النجاح، حين قلنا إن النجاح يكون بنّـاء حين يوضع فى محله لصالح مسيرة نمو صاحبه أولا، ثم للآخرين بعد ذلك ( أنا حانجح  مش عشانكم، مش عشان  خاطر عيونكم، النجاح دا هوّا ليّا، وانا منكم).

 أين الحد الفاصل بين أن يعود عائد الإنجاز (النجاح مثلا، التفوق) للناشئ الذى أنجزه، وأن يستولى عليه الذى اعترف به أو صفق له؟؟ إن ذلك يتوقف على نوع وحجم ولغة الرؤية والتقدير: نستمع إلى الطفل فى الأإنية، ماذا يريد :

أنا مطّمن لشوفك لىّ صح،  دى حلاوتك

أنا مستنى اْلِتفَاتَّكْ

 المفيد فيما يسمى التقدير والاعتراف بالإنجاز،  للطفل خاصة، هو أن يكون فى حجم الإنجاز لا أكثر ولا أقل، المبالغة فى مدح عمل أكثر مما يستحق، ليس تشجيعا صرفا، المهم هو “شوفك لىّ صح”، فى حجمها الموضوعى، مجرد التفاتة، إيماءة، مشاركة، قد تكون أفضل من كلمات تطبيل كثيرة. معظم الأمهات (وكثير من الآباء) يرون أولادهم موهوبين بشكل خاص جدا، (ما حصلوش) موهوبين، أكثر من أطفال الآخرين (الأقرباء بالذات!!) ، كتبت مرة أنبه على هذه الظاهرة، وأنه برغم ادعاء كل أم أن طفلها مثل كل الأطفال، فإن سلوكها عادة ما ينبئ بغير ذلك تماما. أحيانا يصل التباهى بإنجاز الطفل درجة التفاخر وكأنه اقتتال بين الأمهات، أو قد تلجأ  أمهات أخريات إلى إخفاء إنجازات أطفالهن خوفا من الحسد، كل ذلك يمكن أن ينبع من اعتبار الطفل ملكية خاصة، وبالتالى كلما كانت متميزة، فإن هذا يرفع من شأن صاحبها، تقول القصيدة التى تكشف بعض ذلك وهى بعنوان

أغنية قبل النوم

image008طفلى طفلى

طفلى ‏الخاص

ملكى ‏الخاص

الضحكة‏ ‏غير‏ ‏الضحكة

واللفته‏ ‏والبسمة‏ ‏والغمازة

‏-2-‏

طفلى ‏طفلي

“طفلى ‏مثل‏ ‏الناس”

أكذب‏ ‏مثلى ‏مثل‏ ‏الناس‏.‏

إذ لو‏ ‏أنى ‏قلت‏ ‏حقيقة‏ ‏نفسي

أو‏ ‏قالت‏ ‏مثلى ‏من‏ ‏هن‏ ‏كمثلي

تشتعل‏ ‏الحرب‏ ‏بغير‏ ‏أوان

بين‏ ‏الناس‏ ‏الأطفال

فالأطفال‏ ‏الناس

أطفال الناس

أفضل‏ ‏أبدا‏ ‏

من‏ ‏كل‏ ‏الناس

نرجع إلى الأغنية ونحن نحترم هذه الرغبة فى كل منا بتنبيه دال، وهو افتراض يدعو للابتسام، إذا صح هذا الافتراض بأن كل واحدة  تعتبر طفلها هو الأفضل، فما هو الحل؟ ومن فينا الأصدق؟ ألا يدل هذا على أن من يرى طفله كذلك هو(الأب او الأم) ليس إلا  طفل أهبل؟  فماذا يريد طفله الحقيقى الأعقل؟ نستمع للأغنية على لسانه (لا القصيدة)

المهم ما تنسانِيشْ

حتى لو إنى  مافيشْ

image010التقدير الأساسى الذى يريده الطفل هو أن يكون فى وعى وذاكرة المظلة الحانية  التى ترعاه وتراه وهو يحقق المكسب تلو المكسب، وهو يخطو الخطوة تلو الخطوة، حتى لو كان هذا المكسب شديد الضآلة. نحن ننسى أن الطفل يستطيع أن يلتقط التقدير والرؤية دون أن نعلنها، وهو حين يطلب رأينا بغير ألفاظ، لا يريد منا خطبة عصماء فيما تم، وإنما هو يلتقط رؤيتنا كلها، ويطمئن إلى أن رسالة ما أنجز قد وصلت إلى من يهمه الأمر، إلى من حوله، وهو أيضا يحتاج كل رؤيتنا دون اختزالها إلى ما يسره، أقول مرة أخرى دون ضرورة الإعلان، الوالد لا يمكن أن يمنح طفله مثل هذا الموقف إلا إذا كان هو يواصل شخصيا مشوار نضجه، ليصبح أكثر موضوعية، فيستطيع أن يعطى تقديرا موضوعيا كاملا، وهذا هو ما يحتاجه الطفل:  رؤية لا تغفل الجانب السلبى أو التافه من الجارى

قوللى رأيك كلّه يعنى

قوللى إنك آه سامعنى

حتى لو رأيك بيوجع

أنا حاتعلم  وأطلع

حتى لو كانت الرؤية مؤلمة لأنها عرت النقص أو نبهت إلى الخطأ فهى تقدير أيضا، على شرط ألا تكون المسألة كلمات سطحية، أو مجاملة، أو رافضة فقط، كما يعلمنا هذا الطفل فى الأغنية، وهو ينبهنا أيضا فى هذا المقطع إلى أنه يفقس نفاقنا له ، أكثر مما نفعل نحن مع أنفسنا، وأن ما يحتاجه هو التقدير، وليس النفخ الفارغ

بس يعنى خلّى بالك

الحكاية مش كلام، أو  مشّى حالك

هيه مش لعبةْ مجاملة

إوعى تفهم إنى هابلة

إوعى تنفخنى زيادة

أو تقولها للجميع كده زى عادة

يكون التقدير ذو قيمة حقيقية حين  لا يكون بنفس الوتيرة (وأحيانا بنفس الكلمات)  لكل الأطفال أو لكل الناس، إن هذا السيل من المديح والمجاملة يفقد قيمته إذا لم يكن مختصا بهذا الشخص بالذات، إزاء هذا الفعل بالذات، نحن نذكر كيف كنا نستقبل شكر المرحوم محمد لطيف المعلق الرياضى خفيف الظل حين كان يبالغ فى شكر كل الحضور وغير الحضور من أول شرطى الأمن المركزى حتى مخطط الملعب وحارس المرمى، إذا حدث منا مثل هذا التقدير بالجملة لأطفالنا ، أو قمنا بمواصلة التقدير باستمرار على العمّال على البطال، فإن التقدير يفقد فاعليته حتما.

ثمّ تحذير آخر: حين يتواصل التقدير بحيث يصبح الإنجاز مرتبطا به طول الوقت طلبا للرضا، بمعنى ألا يتم قبول الطفل (أو أى شخص) إلا بما يعمل فعلا، تنقلب المسألة إلى تشريط معطل تماما.  نتعلم من الأغنية:

مش حابيع نفسى عشان أرضِى جنابك

مهما كنت جعان لِشُوفَكْ، أو حايوجعنى عتابكْ

هذا التنبيه هو الذى يحدد جرعة التقدير ووظيفتها، حتى لا يختزل وجود الطفل إلى مجرد إرضاء من حوله، وبالذات الوالدين. كما أن تنبيها آخر تنبهنا إليه ألاغنية على لسان الطفل، وهو أن التقدير قد يصدر من الكبير (أو الآخر) باعتبار أنه واجب متبادل عادة (كما أقدرك، تقدرنى) هذا ما يرفضه الطفل، خاصة إذا كان التقدير يصدر بشكل يدل على أنه غير مرتبط تحديدا بالإنجاز المحدد، أو أنه بمثابة عمل ما على الكبير كما سمع أنه واجب عليه أن يعمله.

لو تقولها “زى واجب”، مش عايزها

لو تقولها وانت مش شايف، أنا مستغنى عنها

علينا أن نتساءل ، ليس بالضرورة فى حالة الطفل ، وإنما بصفة عامة: ألا يحتاج الذى يقوم بالتقدير إلى من يقدره هو بدوره؟ أو يقدر تقديره؟  أو يرد عليه أن رأيه قد وصل؟ أوأن رؤيته قد أفادت؟ الإجابة على كل هذه الأسئلة هى بالإيجاب، لكن المشكلة ممن يأتيه الرد؟ مِن الذى سبق له أن قدّره؟   ألا يخشى أننا بذلك نقلب المسألة إلى ما يشبه الصفقة “قدرنى وانا اقدرك”: إنت أحسن ولد فى الدنيا، وانت أحسن بابا فى العالم !!! أم أنه على الذى يقدر بأمانة أن ينتظر الرد من مصدر آخر يقدره بدوره، وهكذا؟  إذا كان رئيس العمل يقدر الوالد الذى يعمل معه، فإن هذا الوالد يصبح أكثر قدرة عل تقدير زوجته أو إبنه أو مرؤوسه وهكذا. فهمت من خلال المثل القائل “إعمل الطيب وارميه فى البحر” (باعتبار أن التقدير الموضوعى هو شهادة وأمانة لصاحب الإنجاز، فهو عمل طيب) أن الرد الرائع الجميل لأى عمل طيب، بما فى ذلك التقدي الموضوعى، هو أن تكون هناك فائدة حقيقة للجانبين باعتبارهما نقطتين فى بحر الناس، بهذا نطمئن جميعا أن الكل يمارس ما يمارس لنفسه فى النهاية، فيكسب الجميع: الذى اعترف بالإنجاز، واحترمه، ووضعه فى حدوده، والذى قام بالإنجاز ووصله التقدير فعلا بشكل أفاد فى طمأنته، أو تشجيعه، أو تعديل موقفه، أو استمرار نموه وتقدمه، أو كل ذلك ، وغير ذلك.

لو تقولها وانت فاهم إيه حدودها

يبقى حاتجيلك ردودها

باللى يترعرع بنا،

واحنا بنعمّرها ناحية ربنا

إن العائد الحقيقى والباقى يكون كذلك حين يكون التقدير عائد على من قام به بإيجابية دفعه إلى ما هو أنفع له وللناس، هنا يتدخل ما أحب أن أسميه : العامل المشترك الأبقى، وهو الذى يتأكد حين يتم الإنجاز والتقدير المتبادل وغير المتبادل تحت مظلة ثقافة تضع خير الناس وتعمير الأرض جزء لا يتجزأ من العائد الذى يعود على كل المشتركين فى هذا الحوار الناضج، وغيرهم، أحسن وأقرب وأكثر إنتاجا وإبداعا بما رحمة من الحق سبحانه وتعالى وتوفيقه.

مستويات التقدير

إذا كان الطفل، بما أنه طفل، يحتاج إلى هذا النوع من التقدير من الأكبر، فهذا حقه، لكن الأكبر كما ذكرنا، إلى أن وصلنا إلى  نجيب محفوظ، هو يحتاج أيضا ذلك، وإذا كنا قد انتهينا إلى أن عائد التقدير الموضوعى الحقيقى هو من أى مصدر عام، وأن مصبه هو فى أى خير عام (لصالح الناس وتعمير الأرض)، دون مثالية أو تضحة، فإن ذلك يتطلب أن نبين أن تعدد مستويات التقدير هو المنقذ من أن يكون غيابه سببا فى الإحباط أوالتوقف. هذه مسألة تحتاج تفصيل لاحق، نوجز رؤوس مواضيعه فيما يلى:

1)    إذا حصلت على تقدير ما تنجز ممن تنتظر منهم التقدير وبشكل موضوعى ، فحلال عليك يا عم (من أول تقريظ مدرس العربى لموضوع التعبير الذى كتبته حتى فرص النشر وجوائز الدولة)

2)    عليك ألا تنسى أنه بقدر ما هو مهم تقدير الآخرين لك، فإن تقديرك لنفسك هو مهم أيضا، وقد يكون أهم، وخاصة إذا قست إنجازك بمقاييس موضوعية فعلا من واقع معايير عامة متفق عليها (وينفلق من لا يراك).

3)    إذا اطمأننت إلى مصداقية هذا المقياس الثانى فقد يكون مفيدا، وحافزا، أن تحترم تقدير عدد قليل ممن تثق فى رؤيتهم بأقل قدر من التحيز العاطفى (الثلليية)، دون أن تعتمد على ذلك وحده

image0124)    هناك أيضا تقدير التاريخ، وإن كان قد يأتى بعد رحيل صاحبه مثلما حدث مع كثير من العباقرة والمبدعين، إلا أن فائدته تطمئن المجتهد أنه حتى لو لم يجد من يقدره حيا، فالتاريخ بالمرصاد، يرصد كل إنجاز، ويقدره، مهما طال الزمن.

5)    قبل كل هذا، وبعد كل هذا، فثم يقين أنه إذا صدق الإنجاز، وأفاد الناس، وعمر الأرض، وأثرى الإبداع، فإن الحق سبحانه وتعالى يراه لا محالة، ويهيئ له من يراه إن آجلا أو عاجلا

 “وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى”

يرى، فعل مبنى للمجهول، ليسمح لكل من له بصيرة أن يرى، بما فى ذلك صاحب الشأن، والأهم والأخطر أن الحق سبحانه وتعالى سوف يراه، حتى لو لم يره أى آخر،

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *