الرئيسية / نشرة الإنسان والتطور / النظرية التطورية الإيقاعحيوية الجذور (6)الأطوار الثلاثة الأساسية لدورات المخ (5)

النظرية التطورية الإيقاعحيوية الجذور (6)الأطوار الثلاثة الأساسية لدورات المخ (5)

نشرة “الإنسان والتطور”

السبت: 18-6-2016

السنة التاسعة

العدد: 3215 

 الطبنفسى الإيقاعحيوى (59)

Biorhythmic Psychiatry

النظرية التطورية الإيقاعحيوية

   الجذور (6)

الأطوار الثلاثة الأساسية لدورات المخ (5)

الطور العلاقاتى الجدلى الإبداعى” (1)

(من ثنائية الوجدان إلى تعدد الوجدانات وحركيتها)

مقدمة

بعد أن استبدلنا  بمفهوم “الموقع” مفهوم “الطور” الحركى الإيقاعى المتكرر، نواصل اليوم تقديم  الطور الثالث والأخير (فى الأطوار الثلاث التى اخترناها لتمثل دورات المخ النابضة) وهو الطور العلاقاتى الجدلى الإبداعى

مراجعات:18-6-2016_1

كما سبق أن اشرت، فقد رفضت مؤخرا  أن أعتبر هذا الطور الثالث مجرد طور اكتئابى نتيجة للشعور بالذنب بعد التخلص من مصدر الحب المهدِّد بالترك (الأم)(1) كما زعمتْ مدرسة العلاقة بالموضوع، وذلك بعد أن تبين لى : أن ما أسمته  مدرسة الموضوع اكتئابا هو  فى الأساس إعلان عن  معايشة وعى “المأزق العلاقاتى البشرى” حين يتجاوز آلية الانسحاب والتوجس، فلا يستطيع أن يتمادى فى استعمال الآخر كملاذ يختبئ  فيه، ولا أن ينكره فيلغيه (الطور الانسحابى) ، وأيضا لا يعتبره مصدر تهديد مستمر  يحتاج للمواجهة والصراع المتجدد (الطور الكرّفرِّى) فيتبين أن هذا الآخر (الموضوع) هو ضرورة حتمية لابد من الحفاظ عليها دون التهامها لتختفى، أو الاختباء فيها فيمّحى،  وكذلك دون صراع معها طول الوقت، ومن ثمَّ لا يبقى إلا حفز مسيرة النمو (التطور الإبداع) لهما معا.

 إن الوعى بهذه الحركية فى هذا الطور بأى درجة هو المسئول عن ما لاحظتـْه مدرسة العلاقة بالموضوع من ثنائية الوجدان فى هذا “الموقع” (بِلُغِتَها)، الأمر الذى تطور من منظور الطبنفسى الإيقاعحيوى إلى “تعدد الوجدانات وتكثيفها” وهو أمر شديد الأهمية فى التركيبة البشرية خاصة، ويترتب عليه عادة تجليات عديدة متنوعة ومتداخلة، من بينها الاكتئاب فى صورتيه الإيجابية والسلبية،  جنبا إلى جنبا مع كل تجليات الوجدان المصاحبة والحافزة لاستمرار حركية الجدل الإبداعى فالنمو (التطور).

ما يخص الكائن البشرى بوجه خاص

برغم تراجعى عن تخصيص هذا الطور العلاقاتى  بالإنسان، إلا أننى سوف أقصر عرض هذا الموقف اليوم على ما يتعلق  بالإنسان نظرا لأنه موضوعنا الأصلى، وذلك نظرا لتمتع الكائن البشرى بالوعى جنبا إلى جنب مع درجة من الوعى بالوعى، بالإضافة إلى نعمة (ومحنة) اللغة.

وفيما يلى أهم ملامح هذا الموقف:

  • هو موقف يبدأ بالاعتراف بوضع الإنسان على قمة هرم الحياة التى نعرفها،
  • وهو يعلن أن الإنسان لا يكون إنسانا إلا فى تواجده “مع”، إنسان آخر،
  • فيكون هذا الإنسان الآخر : هو مصدر” الاعتراف به، وهو مَرْصد” شوفانه فى نفس الوقت،

وهنا يبدأ التميـّز البشرى فى فرض صعوباته الرائعة:

لما كان الإنسان قد اكتسب الوعى، ثم الوعى بالوعى كما قلنا، فقد أدرك أن ثمَّ  “آخرا” هو ضرورى لأنـْسَنَـتِـهْ، (الاعتراف به بشرا ذا كيان محدد المعالم ) وأن هذا الآخر الحقيقى هو مصدر الحياة الأرقى موقفهما معا، هذا الذى يسمىأحيانا: الحب، ثم يكتشف هذا الإنسان بعد اجتيازه طورىْ الانسحاب والكرّفرّ، يكتشف فى منطقة ما من مناطق وعيه (2) أن هذا الآخر الذى هو مصدر الحب الأساسي  (الحياة كإنسان) هو هو أيضا مصدر التهديد بالترك، (بالهجر، فالإهلاك).

هكذا يقفز الحذر من هذا المُحب الموضوعى فعلا ، مصدر الحياة والأنـْسَنـَهْ، لكنه حذر مصاحب بيقين أنه لا يستطيع الاستغناء عنه أو لا يستطيع إلغاءه، فهو مصدر الحياة برغم صعوبة الاقتراب، فلا بد من تحمّله والمضى “معه”، لكنه لا يستطيع فى نفس الوقت  أن ينكر التهديد بالترك  برغم اعترافه  بحتمية العلاقة، فينشأ التناقض الوجدانى !!! الأّوّلى وتحتد الحيرة ، ويزداد الغموض كالتالى (تقمصا):

o   أنا لا أستطيع الاستغناء عنه، أو عن من هو مثله

o  أنا على يقين – فى نفس الوقت– من أنه قد يتركنى، سوف يتركنى

o   أنا سوف أتألم حين يتركنى، بل إننى متألم الآن لمجرد ظهور هذا الاحتمال

o   أنا لن أدعه يتركنى

o   ولن أتركه بدورى (انسحب، أو ألغيه)

o   ولن أواصل الهجوم والدفاع فنحن لبعضنا البعض

o   لكننى لن أستسلم له

o   ولن أفتعل المعارك معه لمجرد الخوف من المجهول القادم

o     أنا أحبه

o   أنا أمارس معه نفس الدور

o   هو يحبنى

o  هو يمارس معى نفس الدور تماما

o   كيف أحتفظ بهذا وذاك الآن هنا معا

o  هذا مؤلم جدا،

o   لكنه بشرى جدا:

المأزق:

وهكذا يتبين أن هنا  الطور هو أعمق وأروع وأهم مأزق للنمو، ثم إن المسيرة تتواصل كالتالى (تقمصا) أيضا:

  •    ما أنا فيه من ألم وحيرة هو، أفضل من العودة إلى الكر والفر18-6-2016_2
  •   وهو أفضل من الكذب بإسقاط آخر من داخلى بمواصفات لا تُهَدِّدُنِى، فهذا المُسْقط هو من  صنعى أنا، فهو ليس آخرا أصلاً.
  •     هذا الآخر الصعب هو أفضل من العودة إلى قوقعتى لاغيا كل آخر
  •     يا لمأزق الألم/الحب/ الرؤية/ حتم الاستمرار، مخاض الولادة.
  •    لحتم المسيرة معه ساعيا، متألما، مثابرا، مبدعا
  •    لكى أكون إنسانا لا أملك إلا أن نواصل كل هذا معا

وبعد

هكذا بدت لى إيجابية هذا الطور بما فى ذلك ظهور ما يسمى الاكتئاب دون الانسحاق تحته.

ومع تطور فكرى واطلاعى ومن واقع ممارساتى مؤخرا:

 تبين لى أكثر فأكثر كيف أن المسألة لا تقتصر على ثنائية الوجدان، وتناقض وجدان واحد فى مواجهة نقيضه، وإنما تمتد إلى تعدد الوجدانات (توازيا مع وتداخلا فى:  تعدد مستويات الوعى، وتعدد حالات العقل، وتعدد العقول) مما لا يصل بالضرورة إلى مستوى الوعى الظاهر كاملا طول الوقت.

ليس بالضرورة أن نعى هذا التعدد ظاهرا أو نتعامل معه شمولا، لكن مجرد الاعتراف به، والسماح له بالاقتراب يخفف من تحوصلنا حول الذات، ومن أحادية النظرة، ومن الإفراط  فى استعمال الميكانزمات لدرجة معيقة أو مخجلة.

وغدًا نستكمل تسلسل الفروض

[1] – تناولنا هذا النقد مرارا قبل ذلك فى (نشرة  16-5-2016)  و(نشرة 23-5-2016  )

[2] – مع اختلاف حول سن هذا الاكتشاف  من عمر  1 إلى 3 سنوات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *