الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الأهرام / أنا أفكر : فأنا لست قاتلاً

أنا أفكر : فأنا لست قاتلاً

الأهرام : 16-6-1993

أنا أفكر : فأنا لست قاتلاً

حين عايشت محنة قرار الجامعة بحجب ترقبة استاذ بسبب فكره بعد النبش فى ضمير1666ه واستنتاج معتقده صوابا أم خطأ، قفزت أمامى حروف عنوان ظاهر محدد، لمحته فى صحيفة الأهرام حوالى سنة 1950 ، على ما أذكر يقول العنوان : الرسالة حق والفوضى فى النار، والكلام كان لجارنا أبى مصر الجديدة الشيخ “أمين الخولى”، الذى كنت أفرح، وأفخر بعمامته التقليدية، حينذاك تملكتنى شفقة عليه شفقة مشوبة بخوف حقيقى أن يتلقوه فعلا فى النار، وكان هذا الأستاذ يدافع فى مقاله أو حديثه هذا عن باحث فى كلية الآداب أعد رسالة تحت إشرافه (ماجستير أو دكتوراه: لم أكن أعرف ما هو الفرق)، فى قصص القرآن ، وكان يؤكد فضيلته أن من حق الباحث العلمى أن يقرأ قصص القرآن، والقرآن عامة، باستلهام جديد، ووعى جديد، ورؤية جديدة، وهكذا.. تكون وعى جيلى وهو الجيل الذى قلب حركة الجيش المحدودة إلى ثورة غير محدودة، ثم رحت أفهم أكثر وأكثر لماذا يمسك شاب سكينا ويغمده فى قلب نهضتنا فتخنق الدماء المتخثرة نبض عقولنا، ألم يكرم الله الإنسان بفضيلة التفكير والكلام ليستوعب بهما طاقة القتل والعدوان.

فإذا حرمتنا اللجان والجماعات معا (حكومة وأهالى) من الكلام والتفكير (إيمانا وإلحاداً) الا يدفعوننا بذلك إلى أن تولد فتنة وإرهابيين.

وما حدث من لجنة الترقيات ثم من مجلس الجامعة، دون مجلس القسم والكلية هو أخطر من مسألة أن يرقى أستاذ أو تؤجل ترقيته وهو الخطر من أن يفند  رأى عانى برأى علمى أخر، إن ما حدث هو تفسير للخراب الذى يحيط بنا والتخلف الذى ننساق إليه والظلامة التى تغلف وعينا حتى تسد مسامه والانقراض الذى ينتظرنا ما دمنا لا نستحق التطور هكذا، وفى ذلك أقول.

  • أولاً: لن يشرف هذا الاستاذ المساعد أن يصبح استاذاً (خير مساعد) فى جامعة اتخذت هذا القرار هكذا سنة 1993 .
  • ثانياً : مثل هذا الذى كان خليفا أن يحرمنا شبابا وشيوخا من فخر الانتماء إلى مثل هذه الجامعة.
  • ثالثاً : من رأيى أن الخاسر (شخصيا) بهذا القرار هم :

(1)            صاحب الرأى المنفرد .

(2)            السبعة الموافقون على رأى واحد منفعل يكون رأى رأيين أخرين من ثقات مثالين.

(3)            ثم رئيس الجامعة ووكيلها  ومجلسها .

إذ من من كل هؤلاء سيجرؤ على أن يفخر، ولو بعد حين ، بتوقيعه على مثال هذا القرار مثلما فخر لطفى السيد باستقاله، أو مثلما فخر أمين الخولى بتلميذه…الخ، حتى لو تصور أنه بتوقيعه هذا إنما يدافع عن الدين كما بتصوره.

  • رابعاً : أما الخاسر الحقيقى (لا الشخصى) من كل هذا فهو ديننا الحنيف ومصرنا الحضارة، والفكر الخلاق عامة.
  • خامساً : لن يرضى شباب الجماعات عن هؤلاء الذين ضيقوا الخناق على فكر الأحرار فشباب الجماعات – على خطأ اندفاعهم – ياتنسون بالثوار أكثر من اطمئنانهم للقاهرين من أهل السلطة حتى ولو بدا هؤلاء الأوصياء على الفكر وكأنهم حراس الحفاظ على الدين!!!
  • سادسا: إن هذا لادين متين وكل من يخاف عليه – هكذا – يحط من شأنه ولا يثق فى قدرته على المواجهة ووكيلها ان يقوما باحصاء عن عدد الذين أجيزت ترقيتهم ضد إجماع (وليس أغلبية) قرارات تلك اللجان، وذلك فى فى الحالات التى تقدمت فيها مجالس الاقسام التى تقدمت فيها مجالس الاقسام ومجالس الكليات برأى مخالف لرأى اللجان، ثم يرون لم كان الكيل بمكيالين وأين المصداقية.
  • ثامناً : على مجلس الكلية، ومجلس القسم وكل من يهمه الأمر أن يقوموا بكل الطرق المشروعة، بتوصيل هذه القضية الجوهرية إلى أعلى مستويات الدولة لإقرار حقيقة بديهية تقول:

إن قهر التفكير والاجتهاد على كل المستويات وأولها مستوى الجامعة، هو المسئول عن العربات المفخخة وضرب السياحة فانهيار الاقتصاد ..

ثم إن السماح بتكفير – صريح أو محذوف – لأى مفكر مهما كان رأيه هو اعلان لضعف الموقف الدينى والايمانى عامة لمن يفعل ذلك .

بل إننى أتصور أن هذا الدين المتين لن يقوى أكثر فأكثر فيبدع ويواكب ويساهم ويتجاوز، إلا إذا فتح باب الاجتهاد على مصراعيه، دون خوف عليه من ملحد قديم أو جديد، (واسألوا جارودى قبل أن يرتد إن شاء الله بعد أن نخبطه بكل هذا ومثله!!!)

وبعد

يا سادتى: يا أصحاب القرار وأهل الربط كيف وصل بحكم – بناء – الحال إلى هذا الحال؟!

اللهم لا تسلط علينا من لا يخاف على دينك أكثر منا .

الله انت نزلت الذكر فاحفظه – بنا مبدعين – من سجن يرادج به، وجمود يجهض إعادة ولادته، فيحرم العالم من أن يسهم إسلامنا فى حضارة تحتاجه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *