الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الأهرام / أبي فارس أحلامى وبطل كل الرويات

أبي فارس أحلامى وبطل كل الرويات

نشرت فى الاهرام

ملحق الجمعة: 29-8-2014

 أبي فارس أحلامى وبطل كل الرويات

حوار مع نسرين مهران

يبيع الكتب القديمة أو الزهور.. كان وزيراً أو إمبراطوراً.. سيظل الأب فى عيون الكثير من الفتيات فارساً ملهماً لهن، بسلوكه وكلماته، باحثة عن الأمان والأستقرار، قد يصل الأمر عند بعض البنات أن تشترط – مستقبلاً- فى شريك حياتها أن يتحلى بملامح والدها وعطف قلبه، ورجاحة عقله..

 ويا حبذا لو كان على نفس الدرجة العلمية.. تؤكد التجارب أن الإبنة صديقة والدها تصبح أكثر قدرة على مواجهة الحياة ،أكثر ثقة فى نفسها، لذا، لا تندهش حال وجدت فتاة تسعد بجملة «أنتى نسخة من أبيك»، فهذا – بالنسبة لها- إطراء يدعو للفخر والإعتزاز.

 براعم الورد تتفتح.. ويدق على باب القلب الهوي، بالنسبة لكل فتاة، فإن علاقة الأب بالأم – وفقاً لبعض الدراسات النفسية- تبدو هى أكبر عامل مؤثر فى شخصية الإبنة وعلاقاتها العاطفية خلال سن المراهقة، فإذا شهدت البنت – فى هذه المرحلة العمرية-قصص عشق والديها والمشاعر الجميلة التى تتجلى بينهما، فإنّها ستحاول أن تعيش التجربة ذاتها، وهذا ما يكسبها مزيداً من الثقة – مستقبلاً- بصورتها كإمرأة.. تجعلها تحسن إختيار الشريك الذى يناسبها وينسجم مع تطلّعاتها.

 فيما يعتقد الكثيرين أن الرجل الأول فى حياة الفتاة  )والدها(  هو من يحدد نظرتها للرجال بشكل عام، لذا دائما ما تترقب الفتاة كلام وتصرفات وسلوكيات والدها بحرصشديد، على عكس الإبن الذى يرتبط فى الغالب بوالدته.. يشير هنا دكتور يحيى الرخاوى أستاذ الطب النفسى إلى أنه من حيث المبدأ، يمكن الإجابة بنعم، لكن علينا أننتذكر أننا نتحدث عن إبنة تعيش فى مصر، وأبوها كذلك، ونحن فى سنة 2014، بعد سنوات إمتحان عصيبة، ثلاثة سنوات بل ثلاثين، فلا بد أن نتوقع أن تختلف الإجابة عن إجابة الفتيات العربيات اللاتى إجتمعن بالعجفاء بنت علقمة السعدى يتسامرْن، حتى قالت آخرتهن فى إجابة سؤال طرح على الجميع: أى الرجال أفضل؟، فأجابت الأخيرة بعد أن عددت صديقاتها الصفات الأمثل  فى الرجل الأفضل..:» وأبيكن إن فى أبى لنعْتُكًن جميعا… ..إلخ» (وهذا يعنى : بحياة كل أهلكم ، إن أبى فيه كل الميزات اللى ذكرتوموها فكل صفاتكم الجميلة توجد فى أجدع رجل)، فقلن لها :»كلَّ فتاةٍ بأبيها مُعجَبَةْ»، فصارت مثلا!!.

أمّا الآن، فأين هو هذا الأب الحاضر الحانى القوى الراعي، التى تعجب به إبنته بعد ما إهتزت قيمة «الكبير»، كل كبير، كل هذا الإهتزاز، هو أن يكون معتمداً عليه، وفى المتناوّل، ليس مهمّا حضوره الجسدى المستمر، لكن الشعور الدائم بأنه هنا وهناك معا، يكفى جدا.

وحول ما إذا كانت ظاهرة إعجاب البنت بشخصية والدها ظاهرة محلية فقط أم عالمية، يرى دكتور الرخاوى أن الأمر يختلف عن الزمن الماضي، فقد أصبحت فرص إستقلال الفتيات عن الأسرة فى سن مبكرة أكبر وأكبر فى العالم الغربي، ومع ذلك فإن الأب عندنا لم يعد له نفس صورة «سى السيد»، التى ملأت وعى خديجة وعائشة مع إختلافهما عن بعضهما.

 نصائح ودّ

    تشرق الشمس من أحزاننا حين نتذكر كلمات الأحباب، ونسير على درب نصائحهم لنا.

لا يقتصر دور الأب فقط على أن يفرش فوق إبنته جناحيه ليخبئها من عيون الناس وغدر الزمان، إنما عليه أن ينصحها ويكون خير صديق لها: بأن يوصيها أن تبقى كالماء الصافى وأن تكون الحقيقة والصدق غايتها.. وأن تظل الأرض بعطائها.. ويعلمها كيف تنشد ترتيلة فى حب الوطن وأن تموت فداء كرامته. ما هى إلّا كلمات يقولها الأب إلى ابنته الصغيرة، فتسمع صداها الأجيال القادمة.

    بالتأكيد هناك منهج تربوى يجب على كل رجل إتباعه أثناء تربية إبنته، مع مراعاة إنتقاء كلماته والتحلى بالأخلاق الحميدة حتى يصير فى عينيها القدوة والسند والقوةبجدارة وإستحقاق. يعلق هنا دكتور يحيى الرخاوي: أنا أميل إلى أن أوصى كل أب(وأم) أن يقلل من نصائحه المباشرة، سواء إابنته أو لإبنه، ولا أقوم بدورى بنصح أحد بالكلمات، النصحية الحقيقية هى التى تصل من السلوك على أرض الواقع أمام البنات والأولاد، حين تقول السيدة عائشة عن النبى عليه الصلاة والسلام أنه «كان خلقه القرآن»، نشاهد القرآن فعلا يوميا آنيا يمشى بين الناس، فنصيحتى للأب هى أن يكونفى المتناول، على مسافة مرنة من إبنته، وأوافق تماما على إحتمال أن يكون مستودع أسرار ابنته، قد يكون فى كثير من الأحيان أقدر على حمل الأمانة من أم البنت..كذلكعليه أن ينتبه إلى ما آل إليه سوء إستعمال الموبايل والأنترنت هذه الأيام، فلا يفرط فى التغاضي، وفى نفس الوقت يتجنب التجسس الذى يجعل جزءا من العلاقة يتم فى الظلام «عسكر وحرامية».

بعد الرحيل  

عقب رحيل الأب، يسكن الفتاة إحساس الظمأ للحياة.. وقد يدخلها هذا الشعور فى أزقة تمتد فى الظلام. فهل من علاج للغياب؟.. فى هذا السياق يجيب دكتور الرخاوي:الحزن على الأب تفاعل طبيعي، وغيابه هو الغريب!.. وهو حزن وارد بغض النظر عن سن الإبنة، فلماذا نسميه «عقدة نفسية»، فى حين أن غيابه هو التبلد العاطفي!. أمّاكيف نملأ هذا الغياب، فهو أن نتذكر أن الله سبحانه وتعالى موجود، وأن هذه إرادته، وأن ندعو له، حتى لو كانت ذكرياتنا معه مؤلمة، وأن نستغفر له مهما تصورنا ماوصلنا من أخطائه.. وأن نفترض –خاصة بعد رحيله- حسن النية.

    روائح.. وذكري.. ورسائل عديدة يتركها الأباء للأبناء بعد رحيلهم. ليتهم يدركون أن تاريخ طويل يمشى من ورائهم، وأن سلوكهم الشخصى يحسب عليهم!.. كيفما تكون أخلاقك، تكون أخلاق ابنتك، كما انعكاس الخيال على المرآة.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *