الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الأهرام / كيف يزيده النقص جمالا؟

كيف يزيده النقص جمالا؟

نشرت فى الاهرام

 13-12-2004

كيف يزيده النقص جمالا؟

منذ أحد عشر سنة، وأنا أكتب فى هذه المناسبة بانتظام حامدا الله أن أتاح لى الفرصة لأكون بهذا القرب من هذا الإنسان النادر: نجيب  محفوظ.  فى العام الماضى فى نفس المناسبة:  نشرت لى هذه الزاوية  الكريمة قصيدة  فى فضله على شخصى ورؤيتى ووجودى، ويشهد الله أنها لم تعطه حقه. لامَني  بعض من يحبونه ويعرفوننى على ما اعتبروه مبالغة لم يعتادوها منى، حتى اتهمنى البعض بتقديسه، رفضت وتنبهت وراجعت نفسى أتساءل: أليس فى هذا الجميل الرائع نقصا يستأهل الإشارة إليه أمانة وقربا؟. وهل من اللائق أن نشير إلى هذا النقص– إن وجد – فى مناسبة الاحتفال بعيد ميلاده الذى يمن الله به علينا كل عام حين يبقيه لنا : يسعى بيننا، و نسعى حوله؟

أعترف أننى وجدت فى نفسى عزوفا حقيقيا عن الالتزام بالكتابة فى هذه المناسبة هذا العام. لماذا الالتزام؟ ماذا يعنى؟ هل هو مقرر؟ ثم كيف تصل التهنئه بصدق نبضها إن أصبحت واجبا راتبا؟ وأتذكر صلاح جاهين (وهو حرفوش باكر رحمه الله) وهو يشكل قصيدته التى أولها “فى يوم من الأيام راح اكتب قصيدة… وآخرها: “حاكـتبها وان ماكتبتهاش أنا حر، الطير ماهوش ملزوم بالزقزقة”.  فأقول، ولا أنا ملزوم بالتهنئة.

بمجرد أن قررت أننى غير ملزم انبثقت منى الكتابة فى اتجاه يبدو لأول وهلة معاكسا. تساءلت : ماذا  يسعد نجيب محفوظ أكثر: أن ينقسم الناس فيه إلى محب لا يرى فيه أى عيب أيا كان، ومبغض أو مسطح أو متشنج يتهمه بما ليس فيه لمجرد اختلاف فى الرأى أو قصور فى الفهم؟ أم أن نراه ويراه الناس كما هو بما هو؟ ألا يجوز لمحب مثلى أن يرى فى محفوظ عيوبا حقيقية وعميقة وكثيرة، تعفيه من التنزيه، وتبرئنا من التقديس؟ ألا يشك هذا الذى يمدحه على طول الخط، طول الوقت، أنه بذلك يحب شخصا أخر غير هذا السهل الممتنع المثابر العنيد الذى يتواجد بيننا  بكل الضعف والخطأ والقوة والإصرار والظرف والحضور والخوف والجمال؟

فإذا كان الامر كذلك فما هو نقصه الذى تكتمل به إنسانيته مما أريد أن أعترف به لأعلنه  فى عيد ميلاده تهنئة مختلفة؟ أخشى أن أستعمل أسلوبا بلاغيا أمقته (منذ الثانوى) وهو ما يقال له: “مدح بما يشبه الذم”، كما أنى لا أريد أن أستدرج القارئ إلى مقدمات خادعة لأصل إلى عكسها مثل قول الشاعر: “ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم،  بهن فلول من قراع الكتائب”!!. إذن فما هو ذلك النقص الذى يمكن أن يزداد به جمالا، فنزداد قربا؟

 لابد وأننى أدركت من طول العشرة بعض ما قدرت أنه نقصا فيه. ثم لابد وأنه يعرف مثل  ذلك وغير ذلك عن نفسه. لكننى على يقين أنه لا العيوب التى أتصورها هى عيوبه بالضرورة، فقد أكون مخطئا، ولا العيوب التى يرجحها هو عن نفسه هى نقائص فعلا، فظلم النفس وارد، ثم إنى لا أشير بحال إلى  آراء الذين رفضوه وانتقدوه – سياسيا خاصة – حين عجزوا عن أن يستوعبوا مسئوليته وأمانته مع نفسه وبلده.

لكل ذلك جاءت تهنئتى له هذا العام بأن أعلن كيف أنني أحب هذا الرجل بكل ما هو، مهما بدا بعض ما رجحت جسيما، فوجدت أن هذا يزيده قربا، ويزيدنى حبا، ودعوت الله أن يكون لى موقعا فى قلبه وأنا بعيوبى التى يعرفها، والتى لا يعرفها.

وكل سنة وأنت طيب أيها الإنسان القوى الجميل الناقص الرائع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *