الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الأهرام / من الحزن الى الغضب الى الالم الخلاق‏!‏

من الحزن الى الغضب الى الالم الخلاق‏!‏

الاهرام 17/5/2004

من الحزن الى الغضب الى الالم الخلاق‏!‏

اصبح ما يسمى الشفافيه عبئا على وجدان مواطننا العادى‏.‏ حذرت فى المقال السابق من تعود هذه المناظر حتى لا نتبلد‏.‏ لعل هذا هو ما دعا الشاعر المتوهج عبدالرحمن الابنودى ان ينشر فى مقاله المعنون للقدس وللحزن ما وصلنى على انه دعوه ان نحزن معا وهو ما اسماه الحزن القومي‏!!‏ وبرغم وعيه الفائق بان الحزن شان فردى ابتداء الى ان حماسه للفكره وصل به الى ما ادهشنى وهو يقول‏:‏ اما ان يحزن كل منا بمفرده اما ان يحزن كل بلد على طريقته فان هذا يعنى الموت يعنى القبول بكل ما يلتف حول رقابنا‏..‏ قبلت بدايات المقال وجمال تصويره للحزن الحزن كالشعر تتجمع اطيافه‏..‏الخ لكننى رفضت ما انتهى اليه‏.‏

الشعراء يعرفون الحزن بتشكيلاته افضل من الاطباء النفسيين الذين تخدع اغلبهم شركات الدواء لتجعلهم يضعون كل ما هو حزن فى سله واحده يسمونها الاكتئاب‏،‏ وهات يا مضادات‏،‏ ودمتم‏.‏ يحتج صلاح جاهين على ذلك قائلا الحزن ما بقالهوش جلال ياجدع‏،‏ الحزن زى البرد زى الصداع‏ (برغم انه وقع فيما حذر منه‏)،‏ كما يصنف صلاح عبدالصبور الحزن فى قصيده اغنيه الى الله الى انواع كثيره اكتفى منها بقوله‏.‏ ثم بلوت الحزن حينما يفيض جدولا من اللهيب‏..‏ ثم انى عثرت فى اوراقى ما سبق ان سجلته قائلا‏..‏ يتحفز حزن ابلج‏،‏ حزن ارحب من دائره الاشياء المنظوره‏،‏ حزن اعمق من تشكيل الكلمات المسطوره‏،‏ حزن يقذف غضبا‏،‏ يشرق الما‏،‏ حزن يستوعب ابناء الحيره‏،‏ يجمع اطراف الفكره‏،‏ حزن يحنو‏،‏ يدمي‏،‏ يلهب‏،‏ يصرخ‏،‏ حزن يحيى روحا ميته ضجره‏.‏

مثل هذا الحزن هو ثروه الانسان الواعى بوجوده الحى المشارك‏،‏ هو هذا الشعور الرائع النابض الذى يعطى للحياه معنى شريفا حين يلزم صاحبه الا يكون لوجوده قيمه الا فى حضور اخر فى وعيه‏:‏ قبل وبعد ومع حضوره على ارض الواقع‏،‏ هذا الحزن هو النهر الزاخر بالحركه الراوى لكل منابع الوجدان‏.‏ لكنه يظل امرا شخصيا جدا مهما اتسعت دائره المشاركه‏.‏ ينبغى الا يوجد شيء اسمه الحزن القومي‏.‏ خشيت ان تنقلب المساله مكلمه رثائيه تفريغيه‏،‏ او محزنه جماعيه للاشعار بالذنب والتقصير بشكل متكرر‏ (مثل مظاهر الاحتفال بذكرى مقتل الحسين او صلب المسيح عليه السلام‏).‏

ثمه فروق مهمه ينبغى ملاحظتها فى تدرج الوجدان بين الحزن والغضب والالم الخلاق‏:‏ تتجلى مشاعرالحزن الحيوى من حده الوعى بالظلم او الاهانه او الاحباط‏ (او بها جميعا‏)،‏ كل واحد بطريقته‏،‏ وحين تتحرك طاقه احزان الافراد تتجمع من غضب فردى الى غضب عام عارم‏.‏

لكن هذا الغضب لا يكفى وحده ان ينقلب تلقائيا الى طاقه نضاليه تكتسح كل العقبات‏..‏ الخ‏ (كما تمنى الابنودى فى مقاله‏).‏ الارجح انه سيرتد الينا ما دمنا لا نملك اليات تفعيله فى ثوره ترد اعتبارنا وكرامتنا فورا‏.‏

علينا ان نتحمل مسئوليه ذلك دون ان نحبط جدا‏.‏ ان الالم النفسى النابع من الغضب المرتد اذا ما حافظنا عليه وتحملنا مسئوليته‏،‏ هو الالم الخلاق الذى يمكن ان يفجر الابداع الفردي‏،‏ فالعام‏،‏ فتتشكل روى جديده‏،‏ تعرض حلولا جديده املا فى بعث جديد‏ (ثم حزن جديد‏،‏ فغضب‏،‏ فنجاح او احباط‏،‏ فالم فابداع ناقص فحزن جديد‏..‏ وهكذا ابدا‏).‏

هذا هو اروع ما يميزنا بشرا‏.‏

نحن لا ينقصنا الدعوه إلى حزن قومي‏،‏ وانما يجدر بنا ان نتحدث عن غضب قومى‏،‏ او عمل قومى‏،‏ او مشروع قومي‏،‏ ينبع من واقع احزاننا الخاصه جدا التى تحملنا مسئوليه وجودنا بشرا معا‏:‏ الان‏،‏ فمستقبلا‏.‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *