الرئيسية / مقالات صحفية / جريدة الأهرام / ماذا بعدما لعبنا معا لعبة الألفية؟

ماذا بعدما لعبنا معا لعبة الألفية؟

الأهرام

18/1/2000

ماذا بعدما لعبنا معا لعبة الألفية؟

إن أهم وأطرف ما حدث في هذه المناسبة هو أن العالم كله‏,‏ قد شارك في فرحة ما‏.‏ في مناسبة ما‏,‏ في لعبة ما‏,‏ لعبة بكل قواعد اللعب‏,‏ بما في ذلك أن واحدا يحرن ويقول والله ما انا لاعب‏(‏ فيدل كاسترو‏)‏ وأيضا أن آخر يتلكأ ويهدد ويشترط ثم فجأة يسارع قبل البداية مباشرة أنه‏:‏ فيها لاخفيها‏(‏ الصين‏).‏

لا يشمل تعريف اللعب ـ نفسيا ـ تلك الألعاب التي تجري في الملاعب أو في الصالات حيث يبلغ سعار التنافس وإرهاق التدريب مبلغا هائلا من القسوة والاحتراف‏.‏ يؤكد ويبرر هذا وذاك ما وصلته أسعار اللاعبين وأجور المدربين الفلكية‏.‏ وكذا مكافآت الفوز ومقاييس التفوق التي تصل في بعض ألعاب القوي إلي جزء من عشرة من الثانية‏,‏ هذا ليس لعبا‏,‏ هذه صفقات وأكل عيش وتنافس قهري‏(‏ بزينس‏),‏ وإنما يعرف اللعب عند علماء النفس والطب النفسي بأنه‏:‏ نشاط حر‏,‏ يعمللذاته ولا يرجي منه ـ ابتداء ـ عائد نفعي واقعي محدد‏,‏ وهو نشاط مرغوب فيه‏,‏ لما يعد به ويحققه عادة من فرحة وانطلاق‏.‏ ويكون هذا النشاط‏(‏ اللعب‏)‏ أطيب وأبهج إذا تم في جماعة‏.‏ أليس هذا هو ما حدث بالضبط‏,‏ هكذا‏,‏ علي مستوي العالم حتي الصباح في تلك الليلة الليلاء؟‏!‏ ألا ينطبق هذا التعريف تحديدا علي تلك الهيجة الهائصة التي عمت الدنيا من جزيرة فوكلاند في أقصي الشرق إلي جزيرة سماو في أقصي الغرب؟ عمت الدنيا بتلقائية منتشرة شاملة‏.‏ لا أحد يمكن أن يجزم بمصدرها الأول‏(‏ أنظر بعد‏)‏ هكذا اتفق العالم أن يلعب‏,‏ لعبة احتفالية الألفية الثالثة‏,‏ أما كيف كان ذلك؟ فقد قرأت الحكاية علي الوجه التالي‏:‏

تعودنا منذ تعلمنا القراءة والكتابة‏,‏ بل والاستماع‏,‏ تعودنا علي هذه الأرقام الأربعة التي تبدأ من اليسار بواحد ثم تسعة‏,1901‏ ـ‏1911‏ ـ‏1952‏ ـ‏1967‏ ـ‏1973‏ حتي‏1999,‏ ثم نمي إلي علمنا أن هذا الشكل اللحوح‏,‏ بما له وما عليه‏,‏ سوف يتغير فأصابتنا دهشة طفلية بريئة‏,‏ صورت لنا أنه ما دام هذا الشكل المتكرر جدا سوف يتغير فلابد أن العالم بالتالي سوف يتغير‏,‏ خاصة ونحن في مرحلة تنبهنا وتلح علينا أنه‏:‏ إما التغيير وإما الهلاك فقررنا دون مؤامرة أن نفرح معا بهذا الرسم الجديد لأرقام التأريخ‏,‏ نفرح فرحة طفل لم يتعلم حتي الكتابة فراح يفضل منظر رص الأصفار الثلاثة بجوار بعضها علي يمين الرقم اثنين‏,‏ فرحنا نلعب بها‏,‏ ونغني لها وكأننا ندحرج بليا ينحني لها رقم اثنين في تحية نصف نصف‏,(‏ بالعربية‏)‏ أو كأننا نتقاذف كرات يتراقص أمامها رقم اثنين بالانجليزية فإذا كان الأمر كذلك فلا اعتراض علي ما اتفق الناس عليه‏,‏ حتي لو أعلنوا أنهم أجلوا الألفية الثالثة لتأتي بعد الرابعة‏.‏ خيال اللعب الحر يسمح بذلك وأكثر‏.‏

هذا هو التفسير الذي استدرجت إليه لأفهم وأصالح ما جري في تلك الليلة مما تابعته بالصدفه مضطرا‏,‏ ذلك أنني في البداية كنت رافضا متحفزا محتجا أن أستدرج إلي ما لست موافقا عليه‏,‏ أنا لا استطيع أن اشارك فيما ليس لنا وما ليس نحن‏,‏ وقد تابعت أصوات التنبيه الطيب‏(‏ صلاح منتصر مثلا‏)‏ أن هذا الحفل سيتم قبل الهنا بسنة‏,‏ كما تابعت سماحة المتراجع‏,‏ وكأن صلاح يقول مبتسما‏:‏ ما دمتم مصممين فلنحتفل مرتين‏,‏ كما تابعت الأصوات الزاعقة المتألمة وهي تنبهنا إلي خطورة اختزال التاريخ إلي ما يقرونه هم تحديدا‏,‏ وكأن تاريخ العالم يبدأ حين يقررون لا أكثر ولا أقل‏,‏ ولو صح ذلك فيمكن أن يمتد المنطق إلي‏:‏ ماداموا احتكروا حق تقرير متي بدأ التاريخ‏,‏ فهم الذين سوف يقررون متي ينتهي‏(‏ بدأت ملامح ذلك في كتاب فوكوياما نهاية التاريخ‏)‏ فأخذت بعضي وهربت علي بعد ستمائة كيلو متر من احتفالنا الليزري الخاص‏.‏

كنت هناك وحدي تماما‏,‏ في شقتي المتواضعة بين جيران طيبين‏,‏ ليس لهم أدني علاقة بهذه الحكاية من أصله‏,‏ وزاد من اطمئناني إلي نجاح خطة الهروب أنه ليس عندي طبق‏(‏ دش‏)‏ في هذا المكان البعيد ـ جنوب سيناء ـ يمكن أن يلاحقني رغما عني إلا أنني وأنا في عز هربي مستغرقا في الحوار مع صديقي الحاسوب‏(‏ الكمبيوتر‏)‏ ومربع التليفزيون الصغير يحتل زاوية هامشية في الجزء الأعلي الأيسر من شاشته‏,‏ كما اعتدت أن أشغل خلفية استغراقي ببعض ألوانه الصامتة‏,‏ أو أصواته الهامسة‏,‏ أو كليهما وأنا في هذه الحال فرحا بنجاحي في الهرب‏,‏ أدعم إصراري علي مقاومة هذه الخدعة الجماعية‏,‏ إذا بي اكتشف أن القناة الثانية التي تصل إلي هذا المكان النائي من خلال محطة تقوية حديثة تجرني جرا إلي العالم كله‏,‏ وهو يلعب معا هذه اللعبة الكوكبية‏,‏ لم يكن أمامي خيار‏,‏ ورائي ورائي فاضطررت للمتابعة بجزء من وعيي‏,‏ ورويدا رويدا وجدتني واحدا من بين هذه المليارات من البشر الذين يلعبون هكذا‏,‏ ووجدتني غير رافض تماما لما يجري كما كنت أتصور أو كما كنت أصر وأيضا تذكرت ذلك الشعور الذي سبق أن أشرت اليه في هذه الصفحة حين كنت أشاهد كأس العالم‏,‏ ودخل هدف ما في فريق ما ووجدتني أشارك الف مليون بني آدم الشعور نفسه حتي كدت أسمي هذا الذي حدث أنه شئ أشبه بالحج الإلكتروني‏,‏ ساعتها تذكرت خبرة أخري مرت بي منذ عشرين عاما‏,‏ وأنا أصحو قبل الفجر أقتطف بضع ساعات أكتب وأقرأ فيها قبل أن تلتقطني عجلة الواجبات اليومية التي لا تتوقف‏,‏ وكنت أحتاج أن أفتح المذياع الصغير أسمع أي دندنة لا أتابعها‏,‏ وكنت أفرح حينذاك وأنا أسمع لغات لا أعرفها‏,‏ وأسأل نفسي في صمت عن معتقداتهم وعن ديانتهم وعن مآلهم وعن رحمة ربنا بي‏,‏ وبهم‏,‏ وأطمئن إلي عدله طمأنينة غامرة حتي اعتبرت أن اختراع المذياع الترانسستور هذا يساعد علي التقرب إلي الله سبحانه‏,‏ إذ يقرب الناس المختلفين من بعضهم بعضا‏,‏ حتي كتبت في لذلك‏:‏ غصبا صدفة لمس إصبعي المفتاح‏,‏ فسرت كلمات عجمية‏,‏ تنتزع السيف من الغمد‏,‏ تلتهم ظلام الرؤية‏..‏ إلي أن قلت يجتمع السامر من أحباب الله‏:‏ البيض السود السمر الحمر‏,‏ البيذق والقرز ورخ اشاه وأخيرا قلت يتراقص سهم الأفق يفتح وعيي مترجف الأعشي‏,‏ فيريني العالم‏..‏ مذياعا ملقي في حجم الكف‏,‏ والواحد ألف‏..‏ والناس أكثر العالم‏:‏ أحد وسع الكون بدون مثال‏:‏ يتصاعد كدح الناس إلي خالقهم جمعا في معراج الرحمة عاودني كل هذا وأنا أتابع هذه المظاهرة العالمية وحيدا في أقصي الجنوب فرحت أشاهد ما يجري وأنا أعمل مازلت علي الحاسوب وشاركت الجميع من أول فرحة الاستراليين حتي الرقص في هاواي‏.‏

وبعد أن أدرك التلفاز القابع في زاوية الحاسوب الصباح فالظهر سكت عن الاحتفال المباح والقهر عاودتني التساؤلات والمراجعة فمن الناحية الموضوعية لا يختلف اثنان علي أن الألفية الثالثة لم تبدأ بعد‏,‏ والمسألة لا تحتاج إلي مناقشات وإثباتات فأي طالب في سنة ثالثة ابتدائي يعد من واحد لعشرة وأي مجموعة أطفال تردد أغنية بابا قالي عد لمية‏:‏ عشرة عشرين تلاتين اربعين‏..‏ تسعين مية‏,‏ يعلم أي واحد من هؤلاء أن سنة ألفين هي المكملة للألف الثانية‏,‏ وليست بداية الثالثة‏,‏ ولكن الذي حدث لابد أن يشير إلي قيم ومبادئ أخري غير هذا الحساب الساذج قيم ومبادئ لابد أن توضع في الاعتبار ونحن نتابع ما يدور حولنا ونحاول أن نشارك فيه أو أن نرفضه وفيما يلي بعض ذلك‏:‏

أولا‏:‏ إن اتفاق العالم كله علي شكل ما‏,‏ ورأي ما‏,‏ ونظام سوق ما‏,‏ واحتفال ما‏,‏ وتوقيت ما‏,‏ لا يعني أن أيامن هذا هوا لصواب‏,‏ ولا أنه هو الأصوب‏.‏

ثانيا‏:‏ يبدو أن ما يجمع الناس عليه له من الأهمية والجذب والدلالة ما هو في مرتبة الحقائق الموضوعية المجردة‏,‏ أو أكثر حتي ولو انطلقت هذه الحقائق من معامل الأبحاث أو من مراصد الفلك‏.‏

ثالثا‏:‏ إذا كان الأمر كذلك وكان ما أجمع عليه أغلب الناس قد أدي إلي هذا الاحتفال قبل الهنا بسنة كما ذكرنا فلماذا تثار ضدنا نحن المسلمين في كل رمضان وفي كل عيد‏,‏ ما يشبه المعايرة بأننا ناس غير علميين وأننا نفضل الخداع البصري الذي يرصد هلالا لم يولد بعد‏,‏ يرصده طالب مكافأة أو منجذب لعاطفة أو مصاب بهلوسة بصرية‏,‏ نفضل أيا من ذلك علي حسابات الفلك؟ وكم كررت ردا علي ذلك أن قياس الدين وتعليماته بما استحدث من علم وما تعملق من عقلانية‏,‏ هو إهانة للاثنين باختزال أحدهما للآخر‏,‏ فالدين لا ينقص أو يزيد إذا نحن صمنا يوما زيادة أو يوما ناقصا‏,‏ المهم أن يشترك الناس في أمر ما‏,‏ وأن تظل علاقتهم بالطبيعة وبالله مباشرة متجددة ومحترمة وذات دلالة‏,‏ بعيدا عن وصاية الآلات والحسابات التي ينبغي أن تستعمل فيما جعلت له لا أن تستعمل بديلا عن علاقة الناس بعضهم ببعض‏,‏ أو عن علاقة الناس بالطبيعة المباشرة‏.‏ علي شرط ألا يحل رأي الناس محل موضوعية المعلومة وإنما يتم التكامل بوضع كل منظومة معرفية حياتية في موضعها وأن تقاس بمقياسها هي دون تعميم أو وصاية من أخري‏,‏ وأيضا دون تنافر‏.‏

رابعا‏:‏ إن الذي سهل أن يتفق الناس عند هذا الخطأ الظريف‏,‏ وبالتالي أن يلعبوا معا هكذا‏,‏ هو إنجازات التكنولوجيا المعاصرة حتي الذين هم حول حد الفقر‏,‏ أمكنهم أن يشاركوا بالمشاهدة‏,‏ وبالتقمص المندهش‏.‏

خامسا‏:‏ إن صح أن بعض العالم كان يلعب كل هذا اللعب معا‏,‏ والباقي يتفرج كل هذه الفرجة في اتفاق مبني علي خطأ طريف كما ذكرنا‏,‏ فإنه قد يلزم علينا بعد نهاية اللعبة أن نتساءل من ذا الذي ضحك علي العالم هكذا لتحديد هذا الوقتبالذات؟ أقصد من ذا الذي قرر ميعاد اللعب‏,‏ ومكان اللعب وطريقة اللعب؟ ليس مهما أن نجد إجابة وليس لائقا أن نتهم أمريكا مثلا ـ كما اعتدنا ـ بأنها وراء كل هذا الملعوب‏,‏ المهم أن هذه الشائعة‏(‏ أن الألفية الثالثة بدأت‏)‏ مهما يكن مصدرها قدسرت بسهولة خطرة بين بقاع العالم لمدة عام أو بعض عام‏(‏ علي الأقل‏)‏ حتي صدق الناس أنهم يمكن أن يكونوا معا دون حتي التوقف عن إشكاليةالتحيز إلي ما يمثله الغرب أو إشكالية التحيز إلي التاريخ الأحدث دون التاريخ الأعرق‏.‏

إن خطورة الأمر تتمثل في إمكان تسريب أي فكرة ـ صوابا كانت أم خطأ ـ حتي تسري بين الناس كل الناس بهذه السرعة‏,‏ فيصدقوها بنصف وعي‏,‏ أو حتي بدون وعي حتي تصبح هذه الفكرة حقيقة أكبر من أي حقيقة موضوعية‏,‏ هنا مكمن الخطر فلا بأس أن يرقص الناس ويغنوا وأن يطلقوا الألعاب النارية قبل الهنا بسنة ولكن الخطر كل الخطر أن تستعمل الوسيلة نفسها فنتلقي ما تبثه إلينا بالتسليم نفسه في أمور جادة لها أثار باقية قد تكون ضارة إلي درجة التهديد بالانقراض‏(‏ صدقوني‏)‏ وأورد هنا بعض الأمثلة لمثل هذه الأفكار التي تتمادي في الانتشار دون سند موضوعي حتي لو بدت براقة وواعدة ورشيقة‏,‏ وأحيانا مثالية‏:‏

‏1‏ ـ فكرة مجتمع الرفاهية كهدف إنساني أسمي‏,‏ أو أوحد مع أن الهدف الحقيقي للبشر أعمق وأرقي وأجمل من حكاية الرفاهية هذه خذ‏,‏ مثلا الكدح إلي وجهه تعالي كدحا لنلاقيه‏,‏ قارن ذلك برفاهية الاستلقاء أمام التليفزيون أو رفاهية أمل صيد السمك بعد المعاش‏.‏

‏2‏ـ فكرة تقديس سياسة السوق باعتبار أنها الحل الأمثل لضمان التنافس ومن ثم خفض الأسعار ثم لا نري إلا مزيدا من التنافس‏,‏ والاحتكار بواسطة الشركات المندمجة مع تهميش دور الحكومات أمام جشع المؤسسات التي جعلت حركة النقود‏(‏ لا مسئولية الاقتصاد‏)‏ هي الإله الجديد لهذا العصر الغامض‏.‏

‏3‏ـ فكرة نهاية التاريخ تحت زعم أنه لم يعد هناك مجال لما يسمي الصراع بين الأيديولوجيات والنظم السياسية والاقتصادية ومن ثم فإن كل ما بقي أمام الإنسان هو أن يحسن أداءه بالمنهج المتاح ليحقق هدف النظام المتفق عليه‏!!‏ مع أنناـ أصحاب المصلحة ـ لم نتفق بعد علي شئ واحد‏.‏

‏4‏ـ فكرة تقديس المعلومات الجزئية الخارجة من معامل الأبحاث بمنهج محدود‏,‏ مع أن هذه المعلومات مهما تبرق لا تمثل إلا إحدي قمم جبال المعرفة الظاهرة علي سطح محيط وعي الناس‏.‏

‏(‏ملحوظة‏:‏ القمم الأخري تشمل‏:‏ المعرفة الإيمانية والمعرفة الفنية أقول المعرفة الإيمانية وليس فقط الاعتقاد الديني‏,‏ وأيضا المعرفة الفنية وليس فقط الاستمتاع الجمالي بالفن‏).‏

‏5‏ـ فكرة عبادة الديمقراطية‏(‏ وخاصة ديمقراطية الإنابة‏)‏ بغض النظر عن وسائلها ومطابخها‏.‏

‏6‏ـ فكرة مشروعية الشذوذ الجنسي لعموم البشر‏(‏ وأفضليته أحيانا‏)‏ باعتباره طبيعة بشرية بديلة‏.‏ كل هذه أصبحت أفكارا شائعة ومقبولة وبعضها مبرر وبعضها مقدس وأنا لست بصدد مناقشة أي منها الان لكن ما أنبه إليه حالا هو دلالة ما حدث لا من حيث صوابه من خطئه فقد لعب العالم وفرح وشاركته مضطرا وما كان قد كان‏,‏ وإنما أناقش الأمر من حيث الانتباه إلي خطورة الوسيلة التي إذا استعملت لإقحام أفكار معتقدات بذاتها فلابد من الانتباه إلي احتمال الضرر حتيالانقراض ولنتذكر ان الانقراض قديما كان يتوقف علي مسيرة التطور وقوانين الطبيعة‏,‏ أما الآن فقد يتوقف علي من يتحكم في هذه الوسائل المغيرة علي وعي وسلوك النوع‏(‏ نحن البشر‏),‏ فالتاريخ لا يحكي لنا تفصيلا عن بداية خطأ أي نوع من الأنواع التي انقرضت اللهم إلا إشارات إلي عدم تناسب المحيط مع المسيرة التطورية لكن النوع البشري يمتلك من الوعي الوسائل ما يمكن أن ينبهه إلي أن المسألة الآن اصبحت تجري في هذا الاتجاه‏(‏ الانقراضي‏)‏ علي الرغم من الإنجازات المتسارعة واللعب الجماعي الزائط‏.‏

إن محاولة التعرف علي القوي التي أصبحت تدير دفة العالم ـ وتزرع الأفكار وتتحكم في الألعاب ـ سرا وعلانية تقول إن من يملك ما يكفي من المال والسلاح ووسائل الإعلام يمكنه أن يمسك الدفة سرا وعلانية‏,‏ وليس أمام الأضعف إلا أن يتبع كلا من الخطأ والصواب دون تمييز دقيق ضاربا تعظيم سلام‏,‏ زائطا أو راقصا أو مليزرا‏(‏ مستعملا الليزر‏),‏ ولتوضيح ذلك فلنتصور مثلا أن أمريكا وإنجلترا وفرنسا اتفقت منذ يونيو سنة‏1999‏ أن يؤجلوا هذه الاحتفالات سنة كاملة حتي يسايروا العلم والموضوعية‏(‏ يعني‏),‏ فهل كان أي أحد يجرؤ علي أن يحتفل الاحتفال نفسهه هكذا؟ هل كانت كوريا أو مصر أو نيجيريا ومعها الهند الذرية تجرؤ أن تحتفل وقتما تشاء؟ رغم أنف السادة الذين هم هل كان سيستجيب لنا أحد إذا قلنا‏:‏ إننا نحتفل لأن سنة‏2000‏ دمها أخف‏,‏ ومنظرها أجمل‏,‏ وأن المهم أن نلعب معا‏,‏ وأن يتفق الناس‏..‏ إلخ؟‏!..‏ في حين قرر الرؤساء الكبار أن يكون الاحتفال سنة‏2001‏ إن نصيبنا في هذه الحال لن يكون سوي سيل من السخرية والاتهام بالجهل والتخلف بما يكفينا وزيادة‏,‏ لكن إذا قال المقولة نفسها هؤلاء الكبار الأقوياء الشطار فكله يسكت‏,‏ ثم يشارك وهو يرقص وحتي يفرح دون أن يقرر هو لنفسه‏:‏ متي أو لماذا‏!!‏ ومن يجرؤ أن يقاوم يمكنه أن ينشر مقالا‏,‏ حتي في الأهرام وقد يقول نكته ثم يستسلم‏,‏ ربنا يستر‏!‏

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *